أخبار عاجلة

"البوابة" تفتح المسكوت عنه في ملف الريادة الثقافية.. مفكرون ومثقفون يضعون خارطة طريق للوضع الراهن.. يجب وضع خطة تنمية مصرية على المستوى المحلي والدولي والإقليمي تربط كل مقومات الثقافة المصرية وعودتها

"البوابة" تفتح المسكوت عنه في ملف الريادة الثقافية.. مفكرون ومثقفون يضعون خارطة طريق للوضع الراهن.. يجب وضع خطة تنمية مصرية على المستوى المحلي والدولي والإقليمي تربط كل مقومات الثقافة المصرية وعودتها
"البوابة" تفتح المسكوت عنه في ملف الريادة الثقافية.. مفكرون ومثقفون يضعون خارطة طريق للوضع الراهن.. يجب وضع خطة تنمية مصرية على المستوى المحلي والدولي والإقليمي تربط كل مقومات الثقافة المصرية وعودتها
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لا شك أن القيادة السياسية حينما أشارت بيدها نحو الثقافة ودورها المحوري في دعم رؤيتها لخطة التنمية المستدامة 2030، كانت تعي جيدًا أهمية القوة الناعمة المصرية من فنون وآداب وإرث حضاري كبير وممتد عبر التاريخ، وأن بدون تلك المقومات التي تمتلكها الهوية المصرية لن نخطو أي خطوات نحو تحقيق تلك الاستراتيجية التي تسمو إلى رفع قيمة مصر على المستوى العالمي. 

وكانت تلك اللفتة بمثابة إطلاق إشارة البدء نحو العمل من أجل تحقيق الاستدامة على نحو يعزز من مكانة مصر الحضارية في كافة القطاعات، وباعتبار أن الثقافة هي أحد أهم الركائز الأساسية والمكون الرئيس الداعم لبناء المجتمعات، وباعتبار أن وزارة الثقافة المصرية وما تضمه من هيئات وقطاعات هي المؤسسة الحكومية المنوطة بوضع الخطط والاستراتيجيات والسياسات والبرامج والخطط والعمل على تنفيذها، وأيضًا هي المسؤولة عن وضع الرؤى الشاملة والتشبيك مع الوزارات الأخرى من خلال المجلس الأعلى للثقافة وأعضاءه، لتنفيذ خطة الدولة المصرية للنهوض بالثقافة المصرية وبناء الإنسان المصري لاسيما بعدما توغلت الأفكار الظلامية للحد من الانفتاح على الآخر، وأصبحت الهوية المصرية في مواجهة تلك الأفكار المتطرفة، ولهذا كان ولابد وان تكون وزارة الثقافة هي الجهة المسؤولة عن تنفيذ تلك الاستراتيجية وعودة مصر مرة أخرى في الريادة العالمية في شتى المجالات. 

وهنا لابد من العودة لعام 2018 حينما وضع المجلس الأعلى للثقافة خطته المبدئية في إعادة تشكيل المجلس خلال الفترة من 2018 وحتى 2022، وهي الخطة التي وضعت الكثير من الأمور التي لو فحصناها بشكل كبير سنجد أن الكثير منها لم يغادر أدراج المكاتب أو مجرد كلمات كُتبت على أحد أجهزة الحاسب الآلي دون وجود إرادة حقيقة للتحقق على أرض الواقع، في حين أن هناك الكثير من الفاعلين الثقافيين يحققون خطوات إيجابية بداخل المجتمع دون الحاجة إلى وجودهم في مناصب ثقافية بعينها، معتمدين على ايمانهم الحقيقي بدور الثقافة في تنمية الوعي وتغيير وجهة الشعوب .

أين استراتيجية القوي الناعمة ولماذا توقف مشروع العمل بها؟

 

وهنا لا بد من الإشارة والتنويه إلى خطورة الوضع الراهن والأزمة الحقيقة إذا ظلت الإدارة الثقافية تعمل بمعزل ودون تشبيك حقيقي مع الجهات المختلفة لتضافر الجهود الرامية لريادة مصر ثقافياً وحضارياً وعودة الصورة والتمثيل الدولي والدبلوماسي للثقافة والهوية المصرية، من خلال البعثات والفنانين والقوى الناعمة المصرية، تلك الاستراتيجية التي عملت عليها مجموعة من الفاعلين الثقافيين.. هذا المخطط وتلك الاستراتيجية التي توقف عمل لجانها بعد أن وضعت اللبنة الأساسية لخطة تنمية مصرية على المستوى المحلي والدولي والإقليمي من شأنها ربط كل مقومات الثقافة المصرية وعودتها للظهور حول العالم لتبهره كما أبهر المصريون القدماء بحضارتهم وجدارياتهم وآثارهم الممتدة فنحن شعب كبير ذو ثقافة ممتدة وزاخرة ومتوارثة من جيل إلى جيل فلايزال المصريين يرفدون الساحة بفنونهم وآدابهم وأفكارهم نظرًا لثراء المعيشة بالعادات والمعارف والطاقات الإبداعية.

