
«من قتل على بيه الكبير» والله ما أنا يا أستاذ!.. هذا المشهد من فيلم «الناظر» علاء ولي الدين أو "صلاح عاشور" إنتاج عام 2000، أي منذ ما يقرب من 25 عامًا، كان يجب ألا يمرّ مرور الكرام، فلو انتبه القائمون على التعليم في ذلك الحين إلى خطورة الوضع المتدني الذي وصل إليه حال الطلاب، وانحدار مستواهم التعليمي والثقافي، لقاموا بوضع مناهج تعليمية يكون أساسها المعرفة بكل ما تشمله من معلومات وخبرات وتجارب وتاريخ وثقافة وعلوم وفنون، هذه هي المعرقة التي يجب أن تزين عقول أبنائنا.
وهنا نعيد طرح التساؤل مرة أخرى.. هل تستطيع المناهج التعليمية التي تدرس اليوم إلى طلابنا وأبنائنا في إنتاج طلاب مثقفين لديهم المعرفة بتاريخنا وثقافتنا وكتابنا ومفكرينا وهويتنا المصرية من أقصى الصعيد وحتى شواطئ البحر المتوسط، أم أننا وقعنا في براثن "التيك توك" وغيره؟.. ماذا لو نزلنا إلى أي مدرسة في أي من الأحياء الشعبية أو غيرها وقمنا بسؤال أحد الطلاب ماذا يعرف عن نجيب محفوظ، أو سيد درويش أو أم كلثوم، أو توفيق الحكيم، أو يوسف إدريس أو طه حسين عميد الأدب العربي، أو سيد حجاب أو الأبنودي، وغيرهم الكثير مما خطوا بكلماتهم ملامح عقولنا وهويتنا وثقافتنا.
المناهج التعليمة بين الواقع والمأمول
تحدثت "البوابة" مع مجموعة من المثقفين والأدباء والشعراء والخبراء حول ما إذا كانت المناهج التعليمية استطاعت أن تخرج طلابًا مثقفين وعلى دراية حقيقية بالثقافة أو طالبًا لديه المعرفة الكافية بالحركة الثقافية والتاريخ، أم أن كل ما تلقاه خلال السنة الدراسية سيذهب وكانه لم يكن؟!.
الشاعر أحمد الشهاوي: المحتوى الثقافي بمعناه الواسع يظهر في المناهج بشكل مجزأ وتقليدي ويفتقر إلى الرؤية التكاملية أو الحس النقدي
المناهج الحالية بحاجة إلى مراجعة شاملة، تُعيد إلى الثقافة مكانتها المركزية كأداة لبناء الإنسان
كان لابد أن نوجه التساؤل إلى الشاعر أحمد الشهاوي والحاصل مؤخرًا على جائزة الدولة التقديرية في الآداب 2025: هل تسهم المناهج التعليمية في مصر من الصف الأول الابتدائي حتى الثالث الإعدادي في تخريج طالب مثقف وواعٍ بالحركة الثقافية؟
قال الشاعر أحمد الشهاوي في تصريحات خاصة لـ"البوابة" يمثّل هذا السؤال مدخلًا مهمًا لفهم العلاقة بين النظام التعليمي والتكوين الثقافي لدى الأجيال الناشئة.. متابعًا: "الثقافة بما تتضمنه من وعي بالتاريخ والهُوية، ومعرفة بالفنون والآداب والفكر والفلسفة والدين والحضارة خصوصا حضارة مصر القديمة، لا تُكتسب فقط من الأسرة أو الإعلام، بل يُفترض أن يكون التعليم المدرسي أحد ركائزها الأساسية، بخاصة في المراحل التأسيسية التي تشكّل الوعي والاتجاهات.
