انطلقت بمدينة الأسكندرية فعاليات الدورة الخامسة عشرة من مهرجان الأسكندرية المسرحي الدولي (مسرح بلا إنتاج)، والتي تحمل اسم النجم محمد هنيدي، ويشارك في المهرجان هذا العام 17 عرضًا مسرحيًا، بواقع 4 عروض مصرية، و13 عرض من خارج مصر من 12 دولة غربية وعربية. ويقدم المهرجان 6 ورش مميزة ومتنوعة يقدمها مجموعة من الفنانين والمدربين أصحاب الخبرة الكبيرة،
شهد المهرجان فعاليات الورشة التدريبية التي يقدمها الدكتور محمد حسني، والتي تحمل طابعًا خاصًا بتركيزها على فنون الإلقاء الصوتي والغناء، بوصفهما أدوات أساسية في تكوين الممثل وتطوير حضوره المسرحي.
تمارين إحماء صوتية
بدأ الدكتور حسني الورشة بالترحيب بالمشاركين، ثم قادهم عبر تمارين إحماء صوتية وتنفس عميق، مؤكدًا أن السيطرة على النفس هي الخطوة الأولى لبناء أداء صوتي متوازن. ثم طرح سؤالًا مفتوحًا على المتدربين حول أسباب التحاقهم بالورشة ورؤيتهم لها؛ فجاءت الإجابات متنوعة بين من يبحث عن تعزيز صوته للمسرح، ومن يرغب في صقل مهارات الإلقاء والتقديم الإذاعي، وآخرين جذبهم حب الغناء أو خبرتهم السابقة معه.
خلال الشرح النظري، قدّم حسني تعريفًا مبسطًا للصوت باعتباره "جهازًا صوتيًا وصندوق رنين داخل الجسد"، موضحًا أن هذا الجهاز يمكن التحكم في تردده وحضوره عبر التدريب، وشرح الفروق الدقيقة بين تدريبات المذيعين والمغنين والممثلين، مشيرًا إلى أن لكل مجال متطلبات خاصة لا يمكن الخلط بينها. وأن هذا الجهاز يتكوّن من أعضاء متكاملة: الفم، اللسان، الأسنان، الرقبة، الصدر، والبطن، وهي المسؤولة عن إنتاج الصوت وصياغته في صور مختلفة. أما الرنين فهو الاهتزاز أو الصدى الذي يتشكل داخل تجاويف الجسم ويمنح الصوت قوته وتميّزه، إذ يختلف من شخص لآخر بحسب البناء الجسدي وطريقة استخدام الحبال الصوتية والتنفس.
وأوضح أن الرنين ليس مجرد أثر جانبي للصوت، بل هو ما يحدد طبقاته ونبراته، وبالتالي شخصيته المؤثرة على المستمع.
أنواع الصوت
وفيما يتعلق بتصنيف أنواع الصوت، أشار إلى أن العلماء صنّفوها إلى ستة أنواع أساسية: ثلاثة للرجال وثلاثة للنساء، وهي تتوزع بين الأصوات الحادة والمتوسطة والقرار. هذا التنوع يمنح كل شخص مساحة صوتية خاصة يمكن توظيفها في التمثيل أو الغناء أو الإلقاء الإذاعي، شريطة إدراك حدودها وتدريبها بشكل علمي.
وقد استعان خلال الورشة التدريبية بآلة موسيقية ليقود المتدربين في تجربة عملية للانغام وتنمية الصوت، إلى جانب تمارين آخرى لتحسين الصوت والتنفس، وإحماء عضلات اللسان والفك كالضحك.
تنوّعت التمارين العملية لتشمل التعرف على نوع الصوت واستخداماته، وتقنيات التنفس السليم الذي يعتمد على البطن، إضافة إلى تدريب المشاركين على الحروف المتحركة، بالإضافة إلى تدريبات حركية تشبه اليوجا لتحسين التنفس والحفاظ على الصوت.