تلك الاستراتيجية التي تهدف إلى تحسين صورة مصر عالمياً وإبراز مكانة مصر وحضارتها وتاريخها، وتعزيزها كمقصد سياحي وأثرى، ودعم الصورة الحضارية لمصر كدولة قادرة على التأثير في العالم عبر فنونها وآدابها وتراثها، واستعادة مصر لدورها الريادي في مجال الثقافة والفنون على الصعيدين الإقليمي والدولي من خلال تنمية المنتجات الثقافية (صناعات ثقافية - خدمات ثقافية) وصون التراث المادي وغير المادي وتنمية الحرف التراثية والمعارف المصرية مع تعزيز التعددية الثقافية، تحقيق الريادة الدولية في مجال تنمية روح الإبداع والابتكار وبناء الكوادر في مجال الثقافة والفنون والسياحة الثقافية، وتعزيز دور مصر الريادي كفاعل دولي من خلال الدبلوماسية المصرية على المستوى الدولي وتعزيز الصورة الذهنية عن الدولة المصرية في مجالات حفظ السلام والأمن الدوليين.

تلك الاستراتيجية التي عملت عليها مجموعة من الخبراء في الكثير من الوزارات والتي توقف عملها لأسباب غير معروفة حتى وقتنا الراهن وتوقفت معها مشاريع عدة بالرغم من أنها كانت منوطة بتحسين صورة مصر.. وتوقفها قد يثير الكثير من التساؤلات، وكيف نعود من جديد إلي اختراع العجلة -مرة أخري-  وأننا في حاجة ماسة على المُضي قدمًا وأن نبني على ما تم إنجازه ونطوره ونعمق تجربته.

تكاملية الدولة 

ونظرًا لأهمية وخطورة الوضع الثقافي في مصر وفي إطار وضع خطط واستراتيجيات هدفها التكامل بين كل قطاعات الدولة المصرية والتي من شأنها تحقيق أكبر قدر ممكن من التقدم في مجال الثقافة وصورة مصر وريادتها على المستوى العالمي، تحدثت "البوابة" مع نخبة من الأدباء والمفكرين وأساتذة الجامعة حول الوضع الثقافي الراهن والطموحات التي نتطلع إليها من أجل تحقيق التنمية المستدامة وعودة الريادة المصرية، والذين أكدوا بلا أي شك على أن مصر رائدة في شتى علوم الحياة وهو الإرث الحضاري الذي لا تستطيع أي دولة أخرى سحب البساط من تحت قدميها.

 

"البوابة" تفتح المسكوت عنه في ملف الريادة الثقافية.. مفكرون ومثقفون يضعون خارطة طريق للوضع الراهن.. يجب وضع خطة تنمية مصرية على المستوى المحلي والدولي والإقليمي تربط كل مقومات الثقافة المصرية وعودتها 

 

 

 

ناصر عراق : مصر رائدة العمل الثقافي في المنطقة العربية ولا بد من تكاملية الرؤية لدى المسؤول الثقافي 

التعليم والثقافة جناحا نهضة الأمم ويجب توحيد التعليم حتى المرحلة الإعدادية

وعن ريادة مصر الثقافية والأداء المؤسسي الذي تشهده الساحة المصرية الثقافية، أكد الكاتب والروائى ناصر عراق على ريادة مصر الثقافية ودورها الحضاري وسط شعوب العالم قائلاً: "في البداية لا بد من الإشارة إلى أن أي أمة تريد النهوض أن تعي جيدًا أن لديها جناحين وهما جناح التعليم، والآخر الثقافة، بمعناها الشامل، وكي نستطيع أن نواصل تقدمنا وتطورنا ونشارك في ركب الحضارة، علينا أن نتعامل مع التعليم بشكل آخر من حيث توحيد التعليم لاسيما في الفترات الأولى وحتى التعليم الإعدادي، بمعني أدق أن يخضع كل أبناء مصر لنوع واحد من التعليم حتى يخرج لدينا أجيال لديهم سمات واحدة ونسيج فكري ومعنوي موحد، ذلك أن هذا التنوع في التعليم من تعليم أجنبي أو بريطاني أو غيره يحد من هذا النسيج الوطني الواحد، وهذه هي نقطة حاسمة قبل البد في المشروع الثقافي"، لافتًا إلى أن هذا الرأي ليس رأيه فقط وإنما هو ما ذكره زكي نجيب محمود وطه حسين منذ عشرات السنوات، وهي الرؤية التي تتضمن توحيد النسيج الوطني.

أما عن الثقافة المصرية فأكد على أن مصر ستظل بحكم عوامل تاريخية وبشرية وجغرافية هي رائدة الأمة العربية ثقافيًّا وإبداعيًّا، وبحكم الكثافة السكانية أيضًا، فمصر لديها أكثر من109  مليون نسمة، وهذا الرقم المهول لديه القدرة على إفراز عدد من المبدعين، وبالتالي ستظل مصر في الريادة، ولكي نحافظ على المكانة المرموقة التي تبوأناها من زمن، ولكي نحافظ على تلك المكانة علينا أن نطور عملنا الثقافي، من خلال المؤسسات الثقافية وبالاشتراك مع المؤسسات التعليمية، والسياحة والآثار وغيرها وأن نخرج بمشروع قومي موحد لتطوير العمل الثقافي.

