يواجه سد النهضة الإثيوبي، كأحد مشروعات البنى التحتية الحرجة، تحديات سيبرانية متزايدة قد تهدد استقراره وقد تنعكس على تأثيره الإقليمي.
ويُعد الأمن السيبراني، وفقًا للخبراء، عنصرًا أساسيًا لإدارة وتشغيل هذا السد، حيث يعتمد على أنظمة رقمية معقدة مثل أنظمة SCADA وأجهزة الاستشعار المتصلة بالإنترنت، المعروفة باسم "إنترنت الأشياء" (IoT)، والتي تتيح التحكم الدقيق في تدفق المياه وتوليد الطاقة، ولكنها، في الوقت ذاته، قد تفتح أبوابًا للهجمات الإلكترونية التي قد لا تحمد عقباها، وفقًا لمجلة "ووتر باور".
ووفقًا لصحيفة أديس ستاندرد، على سبيل المثال، يمكن للبرمجيات الضارة والأكواد الخبيثة مثل فيروس Stuxnet أن تتسبب في أضرار فيزيائية، كما حدث في حوادث سابقة مثل هجمات أوكرانيا على شبكة الكهرباء في عامي 2015 و2016، أو حادث خط أنابيب كولونيال، بالقرب من تكساس بالولايات المتحدة، في عام 2021، مما قد يؤدي إلى انقطاعات كهربائية واسعة أو فيضانات مفاجئة قد تهدد الحياة والزراعة في دول مجاورة مثل مصر والسودان.
ووفقًا للدكتور أبيبي ديرو، أستاذ الأمن السيبراني في المعهد الملكي للتكنولوجيا في ملبورن، أستراليا، فإن "الأمن السيبراني ليس طبقة اختيارية بل بروتوكول أساسي يسمح لسد النهضة بتحقيق الهدف من تشغيله"، مشددًا على أن الفشل في حماية هذه الأنظمة قد يؤدي إلى خسائر اقتصادية هائلة تصل إلى تريليونات الدولارات عالميًا، مع مخاطر جيوسياسية إضافية ناتجة عن النزاعات المتعلقة بتوزيع مياه نهر النيل.
وتشمل التهديدات السيبرانية المتطورة هجمات قد تدعمها دول، كما حدث في محاولة الاختراق الفاشلة لأنظمة السد في عام 2022، أو هجمات برمجيات الفدية التي تستهدف الشبكات المالية والحيوية. ويبرز الخبراء أن السدود الهيدروكهربائية تواجه مخاطر فريدة بسبب موقعها النائي وأنظمتها القديمة التي غالبًا ما تحمل كلمات مرور افتراضية، مما يزيد من نقاط الضعف والثغرات أمام الهجمات الإلكترونية مثل محاولات التصيد أو الاختراق عبر سلاسل التوريد.
ونسبت المجلة إلى السيناتور الأمريكي رون وايدن، رئيس اللجنة الفرعية المسؤولة عن السدود في الولايات المتحدة، قوله إن دولًا عديدة قد "تشكل تهديدًا أمنيًا وطنيًا كبيرًا، حيث يمكنها إيقاف وظائف أساسية في المجتمع الأمريكي وحتى التسبب في الوفيات عبر اختراق البنى التحتية الحرجة"، محذرًا من عدم وجود عمليات تدقيق كافية للسدود، الأمر ذاته ينطبق على مشاريع مثل السد الإثيوبي.
ولفتت صحيفة أديس ستاندرد إلى واقعة مهمة عندما أجهضت السلطات الإثيوبية هجومًا من مجموعات قراصنة مجهولي الهوية كانت تهدف إلى الحصول على فدية ما يعكس الدوافع الاحتيالية وراء مثل هذه التهديدات، ومن أجل التغلب على هذه التحديات، يوصي الخبراء بتبني استراتيجيات دفاعية متعددة الطبقات، بما في ذلك تقسيم الشبكات، وتشفير البيانات، واستخدام نموذج "الثقة الصفرية" للكشف عن شذوذ الوصول وتسجيل الدخول باستخدام الذكاء الاصطناعي.
ويؤكد المهندس سيسي تيكا ألماييهو، مهندس المياه، أن "في عالم يمكن للحرب السيبرانية أن تشل الدول دون إطلاق رصاصة واحدة، فإن خط الدفاع السيبراني المحصن ضروري كالدعامات الخرسانية"، مشددًا على بناء كوادر إثيوبية متخصصة وشبكات معزولة (airgapped). بالإضافة إلى ذلك، يجب التعاون الإقليمي عبر اتفاقيات مثل اتفاقية الاتحاد الأفريقي في مالابو، واتباع معايير دولية مثل ISO 27001 وإطار NIST، لتعزيز القدرات الذاتية وتقليل الاعتماد على التقنيات الأجنبية، مما يحمي السد من التهديدات الناشئة مثل الحوسبة الكمية.
وفي السياق الأفريقي الأوسع، يشير الخبراء إلى زيادة احتمال استخدام الأسلحة السيبرانية لأهداف سياسية، خاصة في مشاريع مثل السد الإثيوبي، ما يتطلب إعدادًا مسبقًا للدول الأفريقية لمواجهة هذه التغييرات في أساليب النزاع، وفقًا لصحيفة أديس ستاندرد.