وأضاف "الشهاوي": فعند النظر إلى المناهج التعليمية بمصر، من الصف الأول الابتدائي وحتى الثالث الإعدادي، نجد أنها تركّز بدرجة أساسية على مواد اللغة العربية، والرياضيات، والعلوم، والدراسات الاجتماعية، واللغة الأجنبية، إلى جانب مواد مثل التربية الدينية والتربية الفنية. ورغم محاولات تطوير هذه المناهج في السنوات الأخيرة لتصبح أكثر تفاعلية وربطًا بالحياة الواقعية، فإن السؤال يظل قائمًا هل تُنمي هذه المناهج الأساسية طالبًا مثقفًا؟.. الإجابة الأقرب إليَّ هي لا، وليست بالشكل الكافي. لأن السبب الرئيس أن المحتوى الثقافي بمعناه الواسع يظهر في المناهج بشكل مجزأ، تقليدي، ويفتقر في كثير من الأحيان إلى الرؤية التكاملية أو الحس النقدي. فالمقررات لا تُقدّم للطالب رؤية واضحة للحركة الثقافية في مصر، سواء من حيث تاريخها، ورموزها، وإسهاماتها، أو حتى أسئلتها الراهنة.
لافتًا: "فنادرًا ما يتعرّف الطالب في تلك المراحل إلى كُتَّاب معاصرين، أو فنانين، أو مفكرين مصريين أسهموا في تشكيل الوعي الثقافي الوطني. كما أن الأنشطة المصاحبة للعملية التعليمية، مثل المكتبات المدرسية أو الرحلات الثقافية، تكاد تكون غائبة أو شكلية". أضف إلى ذلك أن المناهج لا تُعلّم الطلاب كيف يُفكّرون ثقافيًّا أو يتفاعلون مع الفن أو الأدب كجزء من حياتهم، بل تُقدِّم غالبًا معرفةً تلقينيةً، غير مترابطة، لا تُرسّخ اهتمامًا حقيقيًا بالثقافة.
مختتمًا حديثه قائلًا: "إذا كان الهدف هو تخريج طالب مثقف بالمعنى العميق – أي منفتح، وناقد، ومتابع للحركة الثقافية، وفاعل فيها مستقبلًا – فإن المناهج الحالية بحاجة إلى مراجعة شاملة، تُعيد إلى الثقافة مكانتها المركزية كأداة لبناء الإنسان، لا كمادة هامشية في جدول الحصص".

============
الدكتورة نهلة إمام: يجب أن تشمل المناهج التعليمية على بناء العقلية النقدية لدى الأطفال وحثهم على البحث على المعلومات
نحن في عصر الذكاء الاصطناعي و يجب أن تتضافر كل الجهود لبناء عقل الطفل النقدي.. والكتب المدرسية ليست المصدر الوحيد للمعلومات
«إن الدولة المصرية تحرص على ترسيخ العلم من خلال بناء منظومة تعليمية على قدر عال من الجودة، تمكن أبناءها من مهارات العصر وتجعلهم قادرين على خوض مسارات التنافسية الإقليمية والعالمية في وقت يشهد العالم فيه ثورات صناعية متعاقبة» من تلك الاستراتيجية التي وضعتها وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني وعما إذا كانت الوزارة قد استطاعت ان تقدم مناهج تعليمية قادرة على تحقيق تلك الرؤية تحدثنا مع الدكتورة نهلة إمام أستاذ العادات والمعتقدات والمعارف الشعبية بأكاديمية الفنون ومستشار وزير الثقافة وعضو اليونسكو عن جوهر تلك المناهج وكيف يجب أن تكون لتواكب حركة العصر وتسهم في بناء الإنسان أوضحت قائلة: "إن المناهج التعليمية يجب ألا تضع كل المعلومات، ويجب أن تعطي للأطفال وللطلبة فرصة للاكتشاف والتحفيز والبحث عن المعلومات، فلا يوجد كتاب يعطي كل شيء، ولكن يجب أن تحتوى تلك الكتب على كيفية البحث عن المعلومات وأن تتبني تلك الكتب بناء العقلية النقدية".
