المفاوضات من الألف إلى الياء.. ولكن ماذا لو رفضت حماس؟
تركز خطة ترامب على إنهاء الحرب فور موافقة الجانبين، مع انسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية تحضيرًا لإطلاق سراح الرهائن وتعليق العمليات العسكرية وتجميد خطوط القتال حتى يتم الانسحاب الكامل تدريجيًا. تنص الخطة على إعادة جميع الرهائن خلال 72 ساعة من قبول إسرائيل للاتفاق، بما في ذلك الأحياء والأموات، مع الإفراج عن أسرى فلسطينيين ورفات قتلى مقابل كل رهينة إسرائيلية، بالإضافة إلى العفو عن أعضاء حماس الملتزمين بالتعايش السلمي وتوفير ممر آمن للراغبين في مغادرة غزة.
بنود خطة ترامب لـ إنهاء الحرب على غزة
وتضمن الاتفاق إرسال مساعدات كاملة وفورية إلى غزة عبر الأمم المتحدة والوكالات ذات الصلة دون تدخل من إسرائيل أو حماس، مع إعادة تطوير القطاع بشكل يضمن ألا يشكل تهديدًا لجيرانه، وفرض خطة اقتصادية شاملة تشمل لجنة خبراء لإنشاء منطقة اقتصادية خاصة وتسهيل الاستثمار والتنمية. كما أكدت الخطة على عدم إجبار أحد على مغادرة غزة مع ضمان حرية العودة لمن يرغب بالمغادرة. وتقوم آليات الحكم على إنشاء “مجلس سلام” دولي بقيادة ترامب ويضم توني بلير، والإشراف على لجنة انتقالية فلسطينية وتقنية غير سياسية، مسؤولة عن وضع إطار العمل وتمويل إعادة تطوير غزة حتى تخضع السلطة الفلسطينية لإصلاحات جوهرية.

وتشمل الخطة نزع السلاح بالكامل من حماس والفصائل الأخرى تحت مراقبة مستقلة، مع الالتزام الكامل بغزة الجديدة ببناء اقتصاد مزدهر والتعايش السلمي مع الجيران، ومتابعة الشركاء الإقليميين لضمان تنفيذ هذه الالتزامات. أما على الصعيد الأمني والسياسي، فتتضمن الخطة إنشاء قوة دولية مؤقتة لتحقيق الاستقرار في غزة، وتسليم الجيش الإسرائيلي تدريجيًا الأراضي المحتلة لهذه القوة دون ضم أو احتلال جديد، مع ترك مسار إقامة الدولة الفلسطينية غامضًا، مشروطًا بتقدم إعادة تطوير غزة وإصلاح السلطة الفلسطينية، إضافة إلى إطلاق حوار أمريكي-إسرائيلي-فلسطيني لتحديد أفق سياسي للتعايش السلمي والمزدهر.
دعم دولي يؤيِّد خطة ترامب لـ إنهاء الحرب على غزة
رحبت دول ومنظمات دولية بخطة السلام التي أعلن عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة بين إسرائيل وحركة حماس، معتبرة أن المبادرة قد تمثل فرصة لإنهاء الأعمال القتالية وتخفيف المعاناة الإنسانية في القطاع. أكدت الأمم المتحدة استعدادها لدعم خطة ترامب، مشيرة إلى أنها تتابع جهود الوساطة المختلفة التي قامت بها دول عدة، مثل قطر ومصر، وأنها جاهزة لتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة لضمان تنفيذ الخطة بشكل فعّال. وأعربت إيطاليا عن ترحيبها بالخطة، معتبرة أنها قد تشكل نقطة تحول لإنهاء الحرب، والإفراج الفوري عن الرهائن، وضمان وصول المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين. وشددت على أن حماس أمام فرصة لإنهاء الحرب عبر الإفراج عن الرهائن ونزع سلاحها.
من جانبها، رحّب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالتعهد الأميركي بإنهاء الحرب في غزة وتحرير الرهائن، مؤكدًا ضرورة التزام جميع الأطراف بالشروط لضمان نقاش معمق وبناء سلام دائم في المنطقة. وأشاد توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، بخطة ترامب واصفًا إياها بالشجاعة والذكية، مشيرًا إلى أنها توفر فرصة لإدخال الإغاثة الفورية إلى غزة وضمان أمن إسرائيل، مع دوره المتوقع في "مجلس إدارة السلام" لمتابعة المرحلة الانتقالية. كما أعرب رئيس الوزراء البريطاني الحالي كير ستارمر والنرويج والمجلس الأوروبي عن دعمهم للمبادرة، مشددين على ضرورة تعاون الأطراف وإنهاء الأعمال العدائية فورًا، والإفراج عن جميع الرهائن، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة للسكان المدنيين في غزة.
موقف نتنياهو
أكد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دعمه لخطة ترامب لإنهاء الحرب في قطاع غزة، مشيرًا إلى أن الخطة ستعيد جميع الرهائن، أحياء وأمواتا، وتنزع سلاح حماس، كما ستضمن ألا تشكل غزة تهديدًا لإسرائيل مستقبلًا. بالرغم من تعنت نتنياهو، لكنه أقر بأن التزام إسرائيل بالخطة يمثل خطوة مهمة نحو تهدئة الأوضاع، وأن التعاون مع الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي ضروري لضمان نجاح التنفيذ.

