بدأ العرض العسكري الذي نظمته الصين مؤخرًا في بكين بإرسال رسائل مباشرة إلى الولايات المتحدة، بعدما كشفت خلاله عن أسلحة متطورة يرى محللون أنها قد تشكل تهديدًا للأراضي الأمريكية في المحيط الهادئ، وفي مقدمتها جزيرة غوام التي تُعد قاعدة استراتيجية رئيسية للجيش الأمريكي.
وذكرت صحيفة الجارديان البريطانية في تقرير لها، أن غالبية سكان غوام، الجزيرة الأمريكية الواقعة في المحيط الهادئ ويبلغ عددهم نحو 170 ألف نسمة، اعتادوا على سماع التهديدات الصينية، غير أن ما يشغلهم يوميًا هو ارتفاع تكاليف المعيشة أكثر من التهديد العسكري.
وتنقل الصحيفة عن جاكلين غوزمان قولها إنها تشعر بالقلق "بشأن سداد الفواتير" وتثق في الحكومة الأمريكية لحمايتها، لكن هذا اليقين تبدل نسبيًا مع تصدر التهديد الصيني عناوين الأخبار هذا الشهر.
وأوضحت الصحيفة أن بكين استغلت العرض العسكري لإحياء ذكرى هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية للكشف عن مجموعة من المعدات العسكرية الجديدة، من بينها سلاح أطلق عليه الإعلام الصيني اسم "قاتل غوام".
كما أثارت صورة الرئيس الصيني شي جين بينغ محاطًا بزعماء روسيا وكوريا الشمالية وإيران ودول أخرى تساؤلات بشأن مخاطر جديدة وغير متوقعة.
وتنقل الجارديان عن فرانك ويتمان (71 عامًا)، المقيم في باريجادا بجوار مقر الحرس الوطني في غوام، قوله: "بناءً على ما قرأته، ينبغي أن يشعر الجميع تقريبًا في هذه المنطقة بالقلق. ولكن ليس هناك شيء حقًا يمكننا فعله".
وتضيف الصحيفة أن غوام تقع على بُعد نحو 3000 كيلومتر شرق الصين، وتعد مركزًا استراتيجيًا للولايات المتحدة في المحيط الهادئ وتستضيف قوة عسكرية كبيرة. ويرى الخبراء أنه في حال نفذت الصين تعهدها بضم تايوان، فمن المرجح أن تتحول غوام إلى خط مواجهة مباشر في أي صراع محتمل.
ويبرز التقرير أن العرض العسكري الصيني تضمن كذلك صواريخ باليستية عابرة للقارات قادرة على حمل رءوس نووية، وأجهزة ليزر مضادة للطائرات بدون طيار، إضافة إلى "ذئاب روبوتية" ذات أربع أرجل.
وتنقل الصحيفة عن ميشيل تاكر، مسئولة الشئون العامة في قوة المهام المشتركة بميكرونيزيا، قولها إن "غوام موقع استراتيجي رئيسي للولايات المتحدة في غرب المحيط الهادئ"، مؤكدة أن المنطقة "من بين الأكثر أهمية" بالنسبة لواشنطن، وأن الجيش "مستعد للدفاع عن وطننا الأمريكي هنا في غوام".
وأشارت الجارديان إلى أن الولايات المتحدة تعمل على تطوير نظام دفاع جوي وصاروخي متكامل يوفر حماية شاملة حول الجزيرة، بتكلفة تُقدَّر بـ1.5 مليار دولار، ومن المقرر اكتماله خلال عشر سنوات.
كما تنقل عن العقيد المتقاعد جرانت نيوشام، قوله: "يجب على غوام أن تكون على دراية بالتهديد، حتى لو لم تكن قلقة للغاية"، مضيفًا أن الجيش الصيني تفوق على الولايات المتحدة في بعض المجالات، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن القوات الأمريكية لا تزال قوية وأكثر قدرة على مواجهة هذه التكنولوجيا.
وتتابع الصحيفة أن العرض العسكري أثار أيضًا مخاوف بسبب الظهور العلني للرئيس الصيني إلى جانب زعيمي كوريا الشمالية وروسيا، وهو ما اعتبرته جينا تي رايلي، إخصائية الاتصالات في شركة مقاولات عسكرية، مؤشرًا على "روابط سياسية أوثق ودعم متبادل" قد يغير مسار الدبلوماسية العالمية ويزيد من احتمالات التحركات المنسقة عسكريًا وأمنيًا.
في المقابل، تؤكد الجارديان أن المسئولين المحليين في غوام يصرون على أن الدفاع عن الجزيرة يمثل أولوية قصوى للجيش الأمريكي.
وتقول جيسي لوجان، عضو مجلس الشيوخ عن غوام ورئيس لجنة الشئون الفيدرالية بالمجلس التشريعي، قوله إن الحكومة المحلية تتلقى إحاطات استخباراتية منتظمة من المسئولين العسكريين الأمريكيين؛ مشددًا: "دورنا هو أن نبقى هادئين ومطلعين ومتحدين، واثقين من أن القنوات المناسبة موجودة لضمان أمننا".
وتختم الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أن غوام، التي تبعد آلاف الكيلومترات عن الأراضي الأمريكية، ظلت لعقود حجر زاوية في الوجود العسكري الأمريكي بالمحيط الهادئ.
ومع صعود الصين كقوة عسكرية واقتصادية، أصبحت الجزيرة في قلب التوترات بين واشنطن وبكين، خاصة في ظل تعهد الأخيرة بضم تايوان والتلويح باستخدام القوة لتحقيق ذلك، وهو ما يجعل غوام في مرمى أي مواجهة استراتيجية محتملة بين القوتين العظميين.
