إن نجاح الصهيونية في إعادة إنشاء الدولة اليهودية الصهيونية الحديثة في فلسطين إلى الوجود، يشير إلى إصرار شديد لتنفيذ رؤية مستقبلية ثاقبة، تم التخطيط لها بدقة منذ 2500 عام تقريبا ـ أي قبل الميلاد بخمسمائة عام تقريبا، حيث قام رجال الدين اليهودي سواء كانوا من الصدوقيين (الكهنة سدنة الهيكل) أو كانوا من الفريسيين (الإصلاحيون الجدد) ومنهم الحاخامات، بدراسة الأسباب التي أدت إلى انهيار مملكة داود، بعد انقسامها وتفككها عقب الأسر البابلي عام 586 قبل الميلاد، وطبقا لوجهة نظر كل منهما.
واتفق رجال الدين اليهود على أن يبدا البحث بدراسة التحديات والتهديدات التي تعوق إعادة بناء المملكة مرة، ولذا كان الاتفاق على أن تكون أولى الخطوات الفكرية هي: تجميع وتدوين التوراة (بعد العودة من الأسر البابلي 530 ق.م)، حتى يمكن الحفاظ على الدين والعقيدة، لضمان استمرار تنفيذ الوعد الإلهي للشعب المختار، في الأرض المقدسة. ومن هنا تأتى أهمية كتاب: "قراءة في الفكر الاستراتيجي لليهود من كتبهم المقدسة لإقامة الدولة اليهودية" لمؤلفه اللواء دكتور محمد الغباري مدير كلية الدفاع الوطني، والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة 2025.
طرح الباب الأول من الكتاب الأهمية الجيوبولويتكية لبلاد الشام والخلفية التاريخية والدينية لليهود، كانت بلاد الشام (لبنان وسورية وفلسطين والأردن) مسرحًا للأحداث العالمية الكثيرة على مر العصور، منذ ما يقرب من أربعين قرنًا من الزمان، شهدت خلالها موجات هجرة وصراعات وحروبًا كثيرة من حضارات قائمة على هذه الرقعة من الأرض، أو حضارات مجاورة وغازية من شرقها (البابليون – الفرس) ومن شمالها (اليونانيون – الرومان – العثمانيون- الفرنسيون – البريطانيون ) ومن جنوبها (الفراعنة) وحديثا هناك الصراع العربي الإسرائيلي، والذى يدعى الصهاينة ان جذور هذا الصراع تعود إلى ثلاثة الآلاف سنة منذ أن وطئت أقدام إبراهيم عليه السلام – وعائلته أرض كنعان، بعد عبوره نهر الأردن من أمام (نابلس)، ومنحه الرب الوعد الإلهي ولنسله من بعده بملكية أرض كنعان (فلسطين التي كان يسكنها الكنعانيون والفينيقيون).
وتعددت القبائل السامية التي سكنت فلسطين قبل دخول بنى إسرائيل منها قبائل الحوريين والحيثيين، واليبوسيون (سكان القدس) والعماليق وينسبون إلى عمليق بن لوذ بن سام بن نوخ عليه السلام، واليرحمئيليون من سكان فلسطين القديمة والزمزميون كانوا طوال القامة ويسكنون شرق البحر الميت.
وتشكل التاريخ اليهودي بالارتحال من بين النهرين (الفرات ودجلة) إلى أرض كنعان (فلسطين) ثم الانتقال إلى مصر ثم العودة مرة أخرى بعد التسلل والتغلغل إلى أرض كنعان، والاستيلاء على أجزاء من أرضها بالقتل والسلب وإقامة المذابح، وترويع السكان ثم تأسيس المملكة المتحدة أو الداودية، ثم تحولها إلى اليهودية بعد انقسامها.
واعتمدت المنظمة الصهيونية العالمية على استمرار وتطوير فكرة الخلاص بالعودة إلى (فلسطين) وأعطت الفكرة الطابع السياسي، كما قال هرتزل لشكل الدولة اليهودية كحل عصري فكان المعنى الخطير والكامن خلف ذلك هو اغتصاب أرض فلسطين، وتشريد شعبها (فعل الآباء بكنعان) ولذا كان لزاما أن تكون القوة هي الوسيلة (قيام موسى بتجييش الشعب للعودة) وكذا فرض الأمر الواقع (كما فعل يوشع بن نون – وداود وسليمان لإقامة المملكة اليهودية).
وتناول المؤلف في الباب الثاني الكتب والفرق الدينية للجماعات اليهودية، والتي تشمل التوراة (العهد القديم) وهي كلمة عبرية تعنى الهداية والإرشاد في حين تشكل جزءا من العهد القديم، ولكن اليهود يطلقون عليه اسم التناخ لعدم أيمانهم بالعهد الجديد للمسيحيين. وأسفار العهد القديم المتداولة اليوم تسعة وثلاثون حسب النسخة البروتستانتية، وستة وأربعون حسب النسخة الكاثوليكية.
وكتب (أسفار) الحكم والأمثال والأناشيد، وهي تضم عددًا من الأسفار، هي مزامير داود، سفر الأمثال – أيوب – الإنشاد – راعوث – مراثى أرميا – الجامعة وعزرا ونحميا وإستر، وآخر الأيام وسفر أيهوديت وطوبيا والمكابين في النخة الكاثولويكية. وأيضا كتب (أسفار) الرؤى، وتعنى الكشف عن الغيب، وخصوصًا عن آخر الأيام ويوم الحساب.
ومن الكتب المقدسة لليهود (التلمود) وهو مصطلح مشتق من الكلمة العبرية لامد، وتعنى الدراسة والتعليم، وهو الثمرة الأساسية للشريعة الشفوية، لتفسير الحاخامات للشريعة المكتوبة (التوراة) وهو يمثل الذاكرة الجمعية لليهود على مدى عشرين قرنًا تقريبًا كما يمثل المرجعية الدينية للمتشددين اليهود حاليًا (اليهود الأرثوذكس-الأصوليين / التلموديين).
وللحديث بقية