مشروع قومي موحد

وهنا لفت "عراق" إلى ضرورة العمل المشترك بين كل الجهات المعنية  لتدشين مشروع ثقافي موحد هدفه الدولة المصرية بالأساس وتحقيق الريادة مؤكدًا على ضرورة تضافر كافة الجهود الرامية لتعزيز والنهوض بالعمل الثقافي، من خلال برامج ثقافية  تكاملية، قائلاً: "إن عملية النهوض لا بد وأن تشمل جميع الفئات الإبداعية، فلا معنى لوجود مسرح متطور في ظل تراجع السينما، أو النهوض بالرواية في ظل تدني الشعر، وهنا يجب أن يكون هناك توحيد وخطة عامة تشارك فيها جميع الجهات وجميع المسؤولين يكون هدفها النهوض بالعمل الثقافي بمعناه الشامل، وذلك من خلال خطوات كثيرة  ومنها – على سبيل المثال- برامج ثقافية واستعادة المسرح بالمدارس واستعادة الأنشطة الطلابية، وأن نُعيد البهاء لتلك الأنشطة، ولكي نقوم بذلك لا بد وأن نسعى وننادي بضرورة  توحيد التعليم لاسيما في المرحلة الأولى والتي تهدف لبناء الإنسان من خلال مكون تعليمي موحد ليتلقى كل أبناء مصر من الأجيال الجديدة نظاماً يهدف إلى خروج نسيج فكري ومعنوي موحد، كما يجب الإنفاق بسخاء على الثقافة، وتخصيص جوائز سخية في جميع ربوع مصر، كما يجب الاهتمام بالفعاليات الثقافية من مسابقات في المسرح والسينما والأدب والفنون، ولكي تتحقق تلك الرؤية لابد وأن يكون الفاعلين الثقافيين والقائمين على المؤسسات الثقافية لديهم من الرؤى التكاملية، وأن يكون اختيارهم ووضعهم في مناصبهم وفقًا لخبراتهم وقدراتهم على إدارة العمل الثقافي، ويكون ذلك الاختيار وفقًا لأسس ومعايير الكفاءة في المقام الأول وليس فقط التدرج الوظيفي، فالعمل الثقافي لا بد أن يكون القائمون عليه من أصحاب الرؤية الشاملة والتكاملية، وأننا في حاجة ماسة لوجود الكفاءات في تلك المناصب، وأتمنى من القائمين على العمل الثقافي في مصر أن يكونوا منتبهين لذلك وأن يكون لديهم الوعي الكبير بأهمية ودور الثقافة والتي يجب أن يصرف عليها بسخاء من خلال تشجيع واكتشاف المواهب وتدشين المسابقات".

الكفاءة في المناصب

يتابع ناصر عراق: "أتنمى  أن يعي القائمون على العمل الثقافي في مصر أن تكون تلك المناصب وفقًا للكفاءة فهو أمر ضروري، وإلا إذا تقلد أحدهم منصبًا وهو في غير محله فكيف سيقود وكيف سيطور المهام التي توكل إليه، أو يكون لديه القدرة على تطويرها ومد الساحة بأفكار.. كل تلك الأشياء هي بديهيات العمل الثقافي، فالكفاءة هي من تضع الشخص في مكانه المناسب وأتنمى أن يكون هذا ما يحدث وأنا مع ضرورة وجود أصحاب الكفاءة في المواقع الرئيسية في قيادة البلد ثقافيًّا وغير ثقافي أيضًا".

مختتمًا: "هناك توصيتان لا بد وأن يعيها القائمون على الأمر حتى تخرج أجيال ذات نسيج وطني واحد: لا بد من توحيد التعليم خاصةً في المرحلة المبكرة، وثانيًّا توفير الميزانيات اللائقة بالعمل الثقافي بما فيها السياحة والآثار والأدب والفكر والسينما والفنون التشكيلية والموسيقى والغناء، بمعني أدق أن تكون هناك وحدة تكاملية في الرؤي التي يتم وضعها، فمصر أكبر وأهم مما نتوقع.. مصر أعظم من ذلك والمصريون لا بد وأن يعرفوا قيمة بلدهم وأن يروها بعيون الآخر".

