تسابق مصر الزمن من أجل إحداث نقلة نوعية في قطاع الصناعة، وذلك من خلال تنفيذ خطة استراتيجية طموحة تستهدف إنشاء 100 ألف مصنع جديد بحلول عام 2030، في خطوة تُعد واحدة من أكبر التحركات الصناعية في تاريخ الدولة الحديث، وركيزة أساسية لتحقيق أهداف رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة.
هذه الخطة لا تهدف فقط إلى زيادة عدد المصانع، بل تسعى أيضًا إلى تعظيم مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي، وتعزيز الصادرات، وتوفير فرص عمل حقيقية لملايين المصريين في العقود القادمة.
خطة طموحة مدفوعة بأرقام ونمو واقعي
منذ يوليو 2024، بدأت ملامح هذه الرؤية تتجلى على الأرض، حيث تم تأسيس 4,382 مصنعًا جديدًا في أقل من عام، أسهمت في توفير نحو 230 ألف فرصة عمل مباشرة في قطاعات متنوعة، شملت الصناعات الغذائية، والهندسية، والنسيجية، والكيماوية، والمعدنية.
كما تشير بيانات وزارة الصناعة إلى أن عدد المصانع العاملة في مصر ارتفع من 34,383 مصنعًا في عام 2016 إلى 56,500 مصنع بنهاية 2023، في مؤشر واضح على تسارع النمو الصناعي.
مدن صناعية جديدة.. وبنية تحتية تخدم المستقبل
واحدة من أبرز محاور الخطة هي إنشاء مدن صناعية متكاملة، يأتي في مقدمتها مدينة "كيزاد" شرق بورسعيد، والتي يتم تطويرها بنظام حق الانتفاع لمدة 50 عامًا بالشراكة مع مجموعة "موانئ أبوظبي". هذه المدينة تمثل نموذجًا جديدًا لجذب الاستثمارات الأجنبية وتحويل مصر إلى مركز صناعي إقليمي وممر للتصدير إلى الأسواق العالمية.
إحياء المصانع المتوقفة: 12 ألف فرصة تنتظر التشغيل
لا تقتصر خطة الدولة على المصانع الجديدة فحسب، بل تشمل أيضًا إعادة تشغيل 12 ألف مصنع متوقف أو مغلق، من خلال حزم تمويل بفائدة ميسرة (15%)، مع أولوية للمصانع القابلة للعودة السريعة للعمل.
يأتي ذلك ضمن رؤية أشمل لإعادة بناء القاعدة الإنتاجية وزيادة كفاءة استخدام الأصول الصناعية المعطلة.
المنصة الرقمية.. تسهيل الإجراءات وتحفيز الاستثمار
ولتيسير الإجراءات أمام المستثمرين، أطلقت الحكومة منصة "مصر الصناعية الرقمية"، التي أتاحت تخصيص أكثر من 2070 قطعة أرض صناعية لمشروعات مختلفة، من خلال آلية شفافة وسريعة تعكس التحول الرقمي في خدمات الدولة للمستثمرين الصناعيين.
التصنيع المحلي والتكنولوجيا.. نحو اقتصاد إنتاجي متقدم
تركز الخطة كذلك على تعميق التصنيع المحلي وتقليل الاعتماد على المكونات المستوردة، عبر دعم سلاسل الإمداد الوطنية. وتأتي مبادرة "بكل فخر صنع في مصر" كعنصر تحفيزي لرفع ثقة المستهلك المحلي في المنتج المصري وتعزيز تنافسيته.
وفي مجال التكنولوجيا، تعمل الحكومة على توطين الصناعات المتقدمة، لا سيما صناعة السيارات الكهربائية، من خلال شراكات مع كيانات دولية كبرى، أبرزها شركة "بايك" الصينية، التي ستبدأ إنتاج أول سيارة كهربائية مصرية بمكون محلي 48% خلال 2025، يرتفع إلى 60% بحلول 2030.
بيئة استثمار جاذبة وحوافز عالمية
لتعزيز الجذب الاستثماري، تقدم الدولة حوافز متنوعة ضمن قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017، ما ساعد في استقطاب شركات كبرى مثل "مرسيدس" و"نيسان" لتوسيع عملياتها في مصر، وتأكيد ثقة المستثمر الأجنبي في مناخ الأعمال.
تدريب وتأهيل.. العمالة عنصر حاسم في المعادلة
في سبيل بناء قاعدة صناعية قوية، لا يمكن إغفال دور العمالة المدربة، ولهذا أطلقت الدولة برامج تدريبية تستهدف رفع كفاءة الشباب، بالتعاون مع مؤسسات التعليم الفني والتكنولوجي، لتلبية احتياجات سوق العمل الصناعي الجديد.
التأثير المتوقع: صادرات، فرص عمل، ونمو مستدام
في حال تحقيق هدف الـ100 ألف مصنع بحلول 2030، من المتوقع أن ينعكس ذلك على عدة مستويات:
ارتفاع قيمة الإنتاج الصناعي من 76 مليار دولار حاليًا إلى 170 مليار دولار.
زيادة مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي من 17% إلى نسب تتجاوز 25%.
خلق ملايين فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.
تقليل الاستيراد وتحقيق فائض تجاري.
تحقيق نقلة في الصناعات الخضراء والتكنولوجيا النظيفة، بما يتماشى مع التزامات مصر المناخية.
مشروع وطني.. ورؤية تتجاوز 2030
الطموح المصري لا يتوقف عند الأرقام، بل يتجاوزها لبناء اقتصاد إنتاجي متكامل، يضمن التنمية المستدامة ويوفر فرص العيش الكريم لملايين المواطنين.
إن الوصول إلى 100 ألف مصنع ليس مجرد هدف كمّي، بل هو مشروع وطني لإعادة بناء الصناعة المصرية، واستعادة مكانتها كأحد الأعمدة الرئيسية للاقتصاد الوطني في القرن الحادي والعشرين.