وفي مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الأمريكي، شدد ترامب على أهمية مشاركة أوروبا في خطة السلام، موضحًا أن "هيئة السلام" التي ستشرف على إدارة غزة ستكون تحت رئاسته، لكنه أشار إلى أن ذلك لم يكن بناءً على طلبه الشخصي. بالرغم من تعنت نتنياهو، لكنه أبدى مرونة نسبية في التزامه بالخطة، ما يفتح الباب أمام إمكانية تطبيقها على الأرض في حال تجاوبت حماس والفصائل الأخرى مع شروط الاتفاق.
بين صمت شركاء نتنياهو وترحيب المعارضة
على الرغم من الصمت النسبي لشركاء نتنياهو في الحكومة، فقد رحّبت المعارضة الإسرائيلية بخطة ترامب بشكل واسع. حيث وصف زعيم المعارضة يائير لابيد الخطة بأنها "الأساس الصحيح للتوصل إلى صفقة الرهائن وإنهاء الحرب"، فيما شدد زعيم حزب الديمقراطيين يائير غولان على أن إنهاء الحرب وإعادة الرهائن ونزع سلاح حماس لا يرفضه إلا من يكن عداءً مطلقًا لإسرائيل، مؤكدًا على توفير شبكة أمان كاملة للخطة، لكنه أوضح أن الاحتفال الحقيقي لن يكون إلا بعودة جميع الرهائن إلى ديارهم.
كما أشاد بيني غانتس، الرئيس الأسبق لأركان الجيش الإسرائيلي، بالجهود الاستثنائية للرئيس ترامب لإبرام صفقة تبادل الأسرى وحماية أمن إسرائيل، مؤكدًا أن الوقت حان لتنفيذ الخطة وتحقيق التغيير في غزة عبر استبدال نظام حماس الإرهابي بدول عربية معتدلة، وتوسيع دائرة التطبيع الإقليمي. وفي سياق متصل، رحّبت عائلات الرهائن الإسرائيليين بالإعلان عن الخطة، معتبرين أن نجاحها سيضع حدًا لمعاناتهم الطويلة، داعين إلى التنفيذ الفوري للاتفاق لضمان عودة جميع المختطفين إلى أسرهم وعودة الجنود النظاميين والاحتياطيين سالمين إلى ديارهم.
“ندرس الخطة”.. موقف حماس
تسلّمت حركة "حماس" خطة ترامب المكونة من 20 بندًا لإنهاء الحرب في غزة، وأكدت مفاوضوها أنهم سيدرسون الخطة بحسن نية وسيقدمون ردّهم لاحقًا، وفق ما أفاد مسؤول مطلع على المحادثات. وتشمل الخطة إنشاء مجلس حكم مؤقت يترأسه ترامب ويضم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، مع ضمان عدم إجبار سكان غزة على مغادرة القطاع، وإطلاق سراح جميع الرهائن خلال 72 ساعة من قبول إسرائيل للخطة، فضلًا عن الدعوة لإنهاء الحرب فور موافقة كلا الطرفين.