 

818.jpg
ناصر عراق

المثقفون والمبدعون المصريون جزء من جهاز المناعة المصري ويخوضون معارك الدولة ضد التطرف وضد الاستعمار من تلقاء أنفسهم ودون أوامر

 

 

إبراهيم داود: الثقافة المصرية رأس مال الوطن ومصر بلد الريادة غنية بالمواهب المنتجة للمعرفة 

هناك انتكاسات في الإدارة الثقافية وهناك موظفون يفسدون الواقع الثقافي 

 

 وعن ريادة مصر الثقافية وأهم الإشكاليات التي تواجه المثقف المصري تحدث الكاتب والشاعر الكبير إبراهيم داود قائلاً: "إن مصر بلد الريادة لأنها بلد غنية بالمواهب في كافة فنون المعرقة، ولدينا الآن نحو خمس أجيال يقومون بإنتاج المعرقة في الأدب والسينما والدراما والمسرح وفي النقد، فالثقافة المصرية كبيرة وهي رأس مال هذا الوطن، وأحيانًا تحدث انتكاسات ليست خاصة بالمثقف نفسه وإنما تخص الإدارة الثقافية، وأحيانًا تحدث انتكاسات خاصة بالمحيط، أو الموظفين الذين يديرون جزءاً من الثقافة".

وتابع "داوود" قائلاً: "في الحقيقة إن فكرة الثقافة لا تشغل الحكومة أو الدولة في حين أن هذه الثقافة هي من حمت مصر من التطرف والإرهاب، ومن  المفترض أن تقوم الدولة باستثمار الثقافة لصالح السلام الاجتماعي ولصالح المجتمع ولصالح إبراز الجانب الإبداعي للموهوبين، فنحن شعب مبدع بطبعه،  وأن فكرة إظهار نجوم جدد يرتبط بهم الشباب الصغير مثل الالتفاف حول أحد الشعراء أو أحد صناع السينما أو روائي، وأن صناعة مثل هذه النماذج هي مسؤولية الدولة ووسائل إعلامها". 

لافتًا إلى أن وظيفه الدولة هي تهذيب المجتمع، وإشاعة المناخ الإبداعي والسؤال هنا هل تقوم الدولة بهذا الدور أم لا؟ هناك بعض الاجتهادات ولكنها ليست على المستوى المطلوب.

هل هناك رؤية أو استراتيجية لعمل وزارة الثقافة؟ 

وعن هذا التساؤل حول الرؤية أو الاستراتيجية التي تعمل بها وزارة الثقافة أوضح داود قائلاً: "طوال الوقت هناك رؤى واستراتيجية، والحقيقة أنها ليست المشكلة، بل المشكلة الحقيقة هو الدور الحقيقي فيما يحدث على الساحة الثقافية مثل إغلاق المسارح أو التخلي عنها، وعدم الدفاع عن حرية الإبداع وتعنت الموظفين وإفسادهم للواقع، بينما المسؤول الثقافي يجب أن يكون على دراية كافية بطبيعة الثقافة ويجب أن يكون مؤهلاً بشكل كبير حتى يستطيع قيادة العمل الثقافي، وهناك قلة قليلة من يعرفون طبيعة العمل الثقافي، وللأسف ظللنا سنين طويلة نعاني من وجود وزراء ثقافة يتلقون الأوامر وليس فاعلين ثقافيين، وهذا ضد طبيعة العمل الثقافي القائمة على الأفكار والقدرة على خوض معارك الدولة".

وشدد على ضرورة عدم نسيان دور المثقفين وخوضهم لمعارك الدولة ضد الأفكار المتطرفة قائلاً: "المثقفون  والمبدعون المصريون  هم من يخوضون معارك الدولة المصرية، فمنذ القرن الـ19 نجد أن المثقفين هم ضد التطرف وضد الاستعمار والاستبداد وضد التطبيع مع العدو الصهيوني، من تلقاء أنفسهم دون أوامر، فالمثقف هو جزء من جهاز المناعة المصري وهو حائط الصد ضد الاختراق فالمثقف أهم من الكباري والبنية التحتية، ولهذا يجب العمل على إبراز دور الثقافة المصرية، ولو فعلنا ذلك سننتقل إلى مكان آخر".

وأكد داود على زخم الإنتاج الفكري المصري من روايات وأشعار وأعمال فكرية وأدبية وأسماء وكتاب كبار لو كانت أتيحت الفرصة لأعمالهم للترجمة كان وضعنا في مكان آخر، فلدينا إبراهيم أصلان وخيري شلبي وغيرهما والتي ظلمت أعمالهم وموهبتهم بشكل كبير، لأن الدولة لم تقم بالترويج لهم أو تخبر العالم بمدى موهبتهم وأصالتهم، وأن الحكومة يجب أن تعي أن تلك الأعمال نسيج يمكن أن يضعها في مكانة أخرى أمام العالم. 

واختتم حديثه بتعبيره عن تفاؤله على الرغم من ذلك قائلاً: "أنا متفائل بأن الموظفين يعلوا سقف الحريات ويتعاملوا مع المثقفين على أنهم جزء من الدولة وجزء من نسيجها، وأن يتم التعامل مع المثقفين باعتبارهم ليسوا معارضين، وفي الأخير نستطيع القول أن المنظومة تحتاج إلى إعادة قراءة وكيف يمكن الاستفادة من قوة الثقافة المصرية وطاقاتها ورعايتها والحفاظ عليها وتشجيعها وتذليل الصعوبات أمامها، مع ضرورة رعاية المثقفين وتذليل صعوبات الحياة أمامهم. وكل هذه الأمور لن تكلف الدولة الكثير ولكنها ستعود بالنفع كثيرًا على المجتمع".

