أخبار عاجلة

لا مكان للتسوية.. ماذا يعني كلام نتنياهو عن أسبرطة الجديدة؟

لا مكان للتسوية.. ماذا يعني كلام نتنياهو عن أسبرطة الجديدة؟
لا مكان للتسوية.. ماذا يعني كلام نتنياهو عن أسبرطة الجديدة؟

أثار خطاب نتنياهو الذي قال فيه "نحن أسبرطة"، تساؤلات عديدة عن المصطلح الجديد والهدف منه، ووفق الباحث عزت إبراهيم، فإن مصطلح "نحن أسبرطة"، يكشف أزمة في عمق إسرائيل أكثر مما يعكس قوة أو ثقة بالنفس. فاستحضار مدينة يونانية قديمة اشتهرت بالعسكرة والانغلاق يعني أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يعترف ضمنيًا بأن إسرائيل تتحرك نحو نموذج لا يعتمد على الشرعية الدولية أو الحوار، بل على السلاح والانضباط الداخلي الصارم. 

يكتب الكاتب الثحفي والباحث عزت إبراهيم عبر صفحته على "فيسبوك": "أسبرطة في التاريخ كانت كيانًا صغيرًا نسبيًا، لكنه فرض هيبته بفضل الانضباط العسكري الصارم والاقتصاد المغلق، وظل لعقود في مواجهة أثينا التي جسدت الانفتاح والثقافة والتجارة. هذا التناقض التاريخي أصبح مادة للاستعارة السياسية منذ قرون، وها هو نتنياهو يوظفه ليقول إن إسرائيل لم تعد أثينا، بل عليها أن تتصرف ككيان محاصر في حاجة إلى أن يعيش بالسلاح وحده".

يضيف: "لم تنجُ في النهاية. صحيح أنها تفوقت عسكريًا في مراحل معينة، لكنها تراجعت أمام أثينا وحلفائها ثم انهارت لأنها لم تستطع مواكبة متغيرات البيئة المحيطة. الاستعارة التي يستخدمها نتنياهو تحمل إذن في طياتها نذيرًا بمصير لا يريد أن يراه".

يتابع غزت إبراهيم: "في حديثه عن "العزلة"، يعترف نتنياهو أن إسرائيل تواجه وضعًا جديدًا في الغرب. فالمجتمعات الأوروبية تشهد تغيرًا ديموغرافيًا بفضل هجرات من الشرق الأوسط، ما جعل الرأي العام أكثر انتقادًا للسياسات الإسرائيلية، خاصة في غزة. هذه الملاحظة تكشف أن إسرائيل لم تعد تستطيع الاعتماد على دعم تلقائي دون مراجعة من العواصم الغربية".

إلى جانب ذلك، يرى نتنياهو أن قطر والصين تمثلان خطرًا جديدًا من خلال الاستثمار في الإعلام والمنصات الرقمية، ما يجعل صورة إسرائيل على مستوى الرأي العام العالمي أكثر هشاشة. بهذا المعنى، العزلة لم تعد مجرد حصار جغرافي بل حصار رقمي وإعلامي يطوق شرعية الدولة العبرية.

يضيف: "خطاب "الاعتماد على الذات" الذي دعا إليه نتنياهو، عبر تطوير صناعة سلاح محلية وتقليص الاعتماد على الخارج، يعكس إحساسًا بأن التحالفات الدولية التي قامت عليها إسرائيل منذ نشأتها لم تعد ثابتة كما كانت. حتى الولايات المتحدة، رغم حضور وفد ضخم من مشرعيها، لم تعد في نظره ضمانة مطلقة".

يتابع: "حين يقول إن "الحياة أهم من القانون"، فهو يعلن انقلاب في الأولويات حيث الأمن يسبق المؤسسات، البقاء قبل الشرعية. هذه رسالة داخلية موجهة للمجتمع الإسرائيلي الذي يعيش انقسامات عميقة حول استقلال القضاء وسيادة القانون. نتنياهو يوظف لغة الوضع الحرج لتبرير تقويض المؤسسات".

يستطرد عزت قائلا: "لكن هذا المنطق يثير قلق معارضيه. يائير لابيد وصف الخطاب بالجنون، وإيهود باراك رآه تعبيرًا عن فشل رجل مرتبك يقود بلاده إلى عزلة وانهيار. النقد الداخلي يوضح أن استعارة أسبرطة ليست محل إجماع، بل تعكس توجه تيار يميني متطرف أكثر مما تعكس إجماعًا وطنيًا.

