مع انعقاد الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وعبر الشاشات، رأى العالم مشهدً استثنائيًا: فقادة وزعماء من أوروبا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط يتجمعون ليعلنوا دعمهم الصريح لقيام دولة فلسطينية، في وقت لا تزال فيه غزة غارقة في حرب ممتدة منذ أكتوبر ٢٠٢٣.
ما ميّز هذا الاجتماع ليس فقط زخمه الرمزي، بل توقيته الحساس، إذ جاء بعد أن أعلنت فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا اعترافها الرسمي بالدولة الفلسطينية، لتنضم إلى أكثر من ثلاثة أرباع أعضاء الأمم المتحدة الذين سبق لهم اتخاذ الموقف نفسه.
غير أن هذا الحراك، على أهميته، يواجه سؤالا جوهريا: كيف يمكن تحويل الاعترافات إلى واقع سياسي على الأرض بينما تظل الولايات المتحدة متمسكة بحق الفيتو داخل مجلس الأمن وإسرائيل ترفض بالمطلق أي كيان فلسطيني مستقل، وفقا لصحيفة ذي أراب ويكلي.
الخطوة الفرنسية بدت الأكثر رمزية وتأثيرا، إذ استغل الرئيس إيمانويل ماكرون منصة الأمم المتحدة ليعلن أن باريس لم تعد تكتفي بالتصريحات الدبلوماسية، بل اختارت أن تترجم خطابها السياسي إلى اعتراف رسمي.
هذا الإعلان تزامن مع تصريحات لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان الذي شارك في رعاية القمة الأممية، مؤكدا أن العالم العربي لن يقبل أن تُدفن فكرة الدولة الفلسطينية تحت أنقاض غزة أو على وقع التوسع الاستيطاني في الضفة.
وأوضح المراقبون أن ماكرون ربط اعتراف بلاده بهدف الحفاظ على إمكانية حل الدولتين وتجنب الانزلاق نحو واقع دولة واحدة يكرّس الاحتلال ويفجّر الأوضاع أكثر، وفقا لأسوشيتد برس.
لكن على الرغم من الزخم السياسي، عبّر الشارع الفلسطيني عن استقبال ملتبس لهذه الخطوة. سكان غزة والضفة الغربية رأوا فيها بارقة أمل طال انتظارها، لكنها غير قادرة على وقف القصف أو رفع الحصار أو إنهاء المعاناة اليومية.
التقارير الميدانية أشارت إلى أن كثيرا من الغزيين استقبلوا الاعترافات الغربية ببرود ممزوج بالخذلان، فالحياة بالنسبة لهم تُقاس بمدى توافر الكهرباء والماء والدواء لا بعدد الدول التي اعترفت بفلسطين في القاعات الدبلوماسية، وفقا لصحيفة الجارديان البريطانية.
أما إسرائيل، فمن جانبها، سارعت إلى وصف الاعترافات بأنها مسرحية استعراضية، مؤكدة عبر مندوبها في الأمم المتحدة داني دانون أن تل أبيب ستبحث عن رد عملي بعد عودة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من لقائه المرتقب مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن.
التحليلات في الصحافة الأمريكية تناولت الموقف الإسرائيلي باعتباره انعكاسا لطبيعة الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ البلاد، والتي ترى أن أي تنازل في هذا التوقيت يعادل انتصارا لحركة حماس. أما البيت الأبيض فبدا متحفظا، مؤكدا أن الاعتراف الأحادي قد يعقّد فرص السلام بدلا من أن يقربها، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.
ووفقا لصحيفة واشنطن بوست، ومن الناحية القانونية، تبدو المعضلة أكثر تعقيدا. الاعتراف الثنائي من دول كبرى مثل فرنسا وبريطانيا لا يمنح فلسطين تلقائيا مقعدا كاملا في الأمم المتحدة، إذ تبقى هذه الخطوة رهينة بمجلس الأمن حيث يلوح شبح الفيتو الأمريكي.
إلى جانب ذلك، لا تزال متطلبات الدولة الكاملة – كالسيطرة على الحدود والمجال الجوي والنظام الأمني – بعيدة المنال في ظل الاحتلال الإسرائيلي وتجزئة الأراضي الفلسطينية بين سلطة ضعيفة في الضفة وواقع مختلف تماما في غزة. بعض الحكومات الأوروبية نفسها لا ترى الاعتراف كافيا، بل تشترط نزع سلاح الفصائل الفلسطينية أو فرض ترتيبات أمنية دولية صارمة قبل أي تحول حقيقي.
ووفقا لموقع بي بي سي نيوز، برزت أصوات تحذر من أن إسرائيل قد تلجأ إلى ردود فعل متطرفة مثل ضم أراض جديدة في الضفة أو تقويض اتفاقيات التطبيع مع دول خليجية كالإمارات. هذه السيناريوهات، وفقا محللين دوليين، قد تزيد المشهد تعقيدا وتحوّل الاعترافات إلى وقود لمزيد من التصعيد بدلا من أن تكون جسرا نحو حل سلمي.
ويظل المشهد الدولي في حالة تحول لافت، في أعقاب دخول دولتين دائمتين في مجلس الأمن هما فرنسا وبريطانيا على خط الاعتراف بالدولة الفلسطينية ما يضعف الرواية الإسرائيلية التي طالما اعتمدت على الدعم الغربي الموحد، ويعطي الفلسطينيين فرصة لطرح قضيتهم كأولوية دولية لا كملف إقليمي ثانوي.