860.jpg
إبراهيم داود

 

هناك من يتولى مناصب مهمة دون كفاءة حقيقية مما يؤثر  بشكل كبير على العملية الثقافية ويؤدي إلى تدني الخدمات المقدمة من جهات عديدة

 

 

هيثم الحاج علي: المؤسسة الثقافية المصرية تحتاج إلى إعادة النظر في هياكلها من الإرشاد والتوجيه إلى الإتاحة والتنوع

لا بد من التركيز على دعم الهوية المصرية المعاصرة عن طريق إحياء روافدها التراثية

وحول موضوع الريادة المصرية والتي بدأت مع إنشاء وزارة الثقافة في أواخر الخمسينيات من القرن الـ20، وريادة مصر الثقافية، والخطط الاستراتيجية التي وُضعت البنية الأولى في بناء المنظومة الثقافية المصرية وفي هذا الصدد قال الدكتور هيثم الحاج علي أستاذ النقد الأدبي والرئيس السابق للهيئة المصرية العامة للكتاب موضحًا: "لا تحتاج قضية الريادة الثقافية لمصر كثيراً من النقاش فهي قضية ثابتة تاريخياً ولا يمكن تغييرها، ولا يحتاج الأثر الذي تحدثه الثقافة المصرية في محيطيها العربي والأفريقي كثيرًا من التفكير للوعي به فهو حادث بلا شك وإن اختلفت قوته من وقت لآخر، لكن الأولى بالتفكير والتأمل هو التأثير الذي يمكن أن تحدثه أو لا تحدثه المؤسسات الثقافية المصرية في محيطاتها المحلية والإقليمية.

الإرشاد والتوجيه

وقال "الحاج على": حين أسس الراحل الكبير د. ثروت عكاشة المؤسسة الثقافية المصرية كانت مظلتها الكبرى هي وزارة الإرشاد التي تجمع بين الثقافة والإعلام، وهو الاسم الذي يوحي بوضوح بالهدف والوسيلة التي تعمل بها هذه المؤسسة، فقد كان المجتمع المصري خارجًا لتوه من حقبة استعمارية وكانت الحالة الثورية تحتم حسبما رأى أن يتم إرشاد المجتمع إلى وضعه الجديد مستغلاً في ذلك نخبة من المثقفين الذين استطاعوا التعاون للقيام بالمهمة المنوطة بهم.

المشهد الثقافي ودعم الهوية 

وكان ذلك متوائماً مع الوضع الثقافي العام بصورة ما وإن كان هناك من النخبة من يقف على يسار تلك المؤسسة واستطاعوا استكمال المشهد الثقافي بتلك الصورة، في ظل ذلك السعي المستمر من عكاشة ومن تابعه في المؤسسة الثقافية في تثبيت أركان الريادة المصرية عن طريق إنشاء المؤسسات التعليمية والداعمة لفكرة الإبداع بمختلف أشكاله، من أكاديمية الفنون وقطاعات الفنون الشعبية والتشكيلية والمسرح والسينما ومسرح العرائس بالإضافة إلى التركيز على دعم الهوية المصرية المعاصرة عن طريق إحياء روافدها التراثية، وعن طريق تثبيت فكرة مركزية الثقافة المصرية في محيطيها العربي والأفريقي عن طريق التواصل الإبداعي والمنح التعليمية في تلك المجالات.

وتابع: "الآن وبعد ما يزيد على ستة عقود وفي خضم التحول الهائل في وسائط التواصل والوسائط الإبداعية عموماً فإن مبدأ الإرشاد والتوجيه الذي ما زال متحكماً في بناء السياسات الثقافية في مؤسساتها قد أصبح عبئا على هذه المؤسسات التي لم تستطع حتى الآن الخروج من أسره نظراً لأن هياكلها وميزانياتها وآليات عملها قد بنيت على أساس من هذا المبدأ الذي لم تعد الحاجة إليه موجودة، بل صارت المهمة الأصلية لهذه المؤسسات هي إتاحة الثقافة بما يضمن الحفاظ على تنوع مصادرها داخل إطار واحد.

إعادة النظر في هيكلة المؤسسات الثقافية 

فمن الإرشاد والتوجيه إلى الإتاحة والتنوع تبدو المؤسسة الثقافية المصرية في حاجة واضحة إلى إعادة النظر في هياكلها وآليات عملها وطرق تعاونها مع النخب الثقافية لكي تستطيع مواجهة التغيرات الحديثة – بما فيها تحديات الرقمنة بالطبع – من أجل بناء رؤية ثقافية استراتيجية وقومية تتواكب التطورات.

