تستعد مصر اعتبارا من منتصف أكتوبر المقبل للدخول في مرحلة جديدة من مسيرة تطوير قطاع الطيران المدني، عبر إطلاق أولى خطوات خصخصة إدارة المطارات، حيث لا يقتصر القرار على مجرد إسناد الإدارة لشركات تشغيل خاصة، بل يمثل تحولا اقتصاديا واستراتيجيا يستهدف رفع جودة الخدمات، وجذب استثمارات جديدة، وتعزيز مكانة البلاد كمحور إقليمي لحركة الطيران والسياحة.
إشراك القطاع الخاص في هذا الملف الحيوي يحمل رسائل أبعد من كونه مجرد إجراء تنظيمي، فهو يعكس توجها حكوميا للانفتاح على نماذج الإدارة العالمية الناجحة، ويضع مصر على خريطة المنافسة في قطاع الطيران الذي يعد واجهة رئيسية لاقتصادات الدول.
خصخصة 11 مطارا مصريا والبداية من الغردقة
وقع الاختيار على مطار الغردقة الدولي ليكون باكورة التجربة، كونه من أبرز المقاصد السياحية المصرية وأكثرها استقبالا للرحلات الأوروبية والروسية، حيث من المقرر أن تبدأ وزارة الطيران تلقي طلبات التأهيل من الشركات المتخصصة منتصف أكتوبر وحتى نوفمبر المقبل.
بعد تلقي طلبات التأهيل، سيتم إعداد قائمة مختصرة من الشركات المؤهلة، وتم تحديد شهر فبراير 2026 موعدا لإطلاق الطرح الرسمي، وبهذا يصبح الغردقة نموذجًا أوليًا تقيس الدولة من خلاله مدى نجاح الشراكة مع القطاع الخاص قبل تعميمها على مطارات أخرى.
برنامج خصخصة المطارات، لا يقف عند حدود الغردقة، إذ يجري العمل مع مؤسسة التمويل الدولية على إعداد برنامج متكامل لطرح إدارة 11 مطارا أمام القطاع الخاص.
وتهدف الخطة إلى إدخال معايير تشغيل عالمية وضمان استدامة الاستثمارات في البنية التحتية، بما يجعل المطارات المصرية أكثر قدرة على المنافسة إقليميًا، ويمنحها مكانة متقدمة بين مطارات المنطقة.
استثناء مطار القاهرة من الخصخصة
رغم توجه الحكومة لطرح غالبية المطارات للخصخصة، إلا أن مطار القاهرة الدولي استبعد من المرحلة الأولى، بحسب ما أعلنه وزير الطيران المدني سامح الحفني، والذي أكد أن القرار جاء نظرًا لضخامة الاستثمارات الجارية بمطار القاهرة حاليًا.
وأشار “الحفني”، الاستثمارات الجارية بمطار القاهرة حاليا تتطلب استكمالها أولا قبل التفكير في الطرح، ويعكس هذا التوجه رغبة الدولة في الحفاظ على القيمة الاستثمارية للمطار، وجعله أكثر جاهزية وجاذبية للشركات العالمية مستقبلًا.
واكدت الحكومة المصرية، أن الهدف النهائي يتمثل في إسناد إدارة جميع المطارات المصرية للقطاع الخاص، أسوة بالنماذج الناجحة عالميا، مشيرة إلى أن الحكومة لا تنظر إلى الخصخصة كآلية لتخفيف أعباء الإدارة فحسب، بل كخطوة استراتيجية لرفع مستوى التنافسية، وتحويل المطارات المصرية إلى مراكز إقليمية قادرة على جذب مزيد من شركات الطيران وزيادة التدفقات السياحية والاستثمارية.
خبراء: خطوة استراتيجية تعزز السياحة وتدعم الاقتصاد
أجمع خبراء اقتصاديون على أن إشراك القطاع الخاص في إدارة المطارات المصرية يمثل نقطة تحول مهمة في إدارة واحد من أهم المرافق الحيوية للدولة، مؤكدين أن الأمر يتجاوز تحسين الخدمات ليشمل تعزيز ثقة المستثمرين، وزيادة موارد الدولة من العملة الصعبة، فضلا عن فتح آفاق أوسع أمام السياحة الوافدة.
وأشاد الخبير الاقتصادي أحمد خطاب بالخطوة، معتبرًا أنها ستؤدي إلى رفع أعداد السائحين الوافدين بفضل تحسين جودة الخدمات داخل المطارات، مشيرا إلى أن التوجه يعكس فكرا جديدا تتبناه الدولة المصرية، مدعوما بتوصيات صندوق النقد الدولي الداعية إلى تمكين القطاع الخاص في إدارة الأصول العامة.
وأضاف خطاب، في تصريحات خاصة لـ بانكير: “أنا مع تمكين القطاع الخاص في مختلف المجالات، لكن لا بد من وضع شروط صارمة تكفل حماية حقوق المواطن المصري، مع تضمين العقود مع الشركات الأجنبية بنودًا واضحة تتيح للدولة إنهاء التعاقد فورا في حال الإخلال بالالتزامات”.
كما شدد على أهمية اختيار شركات عالمية لها خبرة واسعة في إدارة المطارات، لما لذلك من أثر مباشر على رفع القيمة السوقية للمطارات المصرية، موضحا أن المطارات هي الوجهة الأولى لأي بلد، والسائح يشكل انطباعه عن الدولة من اللحظة الأولى داخل المطار.
خصخصة المطارات المصرية تعزز تنافسية مصر عالميًا
وفي السياق ذاته،، رأى الخبير الاقتصادي محمد البهواشي أن التوجه نحو مشاركة القطاع الخاص في إدارة المطارات خطوة مجدية ومتوافقة مع تطلعات المستثمرين، موضحا أن التجربة ستساعد على معالجة أوجه القصور التي واجهت القطاع سابقًا، بما يعزز قدرة مصر على المنافسة إقليميًا ودوليًا.
وأكد البهواشي، في تصريحات خاصة لـ بانكير، أن دخول القطاع الخاص سيخلق بيئة تشغيلية أكثر تنافسية عبر جذب خطوط طيران جديدة وإدخال شركات متنوعة، وهو ما يدعم قطاع السياحة باعتباره أحد أهم مصادر الدخل القومي.
كما شدد على أن نجاح التجربة يعتمد بالأساس على اختيار الشركات ذات الخبرة الواسعة، محذرًا من أن التعاقد مع كيانات ضعيفة قد يضر بصورة الدولة ويؤثر سلبًا على حركة السياحة.
واختتم البهواشي تصريحاته قائلًا: "الخطوة تمثل محاولة محمودة من الحكومة لزيادة الإيرادات وتوفير مصادر جديدة للعملة الصعبة في السنوات المقبلة".
خصخصة المطارات المصرية بداية مرحلة جديدة
في المحصلة، تمثل خطة خصخصة المطارات المصرية بداية لمرحلة جديدة في إدارة واحد من أكثر القطاعات حساسية وتأثيرًا على صورة الدولة واقتصادها.
وبينما تترقب الأنظار نتائج تجربة مطار الغردقة كنقطة انطلاق، تبقى الرهانات كبيرة على قدرة هذه الخطوة في تحويل المطارات المصرية إلى مراكز تنافسية إقليمية، تدعم حركة السياحة، وتفتح آفاقًا أوسع للاستثمار، وتوفر للدولة مصادر إضافية من العملة الصعبة، بما يرسخ موقع مصر على خريطة الطيران العالمية.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