كذلك شدّد على أهمية التنويع الصوتي بين القرار، والصوت الحماسي، والصوت الحاد، كأدوات تعبيرية تمنح الممثل طاقة وإقناعًا أكبر.
الأداء الصوتي للممثل
كما حرص على ذكر الفرق بين الأداء الصوتي للممثل على خشبة المسرح وبين أدائه في السينما، معتبرًا أن الموسيقى التصويرية تمثل رافدًا مهمًا يعزز حضور الصوت ويضاعف تأثيره، وأن الممثل المسرحي يتميز ب صوته القوي مما يجعله متميز عن ممثل السينما، وختم حديثه بتأكيد أن "المسرح أبو الفنون"، مشيرًا إلى ضرورة البدء بتعليم الأطفال منذ الصغر أسس النطق السليم وفنون الحديث، إلى جانب استيعاب مفهوم التنوين الصوتي وأنواعه.
الجلسة الأولى من الورشة عكست مزيجًا من الجدية والمتعة، حيث تفاعل المشاركون مع التدريبات بشكل لافت،حيث قاموا بالغناء لتفريغ طاقتهم وتنمية مهاراتهم الصوتية. ليشكل اليوم الأول خطوة تأسيسية نحو رحلة فنية يتوقع أن تثمر عن مواهب أكثر وعيًا بأهمية الصوت في صناعة حضورهم المسرحي والإبداعي.
ومن جانب آخر قدم الفنان شريف الدسوقي ماستر كلاس بعنوان «الطريقة المثلى لبناء الشخصية المؤداة في التمثيل، واستهل «الدسوقي» الورشة بالتأكيد على أن القراءة الأولى للنص غالبا ما تكون «خادعة»، مستشهدًا بمنهج ستانيسلافسكي في كتابه «إعداد الممثل»، وأوضح أن التركيز المبدئي على الدور الشخصي دون النظر للسياق العام هو خطأ شائع، ونصح «الدسوقي» الممثلين بإعادة القراءة لاستيعاب الفكرة الأساسية من خلال فهم دورهم وعلاقته بالأدوار المحيطة به، وأشار إلى أن دراسة الشخصية تتطلب استيعاب ثلاثة أبعاد رئيسية: البعد النفسي، ويشمل الحالة الشعورية للشخصية مثل الحزن أو البهجة، والبعد الشكلي: ويتعلق بالمظهر الخارجي واللوازم الحركية مثل البدانة أو وجود لازمة حركية معينة، والبعد الاجتماعي: ويحدد الطبقة التي تنتمي إليها الشخصية سواء كانت فقيرة أو غنية.
وانتقل «الدسوقي» للحديث عن «الذاكرة الانفعالية»، واصفًا إياها بـ«غرفة ربانية» داخل كل إنسان تسجل تلقائيًا كل ما يمر به من مواقف، وأكد على ضرورة استدعاء هذه الذاكرة عند بناء الشخصية، حيث يمكن للممثل أن يجد فيها ما يتقاطع مع الدور الذي يؤديه، وأوضح أن الممثل الماهر هو من يستطيع خلق توأمة بين الشخصية المكتوبة ومواقفه الحياتية، وفي حال غياب تجربة مشابهة، نصح باستخدام الخيال وطرح سؤال«ماذا لو؟» لخلق الموقف ذهنيا، وشدد الدسوقي على أهمية المراقبة والرصد لما حوله وإيجاد نفسه في بيئات تساعده أن يعايش الشخصية، واصفًا مدينة الإسكندرية بأنها «مخزن للتنوع والذاكرة» يمكن للممثل أن ينهل منه.
