في إشارة لافتة لدعم إدارة ترامب لقبضة الاستيطان، زار وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو موقعًا أثريًا في القدس يُعرف باسم "طريق الحجاج" ضمن مجمع المدينة القديمة للدَّاوود، في حي سلوان الفلسطيني الواقع شرق القدس، ليُعزز بذلك ما يراه كثيرون دعمًا أمريكيًّا ضمنيًا لمطالب إسرائيل على هذا الجزء المتنازع عليه من المدينة، وسط اتهامات بأن الخطوة تُستخدم كمكمل ومحفز أمريكي لسياسات الاستيطان التي تطعن في طموحات إقامة دولة فلسطينية مستقبلية وفقا لهيئة الإذاعة البريطانية، بي بي سي.
ورُبط الموقع الأثري الذي افتُتح رسميًا تحت إشراف مجموعة استيطانية تدعى "إيلاد" بعمليات الحفر والتنقيب في سلوان، حيث تقول إسرائيل إن هذا الطريق الأثري — "طريق الحجاج" — كان يُستخدم قبل نحو ألفي عام من قِبل زوار إلى الهيكل اليهودي الثاني، وأن المشروع يُعد ذا أهمية أثرية كبيرة. لكن المنتقدين يرون أن الكشف الذي جرى مؤخرًا — وخصوصًا الطريقة التي جرى بها فتح المسار أمام الزوار — يعزز الرواية اليهودية على حساب الرواية الفلسطينية، ويُستخدم كأداة لشرعنة السيطرة الإسرائيلية على أجزاء من شرق القدس. وبحسب تقرير صدر في شهر يوليو عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة والمعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن مجموعة "إيلاد" الاستيطانية استولت على أراضٍ ومنازل فلسطينية ودفعت باتجاه إخلاء عائلات فلسطينية من سلوان.
وشارك في الحفل رئيس وزراء سلطات الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والسفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هوكابي، والذي أكّد خلال الفعالية أن الولايات المتحدة لا تزال ترى القدس كعاصمة "غير منقسمة" لإسرائيل، مع تقدير كبير للأهمية التاريخية والدينية للموقع.
وبيّن روبيو أن هذا الموقع الأثري مثير للإعجاب وأن الزوار يُستحضر لديهم تاريخًا عميقًا، مجازًا لا حرفيًا، لكنه أقر أن "كل شيء في هذه المنطقة سياسي إلى حد ما".
ومن جانبهم، انتقد الفلسطينيون والمنظمات الدولية مثل اليونيسكو المشروع بشدّة، معتبرين أن عمليات التنقيب تمت بدون استشارة السكان المحليين في سلوان وبخلفية سياسية تُخفي نية تغيير الطابع الديموغرافي للحي وتقليل الوجود الفلسطيني.
وأشاروا إلى أن مروحة السرد التاريخي التي تُعرض في الموقع تغفل أوقاتًا ثقافية وتاريخية للفلسطينيين والآثار الإسلامية والمسيحية، مركزة بدلًا من ذلك على السرد اليهودي الذي يُستخدم لتبرير مطالبات السيطرة على الأرض.
ووصفت منظمات حقوقية فلسطينية حضور روبيو بأنه يمثل دعمًا أمريكيًا "لقبضة الاستيطان الإسرائيلية" بالقرب من أكثر المواقع الدينية حساسية في القدس. وقد واجه سكان سلوان لسنوات أوامر إخلاء وهدم منازل لإفساح المجال للمستوطنات اليهودية والتوسع في الحديقة الأثرية.
واستخدمت هذه الزيارة كموقف سياسي متقدم في خط السياسة الخارجية الأمريكية في ظل إدارة ترامب، تجاه القدس. فقد جاءت في توقيت حساس، قبيل اجتماع زعماء دولي في الأمم المتحدة المتوقع أن يتضمن اعترافًا بدولة فلسطينية من قبل عدة دول غربية، وهو ماَّ يعارضه بشدة روبيو.
واعتبر معارضوه أن زيارة روبيو تُعطي إشارات واضحة لإسرائيل بأنها ستستمر في توسيع المشاريع الأثرية والاستيطانية في المناطق المتنازع عليها دون محاسبة دولية تُذكر.
واعتبرت منظمة "Peace Now" الإسرائيلية، التي تدعم حقوق الفلسطينيين، أن زيارة روبيو "ليست أقل من اعتراف أمريكي بالسيادة الإسرائيلية على الجزء الأكثر حساسية من الحوض المقدس في القدس". وأضافت أن ما يقف وراء افتتاح الموقع هو "الاستخفاف بالقدس كمدينة مقدسة لجميع الأديان وتخص جميع سكانها".
ورأى محللون أن هذه الخطوة تمثّل جزءًا من استراتيجية أكبر لإظهار دعم أمريكي قوي للسيادة الإسرائيلية على القدس، تشمل نقل السفارات، الاعتراف الرسمي بالقدس كعاصمة، وتجاهل الضغوط الدولية، مما يزيد من عزلة الولايات المتحدة في بعض الأوساط الدولية لكنه يُكسبها تأييدًا داخليًا وضمن القاعدة المحافظة التي تعتبر القدس قيمة محورية.
كالمعتاد، اختتم نتنياهو الحفل بشعارات وطنية، زاعما: "أن القدس هي مدينتنا، وستظل مدينتنا إلى الأبد، وأنها لن تُقسّم مرة أخرى"، فيما أشار روبيو إلى أن الموقع الأثري هو "أحد أهم المواقع الأثرية في العالم" ويعكس التراث اليهودي المسيحي المشترك، رغم الانتقادات التي رافقت المشروع.