في زمن يتسارع فيه إيقاع التكنولوجيا بشكل غير مسبوق، تغيّرت أنماط التواصل الإنساني وتبدّلت أدوات التعبير والتأثير، فبعد أن كانت الصورة والكلمة الركيزة الأساسية للإعلام التقليدي، برزت الفيديوهات القصيرة كلغة رقمية جديدة، تختزل الأفكار وتبني الشهرة وتصنع القرارات في أقل من دقيقة.
في قلب هذه الموجة الرقمية، يواصل تطبيق "تيك توك" تصدر المشهد العالمي، متجاوزًا كونه مجرد منصة للترفيه، ليصبح فضاءً يجمع بين الإبداع والانفلات، والفرص والمخاطر، والتأثير والتأثر، وهو ما جعله أحد أكثر التطبيقات إثارة للجدل في السنوات الأخيرة.
بين المزايا والتحديات
منذ إطلاقه عالميًا عام 2016، شق تيك توك طريقه إلى الهواتف الذكية ومنها إلى العقول والسلوكيات، محدثًا ثورة في صناعة المحتوى؛ فلم يعد الأمر يتطلب مقالًا مطولًا أو فيديو طويلًا، بل أصبحت بضع ثوانٍ كافية لإيصال فكرة أو الترويج لمنتج أو إشعال موجة من التفاعل.
وقد ساعد التطبيق الشباب على التعبير عن أنفسهم، واكتشاف مواهبهم في مجالات متعددة، فضلًا عن توفير فرص ربح مادي حقيقية من خلال صناعة المحتوى، لكن الوجه الآخر لهذه الظاهرة لا يخلو من مخاطر، أبرزها إهدار ساعات طويلة في التصفح دون وعي، وما يترتب على ذلك من ضعف التركيز وتراجع القدرات المعرفية، إلى جانب انتشار محتوى سطحي أو غير أخلاقي قد ينعكس على الهوية الثقافية، خاصة بين المراهقين.
كما يثير التطبيق مخاوف تتعلق بانتشار الشائعات والمعلومات المضللة، وسهولة ترويج الأخبار دون تحقق، إضافة إلى تهديدات مرتبطة بجمع بيانات المستخدمين واحتمال استغلالها سياسيًا أو استخباراتيًا، فضلًا عن شبهات غسيل الأموال عبر الهدايا الرقمية والبث المباشر.
بين المنع والتقنين
أمام هذه التحديات، انقسمت المواقف عالميًا بين دول دعت إلى حظر التطبيق بشكل كامل، وأخرى ترى فيه أداة يمكن توظيفها بشكل إيجابي لنشر المعرفة وتعزيز المحتوى التعليمي.
ويرى خبراء أن الحل الأمثل لا يكمن في المنع، بل في تقنين الاستخدام من خلال تشريعات ذكية، وتشجيع صناع المحتوى الهادف، وإطلاق مبادرات تعليمية داخل المنصة نفسها، مع تعزيز وعي الشباب وتدريبهم على التفكير النقدي فيما يستهلكونه من محتوى.
وفي هذا السياق، أكد اللواء مصطفى زكريا، الخبير الأمني، أن تيك توك لم يعد مجرد تطبيق ترفيهي منذ ظهوره من الصين عام 2016، بل تحول إلى منصة ذات أبعاد ثقافية واجتماعية واقتصادية وأمنية** واسعة، وهو ما يضعه تحت مجهر المراقبة والنقاش المستمر.