المسرح المدرسي وما قدمه على مدار عقود زمنية طويلة، وما له من دور عظيم في تخريج دفعات فنية على مستوى كل الفنون، وما ساهم به من تقديم رموز فنية ساهمت بالكثير للفن، وعلى مستوى الشكل النفسي.
فيؤثر النشاط الفني للطلاب في مراحل الطفولة، إلى تكوين وجدانهم ووعيهم بتماسك حقيقي، مغلف ببعض السمات المكتسبة منها تعزيز روح التعاون والمشاركة عن طريق التحضيرات في الأعمال الفنية والمسرحية، وتقدير الوقت وقيمة الآخر، وتنمية المهارات الخاصة بالقراءة والكتابة والاضطلاع.
الفن يساعد في الكشف عن الموهبة وبناء الإنسان
وأيضًا مواجهة الطفل لذاته واكتشاف مواهبه، حتى وإن لم تكن فنية، من خلال التنقيب والكشف داخل وجدان ونفوس وسرائر البراعم الصغيرة في المراحل العمرية الأولى، التي تمهّد الطريق لتحقيق الذات في الحياة. فالفن وممارسة الأنشطة الفنية في هذه المراحل لهما تأثير كبير في بناء الشخصية.
وقدرة الطفل على اكتشاف مواهبه أو اكتساب مهارات جديدة، مثل ممارسة الفنون ومواجهة الجمهور، وتقديم القصص المقروءة على خشبة المسرح، إضافة إلى الالتزام بمواعيد البروفات والعروض، وتنمية روح التعاون بين الممثلين المشاركين في العرض، كلها مكتسبات تسهم في إعداد جيل واعٍ يدرك العديد من المفاهيم الإنسانية، حتى وإن لم يتخذ الفن غاية له مستقبلًا.
غرس القيم
ولكن استطاع المسرح المدرسي أن يغرس الكثير من القيم في نبتة الجيل الجديد، ومستقبل الأمة، ومحاربة كل أفكار التطرف التي تستقطب أطفالنا خاصةً مع التطور التكنولوجي الكبير، ومع التحديات الموجودة في العصر الحالي، بات لزامًا أن يعود المسرح المدرسي إلى سابق عهده، ليواجه كل تحديات استقطاب الأطفال واستهداف من خلال التكنولوجيا.
من جانبه؛ أكد الفنان عزت زين أن المسرح المدرسي تأثر كثيرًا بشكل سلبي بكل المشكلات التي تواجه التعليم، وأبرزها تأثيرًا كثافة الفصول الدراسية، وضغط الجدول اليومي، ووجود مدارس تعمل بنظام الفترتين، وكل تلك العوامل لها تأثير كبير على تراجع المسرح المدرسي.
وتابع زين أنه خلال العامين الماضيين كان هناك بعض التطورات الإيجابية في جزء من مشكلات التعليم، وهي فرصة مناسبة لاستثمار ذلك لتكون بداية جديدة، لعودة الروح للمسرح المدرسي، تليق بتاريخه وأهميته.
عزت زين
وأكمل الفنان عزت زين أن الهدف الرئيسي للمسرح المدرسي ليس تفريغ فنانين فقط والكشف عن مواهب للساحة الفنية فقط، وانما إعداد طلاب يمتلكون رؤية واسعة للحياة وقضاياها.
ويكون لديهم القدرة على فهم الآخر، لأن المسرح بطبيعته نموذج للديمقراطية وتعدد الأصوات، ويساهم في بناء شخصية متوازنة حتى وإن لم يعمل الطالب بالفن بعد ذلك في المستقبل.
وأضاف زين أن أحد أهم عوامل تراجع المسرح المدرسي هي العجز الواضح في عدد الأخصائيين المؤهلين للعمل مع الطلاب، رغم أن المدن الكبرى والعواصم الإقليمية تحظى بفرص أفضل في النشاط المسرحي مقارنة بالمحافظات النائية.
وذلك نظرًا لتوفر خريجي معهد الفنون المسرحية وكليات التربية النوعية الذين يتعاملون مع التربية والتعليم من خارج المنظومة الرسمية.