وتابعت نهلة إمام في تصريحات خاصة لـ"البوابة": "إن هناك خطورة من توقع أن تعطي الكتب المدرسية كل المعلومات، والأنظمة الشمولية هي فقط من تقوم بفعل ذلك، وإن ما يتم ذكره بداخل تلك الكتب هي الصح وما خلاف ذلك فهو خطأ، ولكن الصح أن تبنى المناهج التعليمية من منطلق كيف يمكن للطالب أن يبحث عن المعلومات وكيف يطورها وكيف يكون موقفًا من تلك المعلومات، وأن يتم فتح حوار حول المعلومات التي يتلقاها الطفل ويتم مناقشتها وهذا هو الفكر الذي يجب نبناه وهو بناء العقل النقدي لدى الطفل"
وأكدت نهلة إمام على أن الحصول على المعلومات لم تعد مهمة الكتاب المدرسي فقط وإنما أيضًا تقع مسؤولية الأنشطة المدرسية والمعلم من خلال رفع وعيه الثقافي والمعلوماتي، لافتًة إلى ضرورة أن يكون المجتمع أيضًا لا بد وأن يكون على دراية ووعي بأهمية هذا الشأن وذلك من خلال الإعلام والمجتمع قائلة: "إن عملية تشكيل الوعي هي مسؤولية تضامنيه ومسؤولية المجتمع ككل فوزارة الثقافة لها دور والإعلام له دور والتربية والتعليم لها دور والأسرة يجب أيضًا أن تلعب دورًا والمؤسسات الدينية بمختلف طوائفها، كل تلك الجهات لها دور كبير في تشكيل وعي الأطفال، أما عملية تحميل الكتب المدرسية أو المناهج التعليمية فقط تلك الإشكالية فهذا خطأ كبير، فنحن لا نريد سوى كتبًا مدرسية يكون قوامها بالأساس الحث على البحث عن المعلومات وكيف يمكن الحصول عليها من مصادرها المختلفة سواء عبر الانترنت أو من خلال المكتبة والكتب فالعصر القادم هو عصر البحث عن المعلومات، لاسيما وأننا في وقت أصبح الحصول على المعلومات سهلًا فمن خلال الانترنت نستطيع الوصول إلى مئات الآلاف من الكتب والإصدارات وهذا الزخم من المعلومات بينما كنا قديما نسافر ونمشي مسافات طويلة من أجل الحصول على كتاب".
وعن لجان وضع المناهج وشكل الكتب المدرسية أوضحت أن لجان وضع المناهج تحتوى على متخصصين ولكن في النهاية يحكمهم عدد من الصفحات، وأن الكتب المدرسية يجب بالأساس أن تربي العقلية النقدية لكي يخرج الطالب ولديه القدرة على البحث والمناقشة وهناك نصوص لكبار الكتاب والأدباء مثل زكي نجيب محمود ويوسف إدريس ولكن الدور الحقيقي هنا للمُعلم وهو الذي يجب عليه أن يقوم بتعريف هذه الشخصيات الأدبية للطلاب، وفتح الطريق أمامهم للبحث عن تلك الشخصيات ومعرفة كل ما يخصه سواء يتعلق بإنتاجه الأدبي والفكري والمعرفي أو أفكاره أو المدارس الأدبية التي ينتمي إليها ومن هم تلاميذه ومن هم الشخصيات التي تأثر بها، الكتاب المدرسي اليوم لم يعد الوسيلة الوحيدة التي تحوى المعلومة فنحن اليوم في عصر الذكاء الاصطناعي، فإذا كنا نتخيل أن المعلومات المذكورة عن الحضارة المصرية القديمة في كتب التاريخ المدرسية هي كل شيء فنكون واهمين، فيجب أن يكون هناك رحلات للمناطق الأثرية والمتاحف وغيرها، فالتعليم لم يعد مثل "الكُتاب" قديمًا، ويجب أن يكون قوامه الأساسي هو البحث والاكتشاف".
واختتمت حديثهًا بالتأكيد على أهمية بناء العقلية النقدية للطفل قائلة: "يجب أن تتضافر كل جهود الدولة معًا من أجل وضع مناهج تعليمية يكون قوامها بناء العقل النقدي لدي الأطفال، ويجب أن تشارك كل قطاعات الدولة من وزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم وأجهزة الإعلام والمعلم والأسرة وقتها فقط سيكون لدينا أطفال لديهم القدرة البحث والمعرفة والنقد".

