
تقود إسبانيا حملة غضب أوروبية ضد الممارسات الوحشية والإبادة الجماعية الممنهجة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية في غزة وسائر المناطق الفلسطينية، يأتي ذلك في ظل تسارع وتيرة الأحداث في الآونة الأخيرة والتي شملت اعتراف العديد من الدول الأوروبية بدولة فلسطين، ومن بينها إسبانيا وأيرلندا والنرويج رسمياً بفلسطين كدولة، في مايو الماضي.
و تعترف نحو 144 من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 بدولة فلسطينية، بما في ذلك معظم دول الجنوب العالمي وروسيا والصين والهند، وترى مدريد ودبلن وأوسلو قرارها وسيلة لتسريع الجهود الرامية إلى تحقيق وقف لإطلاق النار في حرب إسرائيل في قطاع غزة.
ومنذ أكتوبر 2023، تشن قوات الاحتلال الصهيوني بدعم أمريكي حرب إبادة على سكان قطاع غزة، ارتكبت خلالها أكبر الفظائع والممارسات الوحشية فلم يسلم مسجد أو كنيسة أو مشفى من القصف الإسرائيلي الممنهج لتدمير الحرث والنسل في قطاع غزة، وشملت جرائم الاحتلال القتل والتجويع المتعمد والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية لوقف الحرب وأوامر محكمة العدل الدولية بهذا الصدد.
وخلّفت الإبادة الجماعية التي ارتكبتها قوات الاحتلال نحو 65 ألف شهيد و165 ألف مصاب، كما استشهد جراء التجويع 428 فلسطينيا، منهم 146 طفلا، وفق أحدث إحصاءات وزارة الصحة في قطاع غزة.
إسبانيا رأس الحربة في الغضب الأوروبي من ممارسات الاحتلال الوحشية
وقادت إسبانيا جهود دبلوماسية قوية وغير مسبوقة في أوروبا ضد جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وباتت الحكومة الإسبانية التي اعترفت بدولة فلسطين في مايو 2024 في خطوة مشتركة مع أيرلندا والنرويج، واحدة من أكثر الأصوات في أوروبا انتقادا للاحتلال الإسرائيلي، واتخذت ضدها سلسلة من الإجراءات بهدف وقف الحرب التي تؤكد أنها إبادة جماعية للفلسطينيين في غزة.
وارتفع منسوب التوتر بين البلدين بعد أن دعا رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، إلى منع إسرائيل من المشاركة في المسابقات الرياضية الدولية. وقارن سانشيز موقف بلاده من الحرب في غزة بما حدث مع روسيا بعد غزوها لأوكرانيا، متسائلاً: "لماذا تم طرد روسيا، بينما لم تُستبعد إسرائيل؟".
وأكد أن بلاده "لا يمكنها أن تقبل بأن تستغل إسرائيل أي منصة دولية لتلميع صورتها ما دامت الهمجية مستمرة".
ولم يقتصر التحرك الإسباني على الجانب السياسي فقط، بل اتخذت الحكومة سلسلة من الإجراءات الملموسة بهدف زيادة الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وشملت هذه الإجراءات منع مرور شحنات الأسلحة، حيث أعلنت الحكومة الإسبانية أنها ستمنع أي سفن أو طائرات متجهة إلى إسرائيل وتحمل أسلحة من الرسو في الموانئ الإسبانية أو دخول المجال الجوي الإسباني.
كما قررت إسبانيا فرض حظر على السلع المصنعة في المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتعهدت بزيادة مساعداتها المالية للسلطة الفلسطينية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا).
تحقيق رسمي إسباني في الجرائم المرتكبة في غزة
ولم يتقصر الموقف الإسباني على الإجراءات الاقتصادية، أمر النائب العام الإسباني بفتح تحقيق رسمي في الجرائم المرتكبة في غزة، مع احتمال وقوع جرائم "إبادة جماعية" و"جرائم ضد الإنسانية".
وتهدف هذه الخطوة إلى جمع أدلة يمكن تقديمها لاحقًا إلى محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.
كما شهدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تدهورًا حادًا، فبعد الاعتراف بدولة فلسطين، استدعت إسرائيل سفيرها في مدريد. وردت إسبانيا باستدعاء سفيرتها في تل أبيب، كما استدعت وزارة الخارجية الإسبانية القائمة بأعمال السفارة الإسرائيلية في مدريد مرتين احتجاجًا على "التصريحات غير المقبولة" من وزير الخارجية الإسرائيلي الذي وصف سانشيز بأنه "معادٍ للسامية".