المسرح المدرسي يشكل وعي الطفل ويحميه من الانجراف لأفكار التطرف
على صعيد آخر؛ أكدت الناقدة الفنية ماجدة خير الله أن المسرح المدرسي كان له دور في بناء شخصية الطفل على كل المستويات، وأنه يدرك معاني عظيمة من المشاركة والتعاون ويكسب لشخصيته في مراحل التنشئة، مناخ لصفات تجعل منه فرد فعال في المجتمع.
وتابعت الناقدة الفنية ماجدة خير الله في تصريحات خاصة لـ«البوابة نيوز» أنه ليس من الضروري أن يفرز المسرح المدرسي مواهب للفن، ولكن كان يفرز أفراد للمجتمع على قدر كبير من الوعي والأفكار الإنسانية الإيجابية، ويساعد على بناء أطفال واجهت الجمهور واكتسبت قدرات تساعدهم في بناء الشخصيات في الحياة العملية.
وأوضحت خير الله أن الجيل الحالي بعد تراجع المسرح المدرسي وممارسة الأنشطة الفنية بالمدارس، خرج بدون بصمة أو شخصيات متفردة، وأصبح معرض للأفكار المتطرفة أكثر من جيل عاش الحياة الفنية وممارسة الأنشطة في المدارس.
في سياق متصل؛ قالت الناقدة الفنية حنان شومان أن المسرح المدرسي هو المشارك في بناء شخصية الطفل، ويساهم في تربية جيل كامل من ممارسي الأنشطة الفنية في سن صغيرة.
جوانب أخرى
وأضافت الناقدة الفنية حنان شومان في تصريحات خاصة لـ«البوابة نيوز» أن الطالب في مراحل التعليم الأولى حينما يشارك في التحضير لعرض مسرحي، فهو يقرأ النص، ومن هنا يدرك أن هناك نصوصا وقراءة وأشعارا، ويبدأ في فهم أن هناك جوانب أخرى في الحياة خلاف المواد الدراسية.
وأكملت شومان حديثها "المسرح المدرسي مش الهدف منه أنه يساعد في إخراج مواهب فنية، لكن الهدف الحقيقي منه هو أن كل طالب يبحث داخل نفسه عن موهبته الحقيقية، ويشارك في المجتمع بعد اكتشاف نفسه، ممارسة الفنون شيء رائع لبناء شخصية الإنسان وخصوصًا الأطفال في مرحلة التكوين.
في الاتجاه نفسه؛ أكدت الدكتورة داليا همام رئيس مهرجان القاهرة الدولي للطفل العربي على أهمية ودور المسرح المدرسي في بناء شخصية الطفل، وأنه أحد أهم الملفات الخاصة بتكوين الطفل في أهم مراحله العمرية.
النشاط المسرحي
وذلك لأن ممارسة النشاط المسرحي والفني في مراحل تعليم الطفل في الصغر، تخرج للمجتمع طفل سوي، ويخرج كل طاقاته في العملية الفنية، ويعتاد تقبل التوجيهات وهو ما ينعكس على سلوكه، إلى جانب الجزء الخاص بتكوين الوعي لدي الطفل في المرحلة المهمة منذ صغره.
ووجهت داليا همام في تصريحات خاصة لـ«البوابة»، أن الفن والمسرح المدرسي يمثل حائط صد للأطفال وبناء قدرتهم على مواجهة أي محاولة للانسياق خلف أي أفكار متطرفة أو مسمومة، خاصةً في زمن التكنولوجيا وسهولة وصول المعلومات للأطفال في سن صغيرة، وهو ما يمثل خطورة كبيرة، والفن يعادل معادلة الوعي لدى الطفل، ويساعده على إفراغ طاقاته وتوازن أفكاره.
واختتمت همام أن الفنان هناك العديد من الأطفال التي تتمنى المشاركة في الفعاليات الفنية بالمدارس، ولكن لا تتوافر لهم مسارح، وهناك بعض العوائق الخاصة ب الاوراق والإجراءات، ولكن علينا أن ندرك أهمية المشاركة الطفل في ممارسة الأنشطة الفنية والثقافية بجانب العملية التعليمية، فالطفل أمن قومي وخط الحماية الأول في بناء مستقبل البلاد.