ورغم موافقة ترامب ونتنياهو على الخطة، فإن موقف حماس لا يزال حذرًا، خصوصًا بشأن نزع السلاح الذي ما دام رفضته الحركة، وهو أحد شروط نتنياهو لأي هدنة طويلة الأمد. وفي الوقت نفسه، حث الرئيس الأميركي الشعب الفلسطيني على تحمل المسؤولية عن مصيره وتبني مقترحه للسلام، في حين شدد نتنياهو على أن إسرائيل ستتخذ الإجراءات اللازمة إذا رفضت حماس الاتفاق أو حاولت تقويضه، مؤكدًا أن المهمة ستُنجز مهما كانت الطريقة.
تعليقات حول خطة ترامب لـ إنهاء الحرب على غزة
عامة ومطّاطة
يرى المترقبون والمطلعون أن غالبية بنود خطة ترامب عامة ومطاطة، ما قد يتيح لإسرائيل التملص من التزاماتها واستئناف العدوان، بينما لا تحدد الخطة جدولا واضحا لانسحاب القوات من غزة، رغم الالتزام بإعادة الأسرى خلال ٤٨ ساعة من قبولها. كما تشير الخطة إلى منح أعضاء حماس الملتزمين بالتعايش السلمي عفوا، وإتاحة ممر آمن لمن يريد المغادرة، إلا أن آليات التنفيذ تظل غامضة أمام احتمالية استهداف إسرائيل لبعضهم بذريعة المشاركة في أعمال عدائية سابقة.
ويشير المطلعون إلى أن الخطة لم تحدد دور الأونروا في توزيع المساعدات، ما يطرح تساؤلات حول إمكانية ربطها بحماس، بينما تتضمن الخطة تولي حكومة انتقالية من التكنوقراط الفلسطيني إدارة غزة تحت إشراف هيئة دولية تنشئها الولايات المتحدة بالتعاون مع شركاء عرب وأوروبيين، وهو ما يراه البعض بمثابة احتلال أمريكي مغطى بريطانيا، مع تحميل الدول العربية عبء التمويل دون تحديد فترة انتقالية واضحة.
في المستقبل وليس الآن.. دولة فلسطينية قد تكون
من الملاحظات المهمة الأخرى حسب المطلعين، أن الخطة تتضمن إنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة للإشراف على الأمن في غزة، وتؤكد على عدم إجبار أحد على مغادرة القطاع، وتهدف إلى انسحاب تدريجي للجيش الإسرائيلي، ومنع إسرائيل من شن هجمات مستقبلية على قطر، إضافة إلى برامج نظرية لنزع التطرف وحوار بين الأديان. ومع ذلك، كل هذه البنود مطاطة وتعتمد على «قد» لتحقيق دولة فلسطينية مستقبلية، ما يتيح إمكانية تعطيلها أو تخريبها من إسرائيل أو أمريكا.

إشراف أمريكي وإدارة بريطانية
ويخلص المترقبون إلى أن الميزة النسبية لخطة ترامب تكمن في وقف العدوان والتهجير وبدء انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية، لكنها تحول غزة عمليًا إلى محمية تحت إشراف أمريكي وإدارة بريطانية، مع وجود قوات وأموال عربية، بينما تظل التفاصيل التنفيذية للكثير من البنود غامضة ومفتوحة للتفسير والتأويل، مما قد يعطل التطبيق الفعلي للخطة على الأرض.
ماذا لو رفضت حماس؟
ربمايقتنع البعض بأنَّه على حركة المقاومة الإسلامية حماس الموافقة على البنود، على الاقل لوقف نزيف الدم الذي لم ينغلق قرابة عامين، وأنَّ حرب الإبادة الجماعية التي استمرت ما يربو نحو 600 يومًا، لم تزل جديرة بالتنازل عن كثير من الشرزط. إلَّا أنَّ خطة ترامب تحدد مسارين محتملين لتطبيق الاتفاق في غزة. المسار الأول يعتمد على موافقة حماس على إطلاق سراح جميع الرهائن خلال 72 ساعة، حيث تنسحب القوات الإسرائيلية إلى خطوط متفق عليها، ويبدأ تطبيق تدابير وقف الأعمال العدائية وتسليم الأراضي تدريجيًا إلى سلطة انتقالية. ويعد هذا الإجراء الأول من نوعه الذي توافق بموجبه إسرائيل علنًا على الانسحاب من أجزاء من غزة وتسليمها لقوة أمنية دولية، رغم أن الخطة لا تحدد جدولًا زمنيًا واضحًا لعملية التسليم.

أما المسار الثاني، في حال رفضت حماس، فتواصل إسرائيل هجومها العسكري في القطاع، مع التزامها بزيادة مساعداتها الإنسانية إلى غزة، وتسليم الأراضي تدريجيًا للسلطة الانتقالية. ومع ذلك، يظل السؤال الأهم هو كيفية ضمان إطلاق سراح الرهائن في حالة الرفض، إذ لم يقدم الاقتراح الأمريكي إجابة واضحة، بينما شدد نتنياهو على أن "إسرائيل ستنجز المهمة بنفسها" إذا لم تقبل حماس الخطة، ما يوضح استمرار الضغط العسكري والسياسي في حال عدم التعاون.
في المُجمل وحتَّى هذه اللحطة، خطة ترامب تقدم فرصة غير مسبوقة لوقف العدوان وإطلاق الرهائن وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، مع بدء انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية، لكنها في الوقت نفسه تترك القطاع تحت إشراف أمريكي وبريطاني، وتضع تفاصيل كثيرة ضمن إطار غامض قابل للتأويل. المترقبون والمطلعون يرون أن نجاح الخطة يعتمد بشكل حاسم على التزام جميع الأطراف بتطبيقها حرفيًا، وعلى قدرة المجتمع الدولي على ضمان استمرار العملية الإنسانية والسياسية دون انتكاسات، وإلا فإن الغموض في الكثير من البنود قد يؤدي إلى تعطيل التطبيق الفعلي للخطة على الأرض.