في لحظة فارقة قد تعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة، تشهدت العاصمة القطرية الدوحة انعقاد قمة استثنائية تجمع الدول العربية والإسلامية، رداً على الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق الذي استهدف سيادة دولة خليجية لأول مرة.
تجسد القمة موقفاً سياسياً موحداً يرفض انتهاك السيادات الوطنية، ويؤكد على التضامن الإقليمي في مواجهة التصعيد الإسرائيلي المتصاعد، الذي تجاوز الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي التقليدي إلى استهداف مباشر لدول الجوار، وهو ما رفع منسوب القلق لدى العواصم العربية والإسلامية وأعاد طرح سؤال الأمن الجماعي إلى الواجهة.
خلفيات دبلوماسية واستعدادات متسارعة
التحضيرات لانعقاد القمة عكست طبيعة الحدث الطارئ، إذ اجتمع وزراء الخارجية وممثلو خمس وأربعين دولة عربية وإسلامية في جلسة تمهيدية، قبل أن يُفتتح الاجتماع الرسمي بعد تأجيل دام ثلاث ساعات بسبب ترتيبات الحضور وتنسيق المواقف.
ترأسجلسة الافتتاح الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس وزراء قطر، بمشاركة أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، وحسين إبراهيم طه الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، وتركزت النقاشات على بلورة بيان ختامي يعلن بوضوح رفض الاعتداء الإسرائيلي، ويطالب بمساءلة القيادة الإسرائيلية أمام المجتمع الدولي.
ردود إقليمية ودولية.. تضامن وتحذيرات
تتابعت المواقف الإقليمية سريعاً، حيث أعلنت مصر والسعودية والإمارات والجزائر دعمها الكامل لقطر، معتبرة أن أي مساس بسيادة دولة عربية هو تجاوز للخطوط الحمراء. على المستوى الدولي، كما أدانت روسيا الاعتداء ووصفته بأنه تهديد خطير لاستقرار المنطقة، فيما تسربت معلومات عن انزعاج أمريكي من العملية الإسرائيلية، بما يعكس تباينات في الرؤى بين واشنطن وحليفتها التقليدية تل أبيب.
وأشار خبراء إلى أن هذه التطورات تفتح الباب أمام تحالفات جديدة بين العواصم العربية وقوى دولية صاعدة مثل الصين، في ظل تراجع الثقة في المظلة الغربية التقليدية، وهو ما قد يسهم في إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط.
الأبعاد الاستراتيجية... نحو سياسة عربية موحدة
المتابعون للشأن الإقليمي أكدوا أن القمة لم تُعقد من أجل تبني رد عسكري مباشر، بل للبحث عن إطار دبلوماسي وقانوني جماعي يضع إسرائيل تحت طائلة المساءلة. الخبير السياسي هاني البسوس رأى أن الهجوم شكل «صدمة استراتيجية» دفعت الدول العربية والإسلامية إلى تجاوز الكثير من خلافاتها الداخلية من أجل مواجهة التحدي المشترك. اعتبر الخبير العسكري مهند العزاوي أن القمة تؤسس لتعاون دفاعي وأمني طويل الأمد، مع احتمال تفعيل اتفاقيات الدفاع الخليجي المشترك، والتوسع في مشاريع تكامل اقتصادي تزيد من صلابة الموقف العربي في مواجهة الأزمات المستقبلية.
التداعيات الاقتصادية.. أمن الطاقة والأسواق
لم تقتصر النقاشات على البعد السياسي والأمني، بل تناولت كذلك التداعيات الاقتصادية للهجوم الإسرائيلي، خصوصاً ما يتعلق بأمن الطاقة وخطوط الملاحة البحرية. دول الخليج، التي تُعد مورداً رئيسياً للنفط والغاز، وجدت نفسها أمام تحديات إضافية تتعلق بتأمين إمداداتها وحماية منشآتها من أي استهداف محتمل. بعض الخبراء أشاروا إلى أن الأزمة الراهنة قد تدفع الدول العربية إلى تسريع برامج التنويع الاقتصادي، وتقليل الاعتماد على الأسواق الغربية، عبر تعزيز التجارة البينية واستخدام العملات المحلية في التبادلات التجارية، وهو ما يمنح المنطقة قدراً أكبر من الاستقلالية الاقتصادية ويقلل من هشاشتها أمام الضغوط الدولية.
دلالات سياسية وأمنية
ما يميز قمة الدوحة أنها جاءت بعد سنوات طويلة من الانقسامات والخلافات العربية التي كانت تمنع أي تحرك مشترك ذي فاعلية. هذه المرة، بدا واضحاً أن الدول العربية والإسلامية أدركت خطورة المرحلة وضرورة التحرك الجماعي. فالهجوم الإسرائيلي على دولة خليجية اعتُبر تجاوزاً لجميع الخطوط التقليدية التي طالما حاولت إسرائيل اختبارها عبر اعتداءاتها المتكررة في فلسطين ولبنان وسوريا. اليوم، ومع انتقال الاعتداء إلى قلب الخليج، أصبح الموقف مختلفاً، إذ يرى المراقبون أن التراخي لم يعد خياراً، وأن الرد لا بد أن يكون جماعياً.
إعادة تعريف السيادة في الشرق الأوسط
القمة، وفق تقرير لـ «سكاي نيوز عربية»، شكلت سابقة من حيث إعلانها أن أي اعتداء على دولة عربية هو اعتداء على الجميع، وأن الرد لن يقتصر على البيانات التقليدية، بل سيترجم إلى خطوات عملية سواء في المحافل الدولية أو من خلال التعاون الدفاعي والاقتصادي. هذا المبدأ الجديد يعيد تعريف مفهوم السيادة والأمن الجماعي في الشرق الأوسط، ويضع إسرائيل أمام معادلة صعبة، إذ لم تعد قادرة على ممارسة سياساتها العسكرية دون أن تدفع ثمناً سياسياً واقتصادياً باهظاً.
تشير قمة الدوحة إلى بداية مرحلة جديدة في العمل العربي والإسلامي المشترك، مرحلة تتجاوز الخطابات إلى بناء آليات فاعلة لحماية المصالح الاستراتيجية.ط، وإذا نجحت الدول المشاركة في تحويل قرارات القمة إلى سياسات عملية، فإن المنطقة قد تشهد ولادة إطار تضامني جديد يضع حداً لعقود من الانقسام، ويمنح العرب والمسلمين وزناً أكبر في النظام الدولي.