في عالم اليوم الذي تسوده التحولات العسكرية السريعة، تتجه الصين نحو إعادة صياغة مفهوم الردع الإستراتيجي عبر الجمع بين تطوير قدرات "عصر المعلومات" وتوسيع ترسانتها النووية بوتيرة متسارعة.
بكين ترى أن التهديد النووي التقليدي لم يعد وحده كافيًا لتحقيق التوازن أمام واشنطن، ولذلك تضع استراتيجيتها على ثلاثة مسارات متوازية: الاستبدال الإستراتيجي، أي الاعتماد على أسلحة دقيقة وفعالة بديلًا عن النووي، أو الانتقال إلى خيار الاستخدام النووي أولًا كرسالة ردع صادمة، أو تحقيق نصر تقليدي عبر تعزيز قدراتها السيبرانية والفضائية والصاروخية.
وتؤكد تقارير أمنية أن الصين لا تختار مسارًا وحيدًا بل تسعى إلى المزج بينها، في محاولة لبناء منظومة قوة أكثر مرونة ومصداقية.
ووفقًا لصحيفة الإندبندنت البريطانية، فإن هذه المقاربة تعكس إدراك بكين أن القوة في القرن الحادي والعشرين لا تُقاس بعدد الرؤوس النووية فقط، بل بالقدرة على استخدام أدوات بديلة تحقق الردع وتؤثر في القرار الإستراتيجي للخصوم.
سيناريو الاستبدال الاستراتيجي
هذا السيناريو يقوم على استبدال التهديد النووي بأسلحة أكثر دقة وقابلية للاستخدام، مثل الصواريخ فرط الصوتية، وأسلحة الفضاء المضادة للأقمار الصناعية، وأنظمة الحرب السيبرانية.
الصين تعتبر أن هذه القدرات توفر لها نفوذًا عمليًا في الأزمات، على عكس السلاح النووي الذي باتت صدقيته محل شك.
وتاريخيًا، كان ماو تسي تونغ قد وصف الترسانة النووية بأنها مجرد "نمور من ورق"، وهو توصيف تستعيده بكين اليوم لإثبات أن المستقبل يتجه نحو الردع الذكي لا الشامل.
سيناريو الاستخدام النووي أولًا
رغم نفي بكين المتكرر لأي نية لاستخدام النووي بشكل مباغت، يظل هذا الخيار مطروحًا كورقة قصوى في حال فشل الردع التقليدي والرقمي.
ويذهب بعض المحللين إلى أن الصين قد تلجأ إلى تغيير عقيدتها النووية إذا شعرت أن تفوق واشنطن في التكنولوجيا الدقيقة والفضائية يهدد مكانتها.
هذا السيناريو يحمل في طياته مخاطر غير مسبوقة، إذ قد يدفع العالم إلى مرحلة تصعيد نووي يصعب التحكم بها، لكنه في الوقت نفسه يعكس إصرار بكين على عدم التنازل عن موقعها كقوة عظمى.
سيناريو النصر التقليدي
المسار الثالث يتمثل في السعي لتحقيق نصر تقليدي عبر تعزيز قدراتها العسكرية غير النووية. وهذا يتجلى في تطويرها الضخم للبنية التحتية الفضائية، وتصاعد استثماراتها في الذكاء الاصطناعي العسكري، والحرب الإلكترونية، والصواريخ متوسطة وبعيدة المدى.
هذا السيناريو يعكس ثقة الصين في أدواتها الحديثة التي توفر لها قدرة على المناورة والتصعيد التدريجي دون الحاجة إلى تهديد نووي شامل، ما يمنحها مساحة للتحرك في أزمات مثل مضيق تايوان أو بحر الصين الجنوبي.
الصين بين المزج والمغامرة
الملفت أن بكين لا تختار سيناريو بعينه ولا تفضل أحدها على الآخر، بل تسعى إلى المزج بين الثلاثة. فهي تطور قدراتها النووية لتظل ورقة ضغط قصوى، وفي الوقت نفسه توسع ترسانة أسلحة عصر المعلومات كي تحظى بخيارات متعددة على سلم التصعيد.
هذا النهج، وإن بدا براجماتيًا، يصفه خبراء بأنه مغامرة عالية المخاطر، إذ يجعل العالم أقرب إلى مواجهة غير تقليدية يكون فيها الردع مرنًا ولكنه أكثر عرضة للتصعيد غير المحسوب.