=================
الدكتور أحمد علواني: تطوير المناهج التعليمية يجب أن يتم بطريقة جزئية لا كلية وبخطوات مدروسة تضع في الحسبان التطورات العصرية والتحولات الرقمية
النصوص الأدبية مغرقة في التخصصية ولا تكسب الطالب المهارات المستهدفة وغلب على اختيارها عدم الاتساق
كانت القيادة السياسة واعية تمام الوعي بأهمية التعليم وضرورة العمل على تطوير المناهج التعليمية وفقًا لرؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة والتي تهدف لبناء الإنسان المصري على كافة المستويات التعليمية والثقافية والاجتماعية، وكيف يتم استدامة العملية التعليمية دون وضع مناهج جديد تؤسس لبناء الإنسان المصري.
وفي هذا الشأن تحدث الدكتور أحمد علواني أستاذ النقد الأدبي والبلاغة ورئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب ــ جامعة بنها، في تصريحات خاصة لـ"البوابة" قائلا: "كانت توجد حاجة ماسة وضرورية لتطوير المناهج الدراسية في المرحلة الابتدائية والإعدادية؛ وبالفعل بدأ المعنيون في عملية التطوير الكلي لا الجزئي، وأتصور أن هذا التطوير كان يجب أن يتم بطريقة جزئية لا كلية وأن يتم بخطوات مدروسة تضع في الحسبان التطورات العصرية والتحولات الرقمية وغيرها من المتطلبات الأساسية بحيث تجمع بين التراث المعاصرة بين الجذور والأصول التي لا غنى عنها وبين الحداثة التي فرضت نفسها وصار لِزامًا علينا أن نواكبها ونسايرها حتى لا نتهم بالرجعية والتخلف.
وتابع "علواني": "وإذا نظرنا إلى النصوص الأدبية التي يتم اختيارها سنجدها صارت مغرقة في التخصصية ولا تكسب الطالب المهارات المستهدفة أو تضع الوحدات الدراسية نواتج بعينها، فغلب على اختيارها عدم الاتساق مع الصعوبة المعرفية عندما نجد نصوصًا تتحدث عن حقوق الملكية الفكرية وأخرى عن مشاهير في التمثيل والغناء وكرة القدم وهذا لا يعني أننا ضد التعريف بهم".
اختيار النصوص
وتساءل: "لكن لماذا لا يكون النص جامعًا مانعًا؟، يجمع بين التراث والمعاصرة أو القديم والحديث فيتحدث النص عن مزيج متضافر من المعارف والمعلومات المتآلفة والمنسجمة بعيدًا عن معالجة جانب وإهمال جوانب أخرى، وهذا هو المستهدف من تدريس النص الذي يجمع من كل علم بطرف فيصبح هدف تثقيف الطالب وتعليم في آنٍ واحد وبوسيلة واحدة هي النص الذي تم اختياره بعناية فائقة".
========================
الكاتب ممدح حبيشي: المحتوى الأدبي في المناهج الدراسية لا يعبر عن التنوع والعمق للمشهد الأدبي ومنفر للطلاب
الأدب في المناهج التعليمية قادر على منح خبرات مبكرة وآمنة للطلاب تصيغ شخصيتهم ووجدانهم بدلًا من اللجوء إلى السوشيال ميديا أو بعض المنصات
"اسلمي يا مصر إنني الفدا" وغيرها من النصوص الأدبية والأبيات العربية تملأ كتاب اللغة العربية ولكن هل تلك النصوص قادرة على أن تكون هي المنبر الوحيد للحركة الأدبية في الكتب المدرسية وهل تستطيع تلك الأبيات وغيرها أن تكون عامل جذب للطفل ودخوله لعالم الأدب والشعر والشعراء والرواية؟.. وهنا الحديث مع الكاتب ممدوح حبيشي والذي أكد على أنها ليست كافية بالقدر المأمول حيث قال: "طوال الوقت شغل الأدب عقلي ووجداني منذ المرحلة الإعدادية، وعندما بدأ الوالد يساعدني في التعرف على عوالم الأدب العربي بشكل عام والمصري بشكل خاص، وجدت أنه عالم مغاير كلية عما قدمت لما أطيافه في المناهج الدراسية كأنهما عالمان منفصلان ليس لهما اي علاقة أو قرابة.