ومن هنا فإن الأساس الذي يجب البدء به يجب أن يتضمن مشروعاً لخريطة ثقافية مصرية متكاملة لا تقف عند حد حصر المواقع الثقافية والمكتبات والفعاليات بل تمتد لتشكل (كل) ما يمكن أن يمثل العناصر الثقافية والتراثية المصرية، كلها بمعنى كلها دون أي نقص، لتقوم وزارة الثقافة بوصفها بيت الخبرة في هذا المجال بدراسة كل هذه العناصر ودراسة تطويرها وتحويل ما يمكن منها إلى صناعات أو حرف، في إطار مشروع قومي متكامل يهدف إلى ربط المجتمع بثقافته عن طريق عمله بها وليس مجرد تلقيها بوصفها هامشاً ترفيهياً، كما يهدف إلى تحويل الثقافة ومن ضمنها العنصر الإبداعي البشري إلى مورد للدخل القومي يعتمد على أكثر ما يميز المجتمع المصري وأعني بذلك الثروة البشرية حين يحسن استغلالها.

مجموعة وزارية ثقافية 

وفي هذا الصدد تتجدد الدعوة إلى تكوين مجموعة وزارية ثقافية على غرار المجموعة الاقتصادية يكون هدفها الاستغلال الأمثل للموارد الثقافية في التنمية، مع ضرورة التعامل مع المؤسسات العاملة في المجالات الثقافية بوصفها شريكة في التنمية وليست منافسة للمؤسسات الحكومية، مع ضرورة الانفتاح على الأجيال الجديدة والعمل على سد احتياجاتها محليا وربطها الوثيق بهويتها، وهو الأمر الذي يمكن عده الوسيلة الأمثل لمواجهة تحديات المستقبل.

817.jpg
الدكتور هيثم الحاج علي

 

بعض المسؤولين غير دارسين للملفات التي يقومون على إدارتها.. وقدراتهم أقل بكثير من حجم الملفات القائمين عليها

 

 

جليلة القاضي: تراجع التواجد الثقافى المصري على الساحة العالمية باستثناء ما يتعلق بمصر القديمة 

اضمحلال دور الثقافة نتيجة انهيار التعليم أساساً وانتشار الفكر المتطرف وغياب أي استراتيجية ثقافية محلية

 

وعن تواجد الثقافة المصرية بالخارج أو التمثيل العالمي للثقافة المصرية، والتي قد تتمثل في تواجد بعض الفرق الخاصة بالفنون الشعبية في بعض المحافل الدولية مثل مهرجان جرش أو غيرها من المهرجانات والتي يقتصر وجودها على المجتمع المحلي أو الدولة التي تعرض فيها، فمن الممكن القول أنها قد تكون تمثيلاً وقتيًّا ينتهي بانتهاء الفاعلية، ولكن لا يوجد امتداد حقيقي للأثر الثقافي المصري، وذلك من خلال تبادل الخبرات، أو حتى التعريف بتلك الثقافة أو هذا النوع من الفنون. 

وفي امتداد هذا الأثر أو انتشار الثقافة المصرية عالميًّا، أوضحت الدكتورة جليلة القاضي الأستاذة فى جامعات مصر وفرنسا أن مصر في الوقت الراهن لا يوجد لها أي تواجد حقيقي يعبر عن الثقافة والهوية المصرية، وأن ما يعرفه الغرب عن مصر هي الحضارة المصرية القديمة فقط.

سياسات وزارة الثقافة 

وتساءلت جليلة القاضي عما إذا كان هناك سياسات لوزارة الثقافة المصرية، لنشر الثقافة والتمثيل المصري بالخارج، وترى أن هذا يعود لعوامل عدة  قائلة: «أولا تراجع دور الثقافة في مصر أساسا نتيجة لانهيار التعليم أساساً وانتشار الفكر الديني المتخلف ودروشة المجتمع، ثانياً:  غياب الحريات وهذا لا يساعد على الإطلاق علي الابداع وترعرع المواهب، ثالثا: غلق بيوت الثقافة في الأقاليم والتضييق علي كل المبادرات الشبابية من روابط الكتاب وغيرها، رابعاً: غياب أي سياسة أو استراتيجية ثقافية محلية، وغياب التنوع وكثرة الممنوعات».

وتابعت «القاضي» أنه في ظل هذه الأجواء  تم محاصرة الابداع داخليًا ففقدت مصر ريادتها في محيطها العربي، ناهينا عن تدمير التراث بجميع أشكاله، ومنها التراث المادي والفني بهدم المسارح ودور السينما  والمقاهي القديمة التي انطلقت منها حركات فنية وأدبية وكذلك أتيليه الإسكندرية وبعض المتاحف، كمتحف الخزف في الهرم.

المشهد الداخلي المصري 

وترى أن المشهد الداخلي هو مشهد للدمار الشامل للثقافة والإبداع مما أدي إلى الانحسار في مجالات عدة، منها السينما والمسرح والغناء والأدب، وكانت المدارس والجامعات قديما تفرخ مواهب، لم يعد الأمر كذلك للتضييق وإلغاء الأنشطة الفنية في المدارس.