نجوم ببصمة المسرح المدرسي
الزعيم عادل إمام
يعد الفنان عادل إمام، أحد أهم رموز الفن المصري والعربي على مر التاريخ الفني، وعشق الفن لم يكن مصادفة، بل شارك الزعيم في المسرح المدرسي منذ الصغر، وساهم المسرح أثناء دراسته في خلق الحالة الإبداعية له.
وفي تصريحات تلفزيونية له أكد الفنان عادل إمام أن البدايات مع المسرح المدرسي ساهمت بشكل كبير في تعلقه بالفن منذ الصغر.
وتابع الزعيم حديثه "أنا وسعيد صالح كنا عارفين بعض من زمان من قبل مدرسة المشاغبين، ده بسبب المسرح المدرسي، كنا نسمع عن بعض من واحنا صغيرين بسبب مشاركتنا في العروض المسرحية بالمدرسة.
واختتم الزعيم حديثه "كنت اسمع إن فيه واحد جامد اوي في التمثيل في المسرح المدرسي، وهو كمان كان يسمع عني، لحد ما اتقابلنا وبدأت الصداقة بينا".
قدم الزعيم عادل إمام تاريخ مسرحي يستحق التقدير، وكان صاحب عدد سنوات العرض المتتالي، وأبرز أعماله المسرحية "مدرسة المشاغبين، شاهد مشافش حاجه، بودي جارد، الزعيم، الواد سيد الشغال".
سعيد صالح
الفنان سعيد صالح أحد سحرة المسرح على مدار تاريخه، له طابع وبصمة خاصة وكاريزما وحضور طاغي، ربما لا ينافسه أحد، وقدم العديد من الأعمال المسرحية التي حققت نجاحًا كبيرًا، وتعيش داخل وجدان الجمهور المصري والعربي حتى يومنا.
بدأ الفنان سعيد صالح رحلته الفنية مع المسرح المدرسي، بل وقدم عدد من روايات الادب العالمي، وعشق الفن منذ ذلك الوقت، وظل حلم التمثيل والمسرح يداعب عقله، حتى تحقق وأصبح أحد أهم فرسان الفن في جيله وحتى رحيله، وقدم للمسرح أعمال خلدها الجمهور قبل التاريخ.
وحقق الفنان سعيد صالح نجاحات كبيرة على المسرح، وكان يقدم الشخصيات التي تلامس وجدان الجمهور وتعيش في الأذهان حتى بعد رحيله في وقتنا الحاضر.
أحمد زكي الإمبراطور
يعتبر الإمبراطور أحمد زكي، مدرسة فنية مستقلة، وصفه الجمهور والنقاد بالعبقري، قدم مسيرة فنية حافلة بالأعمال الصعبة والأدوار المركبة، والتي أكدت على موهبة فنية استثنائية في عالم الفن.
والغريب في الأمر أن الفنان أحمد زكي لم يكن يتوقع أن يكون فنان في يوم من الأيام، ولم يطمح إلى عالم الفن والشهرة.
ولكن قال الامبراطور أحمد زكي في لقاء تلفزيوني له، أنه في مدرسة "الصنايع" كان ناظر المدرسة يريد أن يتعاون الطلاب ويكون بينهم انضباط، فطلب منهم أن يقدموا مسرحية، وعليهم جميعًا أن يتعاونوا فيها.
ويقول الراحل أحمد زكي أن المدرسة تحولت إلى صناعة مسرح من طلاب أقسام الصنايع بين الخشب والحدادة والخراطة، وانتهى الطلبة من صناعة المسرح، والتحضير للمسرحية.
ووصف زكي المشهد أن المدرسة وكأنها دار الأوبرا في الانضباط والحالة الفنية التي غلبت على الجميع، وكم الانبهار الذي أصاب الفنان أحمد زكي بالمسرح والتحضيرات والشخصية وكل تفاصيل العمل منذ التحضير وحتى العرض.
ومنذ ذلك اليوم، عشق الفنان أحمد زكي المسرح والفن، ووصف هذا المدرس بأنه سبب حالة الفن والولع التي بدأت بالمسرح المدرسي، واختتمت برحلة الامبراطور الفنية، وكان للمشاركة في المسرح المدرسي الدور الأساسي في عشق الفتى الأسمر لعالم الفن، ومسيرة خالدة من الأعمال الفنية الهامة.