وأضاف "حبيشي": "ظللت أبحث عن أهداف عوالم الادب في المناهج الدراسية حتى دخلت الجامعة دون جدوى، للأسف المحتوى الأدبي الموجود في المناهج الدراسية لا يعبر عن التنوع والعمق الشديدين للمشهد الأدبي لا المصري ولا العربي.
متابعًا: "وفي الحقيقة وربما ما هو أسوأ أنه ينفر الطلاب من الأدب حيث يقدم أدبا موجها ومباشرا وزاعقا، ويبدو لي أن الأزمة الحقيقية في أننا تركنا محتوى المناهج الخاص بالأدب والثقافة والتاريخ للخبراء التربويين وعلماء المناهج وأساتذة التربية والتعليم وهو مطلوب من حيث إعطاء ذوي العلم المساحة والمسئولية ولكن أعتقد أن الأمر لا بد أن يتخطى ذلك ويشارك في استراتيجية وضع المناهج الخاصة بالعلوم الإنسانية ومحتواها العديد من المفكرين والأدباء والفنانين وحتى الاقتصاديين والمؤرخين.
مشيرًا إلى أن الأدب في المناهج التعليمية قادرًا على منح حيوات متعددة وخبرات مبكرة وآمنة للطلاب في المراحل الأساسية التي تصيغ شخصيتهم ووجدانهم بدلًا من استعارة خبراتهم ومعارفهم وقيمهم من السوشيال ميديا أو بعض المنصات التي تقدم أشباه الحقائق وأنصاف المعلومات والقيم الموجهة والخادمة لنسق أخلاقي معين.
متسائلًا: "ما المانع من عودة مسابقات وزارة التربية والتعليم للنصوص الأدبية وإدماج الأعمال الفائزة مثلًا في المناهج التعليمية سواء كأجزاء في المنهج الإجباري أو كمواد اختيارية تضاف للمجموع أو مواد مستوى الرفيع، وما الذي يمنع التعاون مع المسابقة الوطنية للقراءة واستحداث حافز قراءة كالحافز الرياضي مثلا".
مختتمًا: "الأفكار غير التقليدية كثيرة واختيارات التطوير والتجديد واسعة ولكن من وجهة نظري أن يظل الوضع كما هو عليه هو أسوأ اختيار"

===========================
الدكتور محمد سيد عبد التواب: نحتاج إلى ثورة تعليمية يكون قوامها بناء طلاب قادرين على الإبداع والابتكار
يجب أن تكون الثقافة في التعليم بمفهومها الشامل وضرورة عودة الأنشطة المدرسية وعودة المسرح المدرسى وحصص القراءة الحرة
لا شك في أن القيادة السياسية حينما أكدت على أهمية التعليم ضرورة الاهتمام بالنظام التعليمي وضرورة التغيير وذلك من خلال بناء أسس جديدة تكرس وتؤكد على ضرورة البحث والفهم العميق والتفكير ومن ثم إنتاج المعرفة وذلك لن يتحقق إلا من خلال بناء منظومة مناهج حديثه تتواكب مع متغيرات العصر الحديث وتطور تكنولوجي كبير خاصة في عصر أصبحت تتطور فيه أدوات الذكاء الاصطناعي يومًا بعد يوم لتبهرنا ونحن أصبحنا مجرد مستهلكين لتلك الأدوات دون وعي حقيقي بماهيتها.. وفي هذا الجانب تحدثنا مع الكاتب الدكتور محمد سيد عبد التواب عضو المجلس الأعلى للثقافة بلجنة ثقافة الطفل والذي أكد على أنه تم مناقشة تلك الموضوعات.
وقال "عبد التواب" في تصريحات خاصة لـ"البوابة": "إننا بالفعل طوال أعمال اللجنة مهمومون بهذا الشأن وأنه يجب أن يكون هناك دور كبير جدًا للتعليم في مصر من منطلق فكرة الثقافة ودورها المهم في بناء عقلية الطفل، وأن الموضوع لا يقتصر فقط على حث الطفل على القراءة أو اقتناء الكتب الإبداعية من قصص وروايات أو شعر أو مسرح، وإنما الثقافة لا تقتصر على هذا فقط، فالثقافة في معناها الحقيقي هي بناء طريقة التفكير من خلال بناء الوعي ورصد كل ما يتعلق بالحياة وبالتالي نحن طوال الوقت نرى أن مناهج التربية والتعليم تحتاج إلى إعادة تعريف المفهوم العميق للثقافة والتي تعتمد على التفكير الإبداعي، ولديهم القدرة على التفكير المختلف، ولديهم رؤية مختلفة، ويجب أن نخلق من خلال الثقافة العقل الابتكاري والعلمى".