أما عن الخارج، فتوضح أن «انهيار الثقافة في الداخل ألغي ريادة مصر، وبالتالي أفقدها رونقها في الخارج، علي سبيل المثال لغياب أي دور أو إشعاع ثقافي لها. انحسار أو غياب تام لأنشطة المركز الثقافي المصري في باريس، كانت هناك أنشطة متعددة قبل يناير 2011، ثم أغلق المركز فترة طويلة ليعاد بعدها افتتاحه جثة ميتة، مجرد مبني لا حياة فيه.

 

819.jfif
الدكتورة جليلة القاضي 

 

يجب وضع خطة تنمية مصرية على المستوى المحلي والدولي والإقليمي تربط كل مقومات الثقافة المصرية وعودتها للظهور حول العالم لتبهره كما أبهره المصريون القدماء بحضارتهم وآثارهم الممتدة 

 

فريدة النقاش : من الصعب إزاحة مصر عن الريادة الثقافية ولا يجب أن توضع السياسات بعيدًا عن المثقفين 

خطورة النزعات الشخصية والاختيارات الشخصية في تقلد بعض المناصب في المؤسسات الثقافية 

ويظل السؤال بالرغم من الجهود والبيانات وإطلاق المبادرات الثقافية في مختلف الأنحاء والرامية بالأساس نحو "بناء الإنسان المصري" ورفع وبناء قدرات وزارة الثقافة وفقًا لأخر خطة عمل قدمتها الوزارة والتي يتم العمل بها منذ عام 2022 وحتى 2026 والتي تستهدف بالأساس أربعة محاور ومنها بناء قدرات الوزارة والشراكة واستثمار الأصول وتوظيف التكنولوجيا المعاصرة، ولنأخذ أول مقطع وهو بناء قدرات الوزارة والتي ذكر فيه "تطوير السياسات ودعم منظومة الحوكمة المؤسسية وإعادة الهيكلة وبناء النظم الإدارية الحديثة، وتأهيل الموارد البشرية وبرامج العمل وتوكيد الجودة،  والسؤال هنا كيف سيتم ذلك بمعزل عن المثقفين والمفكرين، إذا كنا بصدد إعادة تشكيل هيكل وزارة الثقافة وفقًا للرؤى الجديدة والتي لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تدار بشكها التقليدي أو بعيدًا عن نوع الخدمة التي تقدمها الوزارة فهي ليست وزارة باحثة عن الربح المالي وإنما بالأساس هدفها بناء الإنسان من خلال تعميق الهوية المصرية، وهل يمكن أن يكون هذا البناء بعيدًا عن العقول المفكرة؟ 

لا يمكن سحب الريادة المصرية 

وفي هذا السياق أكدت الكاتبة فريدة النقاش على ريادة مصر الثقافية قائلة: "إن مصر بلد كبيرة، ذات حضارة عريقة قوامها عدة حضارات مرت وكل حضارة منها أثرت فيها تأثيرًا عميقًا،  وبالتالي أنتجت هذا المزيج الفريد الثقافي المصري، وبطبيعة الحال هناك منافسات بين الثقافة المصرية وغيرها من الدول،  وهناك بلاد تريد أن تحتل دور مصر في الريادة، ولكنها لا تستطيع، فمصر لديها تاريخ عريق ولديها مثقفون كبار من كل الأجيال وفي كل المجالات وبالتالي من الصعب ازاحتها عن موقع الريادة".

قضية الديمقراطية والتوجهات الشخصية

وعما إذا كانت المؤسسات الثقافية تعاني من الضعف أو بعض الإشكاليات التي قد تؤدي في بعض الأوقات إلى سوء الوضع الثقافي الراهن أوضحت "النقاش": "إن جذر تلك الإشكالية هي قضية الديمقراطية، وأن  هناك نوع من الصعوبات التي تواجه إرساء الديمقراطية في مصر، وبالتالي  هذا الخلل يؤدي إلى ذلك ومنها الدور الذي تؤديه المؤسسات الثقافية".

 ولفتت النقاش إلى خطورة التوجهات الشخصية في تقلد بعض المناصب في المؤسسات الثقافية لاسيما المتعلقة بشكل كبير بالجهات التي يتطلب منها وضع رؤى أو استراتيجية عمل مؤسسة ما قائلة: "إن المشكلة أن ما يتحكم في هذه القضايا، هي التوجهات الشخصية للبعض، لأن مصر لم تستطع بعد ان ترسي تقاليد العمل المؤسسي وبالتالي هذا الفراغ ترك مجالاً كبيرًا للنزعات الشخصية والاختيارات الشخصية، وهنا نعود مرة أخرى لنقاط القصور والناتجة عن التعسر في البناء الديمقراطي ولو أن هناك بناء ديمقراطي سلس ومتصل  متواصل يمكن أن نجد حلولاً لكافة المشكلات الصغيرة منها والكبيرة".