تطرق الدسوقي خلال الورشة إلى مفهوم «المعايشة» باعتبارها خطوة جوهرية في عملية تقمص الدور، مؤكدًا أن على الممثل البحث عن بيئة تساعده على الغوص في تفاصيل الشخصية، وضرب مثالًا بمدينة الإسكندرية، التي يرى أن بحرها يمثل أداة مجانية تمنح الممثل مساحة للصفاء الذهني وتركيزًا يساعده على اتخاذ قرارات صحيحة تجاه الشخصية التي يجسدها، وفي لمسة إنسانية، روى تجربته الشخصية مع إحدى الشخصيات التي التصقت به ولم يتمكن من الخلاص منها بسهولة، موضحًا أنه اختار مصاحبتها لفترة حتى يتجاوزها تدريجيًا، ناصحًا المشاركين بضرورة الحفاظ على وعيهم وعدم الوقوع في أسر أدوارهم، تجنبًا للتأثيرات النفسية السلبية.
بدأت التدريبات بتمرين أشبه بـ«الإنعاش الذهني»، حيث طلب الدسوقي من المشاركين إغماض أعينهم وتخيل شاشة أمامهم لتخزين صور ومشاهد في الذاكرة، وهذا التمرين، بحسب وصفه، يُعيد تنشيط الخيال ويجعل الممثل أكثر قدرة على مشاهدة تفاصيل دقيقة قد تغيب عادة عن الانتباه، كما يساعد في تصفية المشاعر الشخصية وفرز الطاقات المكبوتة، سواء حزنا أو فرحًا، بهدف إخراجها في سياق فني منظم، وأكد أن هذه الممارسة تكشف أحيانًا عن صدمات دفينة يعيشها المتدرب، وهو ما يساهم في التخفيف منها وتجاوزها تدريجيا، وأوضح الدسوقي أن مثل هذه التمارين ليست مرتبطة بالخيال فقط، بل تمنح الممثل قدرة غير مباشرة على استخدام طبقاته الصوتية بشكل أوعى، مضيفًا أن الأمر يعزز من حضور الأداء ويصنع تناغمًا بين الفكرة وتجسيدها المسرحي داخل الإطار الفني.
أوديشن للتعريف عن كل متدرب
وطلب «الدسوقي» من كل مشارك أن يعرف نفسه بعدة جمل قصيرة بأسلوب أدائي تمثيلي، مع التشديد على أخذ عشر ثوان من الصمت قبل البدء ليستحضر الممثل اللحظة ويدخلها بتركيز كامل، هذا التمرين لم يقتصر على كسر حاجز الخجل، بل وفر للمشاركين مادة خام يمكن صياغتها لاحقًا في شكل مونولوج أو مشهد قصير، ليكون لديهم دائما نصان على الأقل جاهزان لتقديمهما في أي تجارب أداء (أوديشن)، واختتم الدسوقي الورشة بحث المشاركين على مواجهة الإحباط والتخلي عن «الشماعات الفارغة».
وأكد في الختام أن التمثيل أسلوب حياة يتطلب الصبر والمثابرة، وأشار إلى أن جيله من الممثلين كسروا الصور النمطية السلبية عن المهنة.
يشهد مهرجان الإسكندرية المسرحي الدُّوَليّ «مسرح بلا إنتاج» تطورًا كبيرًا عامًا بعد عام، منذ نشأته عام 2008م، واكتسابه الصفة الدولية منذ الدورة السادسة، ونجح المهرجان في جذب أكثر من عشرين دولة غربية وعربية للمشاركة في دوراته حتي الدورة الحالية، ليسطر المهرجان تاريخًا ونجاحًا غير مسبوق ويصبح أحد أهم المهرجانات المسرحية في مصر والوطن العربي.
تضم لجنة تحكيم المهرجان هذا العام عدد من الشخصيات الفنية والعالمية البارزة في عالم الفن وهم المخرجة والممثلة الأمريكية مونيكا هنكن، رئيس لجنة التحكيم وعضوية المخرج والفنان المصري تامر كرم، الفنان المصري إبراهيم السمان، والممثل والمخرج الفلسطيني إيهاب زاهده، المخرج والسينوغراف الكويتي نصار النصار، والفنانة المصرية نادت عادل، مقرر لجنة التحكيم.