في البعد الدولي، الخطاب يرسّخ صورة إسرائيل كدولة خارجة عن القانون الدولي، تبرر أفعالها بمنطق البقاء فقط. وهذا يضعف قدرتها على مواجهة حملات المقاطعة، لأنها بدلًا من تقديم نفسها كديمقراطية منفتحة، ترفع شعار القوة وحدها".

يضيف: "إصرار نتنياهو على أن إسرائيل "كسرت الحصار الإيراني" ثم تواجه الآن "حصار وسائل التواصل" يكشف انتقالًا في تعريف التهديدات. لم يعد الخطر فقط عسكريًا، بل أيضًا رمزيًا وإعلاميًا. وهذا اعتراف بقوة الرأي العام العالمي في زمن ما بعد الأحادية الغربية.

إشارة نتنياهو إلى غزة باعتبارها "المكان الذي بدأ منه كل شيء" توحي بأنه يرى في القطاع ليس مجرد جبهة عسكرية، بل عقدة تاريخية في الصراع كله. هو يريد أن يثبت أن إعادة السيطرة على غزة هي مفتاح بقاء إسرائيل ككيان موحد.

حين يقارن إسرائيل بأسبرطة، يتجاهل أن الأخيرة كانت محاطة بمدن يونانية تشاركها الثقافة واللغة رغم العداء السياسي، بينما إسرائيل محاطة بمجتمعات عربية وإسلامية ترى في وجودها مشروعًا استعماريًا. العزلة الإسرائيلية إذن أعمق من عزلة أسبرطة التاريخية".

في السياق الأوسع، خطاب نتنياهو يعكس تحوّلًا في الرواية الصهيونية. لسنوات، قدمت إسرائيل نفسها كـ"أثينا الشرق الأوسط": ديمقراطية وسط أنظمة استبدادية، منفتحة على الغرب، مبدعة في التكنولوجيا. اليوم، تتحول الرواية إلى "أسبرطة" المحاصرة التي لا ترى أمامها سوى السلاح.

هذا التحول قد يكسب تأييدًا داخل القاعدة اليمينية المتشددة، لكنه يضعف الجاذبية الدولية لإسرائيل. فالغرب الذي كان يحتفي بها كنموذج ديمقراطي يجد نفسه الآن أمام دولة تقول صراحة إنها فوق القانون وتعيش بالعسكرة".

يوضح عزت أن "الاعتماد على نموذج أسبرطة يحمل أيضًا دلالات ديموغرافية. فالمجتمع الإسرائيلي يشهد نموًا سريعًا في أوساط المتدينين الحريديم، الذين لا يشاركون جميعًا في الجيش، ما يخلق أزمة في "المجتمع المحارب" الذي يريده نتنياهو. أسبرطة كانت مجتمعًا كله جنود، أما إسرائيل فهي مجتمع منقسم على ذاته".

الخطاب يلمّح أيضًا إلى اقتصاد الحرب. نتنياهو يقول بوضوح إن إسرائيل ستحتاج إلى صناعة سلاح محلية أوسع، ما يعني إعادة هيكلة الاقتصاد باتجاه عسكرة أكثر. هذا الخيار قد يوفر وظائف ومكاسب لبعض القطاعات، لكنه يضعف تنوع الاقتصاد ويزيد من التبعية للمجهود الحربي.

مقارنة نتنياهو بين إسرائيل وأثينا/أسبرطة تحمل بعدًا ثقافيًا أيضًا. فأسبرطة اشتهرت بالصرامة والانغلاق، بينما أثينا كانت مركز الفلسفة والفن. بهذا الخطاب، يتخلى نتنياهو عن صورة إسرائيل كدولة "ابتكار وثقافة" ليعيد تعريفها كدولة "بقاء بالسلاح".

ردود الفعل في الداخل تكشف الانقسام العميق، فالمعارضة ترى في الخطاب دليلًا على فشل، وحكومة نتانياهو تعتبره واقعية. هذا الانقسام يعمق العزلة الداخلية ويجعل إسرائيل أكثر هشاشة أمام تحديات الخارج".