وتابع "عبد التواب" مؤكدًا على ضرورة بناء العقل الإبداعي، إذ قال: "يجب علينا إدخال المصطلح الأساسي للثقافة، من خلال العمل على بناء طلاب أو أطفال لديهم رؤية وتفكير مختلف، وبناء العقل الإبداعي وذلك من الممكن أن يتحقق من خلال تعريف الأطفال على الأجناس الأدبية المختلفة والتعريف بالأدباء والمثقفين والذين كان أغلبهم يجمع ما بين العلم والأدب والذين خرجوا إليها نتيجة تعليم حقيقي قائم على العقل والتفكير، وأن هؤلاء الرواد كانوا نتاج تعليم حقيقي قائم على العلم، فكان التعليم قديما يهتم بالإبداع والتفكير، ونحن في حاجة إلى ثورة حقيقة في التعليم المصري، وألا يقتصر دوره على التلقين ولا على الحفظ، فنحن في حاجة إلى طلاب يفكرون وهذا الذي يجب أن تكون عليه العملية التعليمية وهذا هو الوعي الذي يجب أن يكون موجودًا عند صانعي وواضعي المحتوى التعليمي في مصر بحيث يكون الهدف الأساس لديهم هو خلق عقول مفكرة ومبدعة وملمة بالثقافة والتقنيات الحديثة من أدوات الذكاء الاصطناعي".
موضحًا أن هذه الثقافة الجديد "ثقافة العالم الرقمي" خلقت لدى الأطفال ذاكرة سريعة وهي ما يسمى بـ"ذاكرة اللقطة" وهذا يجعلنا في حاجة إلى تعليم ووسائل تعليمية مختلفة، يكون قوامها القيمة وليس الحفظ، وأن تكون قائمة على إعلاء قيمة العلم والثقافة والمثقفين، تلك القيمة التي باتت في خطر شديد في ظل ظهور نماذج "التيك توك" وما تقدمه من محتوى يهدف إلى هدم صورة المجتمع وثقافته، لاسيما ومع تصدر تلك النماذج المشهد في مصر وللأسف الشديد أصبحت تلك النماذج بمثابة رموز كاذبة لا تبني ثقافة أو علمًا أو تربية، فنحن في حاجة حقيقية إلى إحلال تلك الرموز التي ظهرت على السطح بنماذج حقيقية معبره عن الثقافة المصرية مثل أحمد زويل وطه حسين والعقاد ومجدي يعقوب ومشرفة ونجيب محفوظ، ونبوية موسى وغيرهم الكثير من النماذج المصرية المشرفة التي يجب أن يتعرف عليها الأطفال وأن يكون لديهم الوعي بالنماذج الحقيقة التي أسس وأسهمت في الثقافة المصرية".
ولفت عبد التواب إلى ضرورة وأهمية التحقق من المعلومات التي يحصل عليها الأطفال من خلال الانترنت حيث قال: "هناك أمر غاية في الأهمية يجب أن نلتفت إليه وهي ضرورة التحقق من المعلومات التي يحصل عليها الأطفال عبر الانترنت فهناك الكثير من تلك المعلومات مغلوطة وغير دقيقة ويجب أن نتتبع تلك المعلومات والتحقق من صحتها، ويجب أن نعتمد بشكل أساسي على التدقيق والتحقق وأن نصل إلى مصادر المعلومات والوصول إلى مصدرها الحقيقي، وأيضًا العمل على بناء الوعي لدي الأطفال وضرورة عودة المسرح المدرسي وهذا أمر غاية في الأهمية، ودور القراءة الحرة، فنحن في حاجة ماسة إلى عودة تلك الأنشطة حتى نستطيع أن ننجو بهؤلاء الأطفال".
