أخبار عاجلة

رسائل إلى الأسقف.. أوراق تكشف هموم الأقباط قبل 1400 عام

رسائل إلى الأسقف.. أوراق تكشف هموم الأقباط قبل 1400 عام
رسائل إلى الأسقف.. أوراق تكشف هموم الأقباط قبل 1400 عام
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في مطلع القرن السابع الميلادي، سيم القديس "الأنبا بيسنتاؤس" أسقفًا على مدينة قفط بمحافظة قنا، وظلّ راعيًا لإيبارشيته ثلاثين عامًا، اتسمت حكمته بالرؤية الرعوية العميقة ومحبة الناس له. ومؤخرًا، تم العثور على أرشيف بريدي نادر يحتوي على رسائل وُجهت إليه من كهنة وشمامسة ورهبان، وحتى من عامة الشعب والمسؤولين، وتناول كتاب “تاريخ المسيحية والرهبنة وآثارهما في أبروشيتي نقادة وقوص، وإسنا والأقصر وأرمنت” لنبيه كامل عادل فخري، مؤسسة القديس مارمرقس لدراسات التاريخ القبطي، 2008م تلك الرسائل مما أضاء لنا جانبًا إنسانيًا وروحيًا من تاريخ الأقباط في تلك الحقبة.

قضية زوجية كادت تصل إلى البطريرك

الرسالة الأولى جاءت من القس "كلابيسيوس"، الذي أوفده الأسقف لحلّ نزاع عائلي. المشكلة كانت بين “بيلا” ابن أحد الكهنة، وزوجته “تسارا” ابنة الشماس “ديوس”، بعد أن هجرها الزوج. القس حاول معالجة الأزمة محليًا، محذرًا من أن ذوي الفتاة يعتزمون رفع القضية للإسكندرية، في إشارة ربما لعرضها على الأب البطريرك. الرسالة تكشف عن آلية حل المشكلات الأسرية وحرص الكنيسة على احتواء النزاعات داخل المجتمع المحلي.

استغاثة من أجل "مسكينة فقيرة"

رسالة أخرى تفيض بالمشاعر، كتبها رجل يُدعى "أخنوخ"، يرجو فيها تدخل الأسقف لإنقاذ سيدة فقيرة حبسها أحد الدائنين، “يوحنا بن سليمان”، لعجزها عن سداد دينها. كتب أخنوخ:

“اصنع رحمة معها وأرسل… فإني أعانى كثيرًا من أجلها”.

الخطاب يعكس الدور الاجتماعي للأسقف كملجأ للمهمشين والمعوزين، ويُظهر كيف كانت الكنيسة ملاذًا للضعفاء.

هروب ابنة وطلب عدالة كنسية

الرسالة الثالثة تحمل شكوى أب من هروب ابنته مع شاب، وسط خلافات عائلية متشابكة. بعد فشل الوساطات، توجه الأب إلى الأنبا بيسنتاؤس قائلًا بثقة:

“احكم بيننا في هذا الأمر ومهما أمرت فإنني سأنفذ حكمك”.

تُظهر الرسالة احترام الناس لسلطة الأسقف وثقتهم في عدله، حتى في أكثر القضايا حساسية.

زوج يذعن لهيبة الأسقف

رسالة رابعة من “أنطونيوس”، الذي كُلف من الأسقف بالتدخل لدى زوج طرد زوجته. ما إن علم الزوج أن الأسقف مهتم بالقضية، حتى أعاد زوجته وتراجع عن اتهاماته، تقديرًا لمكانة الأنبا بيسنتاؤس. وهنا يتجلى نفوذ رجل الدين ليس فقط روحيًا، بل اجتماعيًا وتأثيرًا مباشرًا في حياة الأفراد.

حرمان من ميراث وشكوى من ظلم الأهل

شاب أرسل برسالة حزينة، يشكو حرمانه من الميراث بسبب تدخل البعض في علاقته بوالديه. كتب بأسى:

“لقد ضللوا أمي العجوز وخدعوا أبي المسن.. لا شك أن الله الذي يرتب الأمور سوف لا يسمح أن يحرمني هكذا”.

ويكشف نص الرسالة أن الشاب كان يعاني من مشكلات مالية حادة، ربما كانت السبب الحقيقي لغضب والديه عليه، بعد أن تورّط في قروض بنكية لم يستطع سدادها.

أعشاب ومحبة.. لا تخلو من دعاء

أكثر الرسائل طرافة وإنسانية جاءت من “جيثاديوس”، أحد أبناء الأسقف، الذي أرسل له أعشابًا طبية لعلاج آلام التبول، بناءً على نصيحة طبيب. كتب بمحبة:

“لقد ذكرت لي في خطاب سابق معاناتك… وقد أرسلت لك هذا لتختبره… اقبل قدميك المقدستين، اذكرني يا سيدي وأبي بيسنتاؤس الأسقف”.

رسالة تعكس ليس فقط المحبة الشخصية، بل عمق العلاقة بين الشعب وراعيهم.

رسائل تتجاوز الزمان والمكان

اللافت أن مشكلات الأقباط في تلك الحقبة لم تكن بعيدة عن واقعنا المعاصر: خلافات أسرية، قضايا ميراث، قروض، وحتى استغاثات اجتماعية. واللافت أكثر أن الأسقف لم يكن مجرد مرشد ديني، بل حَكَم ومُصلح اجتماعي وطبيب قلوب.

خاتمة: من القلب إلى قلب الأسقف

جميع الرسائل اختُتمت بعبارات تبجيل ومحبة وطلب بركة، في صورة رائعة لعلاقة رعوية تقوم على المحبة والثقة لا الهيمنة والرهبة. وقد جاء هذا الأرشيف النادر ليعيد لنا صورة حية للكنيسة القبطية في القرون الأولى، كبيت للمحبة والعدل والرعاية الحقيقية.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق مياه سوهاج تنفذ ورشة عمل لحساب البصمة الكربونية
التالى السيطرة على حريق في معرض موبيليا بجمصة بالدقهلية (صور)