يضيف عزت: "الاستعانة بالرموز التاريخية ليست جديدة على الخطاب الإسرائيلي. منذ بدايات الحركة الصهيونية، كانت المقارنات مع روما وأثينا حاضرة. لكن استدعاء أسبرطة بالتحديد يكشف نزوعًا نحو تبرير عسكرة الدولة لا باعتبارها ظرفًا طارئًا بل باعتبارها هوية دائمة.

هذا يعكس أيضًا حالة خوف وجودي. نتنياهو يقول للأمريكيين: "إذا دُمّرت إسرائيل، ينتهي معها تاريخ ثلاثة آلاف وخمسمائة عام للشعب اليهودي". هذه اللغة تكشف أن فكرة "الخطر الوجودي" ما زالت الأداة الأساسية لتبرير السياسات المتطرفة".

يوضح عزت أن هذه اللغة تواجه في المقابل انتقادات في الغرب. كثيرون يرون أن إسرائيل، الدولة النووية المدعومة أمريكيا ً، ليست على وشك الفناء، وأن خطاب "الخطر الوجودي" مجرد ذريعة لاستمرار الاحتلال.

المفارقة أن نتنياهو يستحضر أسبرطة في الوقت الذي تتزايد فيه المقارنات بين إسرائيل وأنظمة استعمارية انهارت. باراك وصفها بأنها "الرايخ الذي انهار"، وذكّر بأن التجارب القائمة على العسكرة والهيمنة لم تدم طويلًا".

يتابع: "الخطاب يعكس كذلك إدراكًا بأن الحرب في غزة أدت إلى خسارة أخلاقية على المستوى الدولي. إسرائيل لم تعد قادرة على إقناع الرأي العام الغربي بأنها ضحية، بل تُرى باعتبارها قوة محتلة تقصف المدنيين. استعارة أسبرطة هنا محاولة للتكيف مع فقدان التعاطف الخارجي. لكن هذا التكيف نفسه يفاقم الأزمة. فحين تقول إسرائيل إنها لا تحتاج العالم، فإنها تخسر آخر ما تبقى لها من شرعية في الغرب. الاعتماد على القوة وحدها قد يوفر انتصارات قصيرة الأمد، لكنه يعمق العزلة الطويلة".

من زاوية أخرى، يوضح الخطاب أن نتنياهو يستعد لمرحلة جديدة وهي ربما مرحلة ما بعد الدعم الغربي المطلق. فهو يراهن على قدرة إسرائيل على الصمود حتى لو خفّض الغرب صادرات السلاح أو تعاظمت الضغوط الدبلوماسية. لكن هذا الرهان محفوف بالمخاطر اقتصاديًا وسياسيًا.

إسقاطه الحديث على إيران والتهديدات البعيدة المدى يوضح أنه يحاول أن يُقنع الأمريكيين أن إسرائيل لا تدافع عن نفسها فقط، بل عن الغرب كله. لكنه في الوقت نفسه يعترف أن إسرائيل يجب أن تتهيأ للعمل وحدها. هذه الازدواجية تكشف ارتباكًا استراتيجيًا لا ثقة مطلقة".

يوضح عزت أن الخطاب أيضًا رسالة إلى الداخل الفلسطيني والعربي مفاده أن إسرائيل لن تتراجع، وأنها ستعيد احتلال غزة إذا لزم الأمر. لكنه يكشف في الوقت نفسه عن خوف عميق من أن المقاومة ستعود إذا لم تُمحَ تمامًا. هذا وعي بأنه لا توجد نهاية للصراع. المسألة الأهم أن استعارة أسبرطة تحوّل الصراع إلى صراع وجودي دائم، ما يعني أنه لا مكان لتسوية أو حل سياسي. هنا يكمن الخطر الحقيقي: إسرائيل تحرق جسور السياسة وتبني جدران الحرب وحدها.

يختتم عزت تدوينته بالقول: "خطاب نتنياهو علامة فارقة. إنه اعتراف بالعزلة، وإعلان عن هوية جديدة، وتأكيد على أن إسرائيل تتجه لتكون "أسبرطة" العصر الحديث. لكن التاريخ يذكّرنا أن أسبرطة لم تبقَ، وأن المجتمعات التي تعيش بالسيف وحده تحمل في داخلها بذور فنائها".

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق رئيس دير السيدة العذراء مريم المحرق يشارك في اجتماع شركاء مجلس كنائس الشرق الأوسط
التالى "إي تاكس" تحتفي بنجاح وزارة المالية في "التسهيلات الضريبية"