إيطاليا ترفض بشكل قاطع احتلال غزة
على الجانب الإيطالي، أظهرت الحكومة رفضًا صريحًا للعمليات العسكرية الإسرائيلية، معتبرة أن رد فعل إسرائيل "غير متناسب على الإطلاق". وأكدت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، أن بلادها لا يمكنها دعم قرار إسرائيل باحتلال غزة، مشددة على أن إيطاليا تسعى لبناء السلام لا بالكلمات فقط.
وجاء هذا الموقف بالتوازي مع تصريحات وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاجانى، الذي وصف العملية العسكرية بأنها "تهدد المدنيين ولا يمكن تبريرها كدفاع عن النفس"، داعيًا إلى وقف إطلاق النار.
ميناء إيطالي يرفض استقبال سفن محملة بالإسلحة في طريقها لإسرائيل
وترجم هذا الموقف السياسي إلى تحرك عملي على الأرض، حيث رفض ميناء رافينا الإيطالي دخول شاحنتين تحملان متفجرات كانت في طريقها إلى ميناء حيفا الإسرائيلي. هذا القرار جاء استجابة لاحتجاجات عمالية متصاعدة في الميناء، وهو ما يعكس تضامنًا شعبيًا متزايدًا في أوروبا لوقف تدفق الأسلحة إلى إسرائيل.
ويُظهر التحرك الإيطالي، خاصة على المستوى الشعبي، تزايد الضغوط الداخلية والدولية على الحكومات الأوروبية لاتخاذ إجراءات أكثر فاعلية لوقف الحرب في غزة، ووضع قيود على تصدير السلاح إلى إسرائيل.
فرنسا تحذر الاحتلال من ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين
وعلى صعيد متصل، حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قادة الاحتلال من أي خطوات أحادية تشمل الهجوم أو ضم الأراضي الفلسطينية أو تهجير السكان، مؤكدًا أن هذه المحاولات لن تثني فرنسا عن المضي قدمًا نحو الاعتراف بدولة فلسطين.
وأكد الرئيس الفرنسي أن الاعتراف بفلسطين يحظى بدعم دولي متزايد، قائلًا: "لن يوقف أي هجوم، ولا محاولة ضم، ولا تهجير للسكان"، كما انتقد "ماكرون" بشدة قرار الولايات المتحدة بعدم منح تأشيرات لمسؤولين فلسطينيين لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة، واصفًا القرار بـ"غير المقبول"، داعيًا إلى التراجع عنه احترامًا لاتفاقية المقر.
وأعلن ماكرون أن فرنسا والسعودية ستقودان رئاسة مؤتمر دولي لدعم حل الدولتين في نيويورك يوم 22 سبتمبر، بهدف حشد دعم عالمي لهذا الحل الذي وصفه بـ"السبيل الوحيد لتحقيق تطلعات الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي".
وأكد أن التوصل إلى هذا الحل يتطلب وقفًا دائمًا لإطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن، وتوسيع المساعدات الإنسانية لغزة، ونشر بعثة دولية لتحقيق الاستقرار، إلى جانب نزع سلاح حركة حماس وإبعادها عن السلطة، وإصلاح وتقوية السلطة الفلسطينية، وإعادة إعمار القطاع.
وكان ماكرون قد أعلن في يوليو الماضي نية بلاده الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين خلال اجتماعات الأمم المتحدة في سبتمبر، في خطوة تهدف إلى دعم جهود إحلال السلام في المنطقة.
مظاهرات ضخمة وسط لندن لوقف الإبادة الجماعية في غزة تزامنا مع زيارة ترامب
وبالأمس، شهدت العاصمة البريطانية لندن احتجاجات واسعة، حيث خرجت تجمع عدد كبير من المتظاهرين قرب مقر هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، قبل أن تنطلق مسيرة جماهيرية باتجاه ساحة البرلمان، ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها "لنوقف الإبادة في غزة"، و"أطيحوا بترامب"، "لا للعنصرية، لا لترامب"، و"أوقفوا قنابل ترامب النووية" في إشارة إلى تقارير عن نية الولايات المتحدة نشر أسلحة نووية في الأراضي البريطانية.