شهد نوفمبر ٢٠١٩ لحظة فارقة في مسار التوجه التقني بمصر، عندما أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي من على منصة منتدى شباب العالم في شرم الشيخ توصيةً بإنشاء مركز وطني للذكاء الاصطناعي بحلول عام ٢٠٢١.
جاءت هذه التوصية في توقيت عالمي بالغ الأهمية، حيث تشير تقديرات مؤسسة (PwC) إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يُسهم بما يصل إلى ١٥.٧ تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول عام ٢٠٣٠، بينما تتوقع (IDC) أن يتجاوز الإنفاق على أنظمة الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط وإفريقيا حاجز ٣ مليارات دولار بحلول عام ٢٠٢٤.
ومع نهاية عام ٢٠٢٣، لا يزال هذا المركز طموحًا قيد الانتظار، مما يثير تساؤلات جوهرية حول سرعة تحول مصر نحو الاقتصاد القائم على المعرفة والتقنيات المتقدمة.
على الرغم من عدم تحقيق التوصية الرئاسية الخاصة بالمركز الوطني حتى الآن، شهدت الفترة الماضية تطورًا مؤسسيًا مهمًا تمثل في إنشاء المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي في أكتوبر ٢٠١٩. وقد تولى هذا المجلس مهمة وضع "الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي"، التي تهدف إلى وضع مصر ضمن أفضل ٣٠ دولة في هذا المجال الحيوي.
غير أن إنشاء مركز وطني مادي وافتراضي يجمّع الباحثين والخبراء تحت مظلة واحدة يبقى الملف الأكثر إلحاحًا ضمن هذه الاستراتيجية.
هذا المركز ليس مجرد مبنى، بل هو حاضنة للابتكار ومنصة لتنسيق الجهود وتنمية المواهب، على غرار النموذج الناجح الذي طبقته الإمارات عبر "مكتب الذكاء الاصطناعي".
لا يمكن فصل بناء مركز للذكاء الاصطناعي عن بناء العقول القادرة على إدارته وتطويره. فوفقًا لمنظمة العمل الدولية، سيعمل ٦٥٪ من طلاب المدارس الابتدائية اليوم في وظائف جديدة غير موجودة حاليًا، ستعتمد غالبيتها على مهارات رقمية متقدمة. هنا تبرز أهمية الذكاء الاصطناعي كأداة أساسية لإعداد قادة المستقبل.
وفي هذا الإطار، تبرز الأكاديمية الوطنية لتدريب الشباب كطرف محوري في هذه المعادلة. ولا يقتصر دور الأكاديمية على مجرد التدريب، بل يمتد إلى ترشيح وإعداد الكوادر القيادية الشابة ولكي تنجح في هذه المهمة، يجب أن تصبح مناهج الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة ركيزة أساسية في جميع برامجها، من خلال:
- إدراج مقررات إجبارية عن أساسيات الذكاء الاصطناعي وأخلاقياته لجميع المتدربين.
- عقد شراكات استراتيجية مع كبرى الشركات التكنولوجية العالمية والجامعات المرموقة.
- إنشاء معمل ذكاء اصطناعي متطور داخل الأكاديمية كبيئة للتجريب والتطبيق العملي.
إن تأسيس مركز وطني للذكاء الاصطناعي ليس ترفًا فكريًا، بل هو استثمار إستراتيجي في أمن مصر القومي ومستقبلها الاقتصادي لقد مضى وقت التأجيل، وحان وقت التنفيذ يجب أن تتبنى الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي ملف المركز بشكل عملي وسريع، مع وضع جدول زمني واضح.
كما يجب أن تتحول الأكاديمية الوطنية لتدريب الشباب إلى قلعة لإعداد جيل جديد من القادة، يجيدون لغة العصر وهي لغة البيانات والخوارزميات، ليكونوا قادرين على قيادة دفة التنمية ومواجهة التحديات المستقبلية بكل كفاءة واقتدار.