وأكدت "النقاش" أنه لا توجد قضايا معلقة في الفراغ فكل القضايا مرتبطة ببعضها البعض وبمستوى التطور الديمقراطي في البلاد، وبالتأكيد فإن الأجيال الجديدة ليست في حاجة إلى أن يرشدها أحد للبحث فهي نفسها تريد أن تتحقق وتكون لديها بصمتها في الحياة الثقافية وبالتالي من الخطأ أن يتم التعامل مع تلك الأجيال بمنطق الإرشاد أو التوجيه، وأن الأهم هو أن يستمع المسؤولون إلى صوت المثقفين وألا يقررون شيئًا بخصوص الثقافة بعيدًا عن المثقفين وألا يكونون في جرز منعزلة".

 

دعوة لتكوين مجموعة وزارية ثقافية على غرار المجموعة الاقتصادية يكون هدفها الاستغلال الأمثل للموارد الثقافية في التنمية

861.webp
فريدة النقاش

 

محمود الضبع: الأزمة الحقيقية أزمة وعي وعلينا أن نعيد النظر في السياسات الثقافية وفي مفهومنا للثقافة 

لا نزال قادرين على تصدير الفنون والآداب والمفكرين ونستطيع أن نفعل ذلك لقرون طويلة قادمة.. وعلينا أن نعيد قراءة التاريخ بوعي

 بالعودة إلى استراتيجية وزارة الثقافة والتي اتخذت رؤيتها وشعارها بـ"الثقافة ركيزة تحقيق التنمية المستدامة وبناء الإنسان المصري" هذا الشعار الذي يتم من خلاله كل ما تقوم به الوزارة من أنشطة ومبادرات ثقافية هدفها تحقيق التنمية المستدامة وأيضًا بناء الإنسان وإرساء مبادئ العدالة الثقافية وهنا نتطرق إلى رسالة الوزارة كما جاءت في الاستراتيجية والتي نصت على التالي: "تعزيز قيم المواطنة وتعميق الولاء والانتماء للهوية المصري، ودعم البيئة الممكنة للإبداع والتميز، وتمثل العدالة الثقافية محورًا أساسيًا في تقديم الخدمات الثقافية دون تمييز بين المواطنين، مع الرعاية الكاملة للمناطق والفئات الأكثر احتياجًا، وتسعى الوزارة إلى الشراكة مع كل الأطراف بما يعزز مكانة وريادة مكانة مصر الإقليمية والدولية".

كيف يمكن العمل على ذلك من أجل تحقيق تلك الريادة؟.. قال الدكتور محمود الضبع أستاذ النقد الأدبى الحديث ورئيس دار الكتب والوثائق القومية السابق: فيما يتعلق بريادة مصر الثقافية علينا أولاً إعادة النظر في مفهومنا للثقافة، فهل نعني بالثقافة مجرد إنتاج الكتب والمخطوطات  أم أننا نعني بالثقافة كل ما ينتجه الإنسان من فكر يمكن تحويله إلى  صيغة من صيغ المحتوى المعرفي المتداولة، - على سبيل المثال-  علينا ان نوسع مفهومنا عن الثقافة ليشمل الدراما التليفزيونية والإعلانات والميديا والسوشيال ميديا والتصوير والكتابة الإبداعية وكتابة التاريخ، وكتابة الجغرافيا  وكل ما ينتجه العقل المصري في المرحلة الأخيرة، بل إن الثقافة قد اتسع مفهومها عالميًّا ليشمل الآن أنواع الطبخ وطرق الحياة والعادات والمعارف الشعبية وكل ما ينتج عن البشر، وإذا حكمنا هذا المفهوم على المجتمع المصري فلن نجد أغنى من مصر في مفرداتها الثقافية".

وتابع: "فمصر ثرية بعناصرها الثقافية سواء ما ينتمي إلى الحضارة المصرية القديمة أو الثقافة الإسلامية، أو ما ينتمي إلى الحضارة المعاصرة، إذن أين تكمن المشكلة؟، تكمن المشكلة هنا حول هذا الوعي بمفهوم الثقافة، وهو ما يحتاج منا إلى تنوير المشتغلين في العمل الثقافي والإعلامي، والميديا أيضًا، في أن مفهوم الثقافة أوسع من مجرد قصة  أو كتاب أو مسرحية، وأن مفهوم الثقافة يشمل الإنتاج الفكري، ولو نظرنا إلى الثقافة من هذا المنظور سنجد أن مصر متقدمة جدًا".

الكتابة الإبداعية 

واستكمل: "وهنا أريد أن أشير إلى مثال بسيط، هناك بعض المسلسلات التليفزيونية ومنها مسلسل "لام شمسية" ومسلسل  "النص" ففى كلا المسلسلين نجد أن الشخصيات التي عملت على صناعة تلك الأعمال هي شخصيات غير مشهورة أو معروفة ولم تكن مدرجًة في قوائم المثقفين المصريين الموجودين في المؤسسات الرسمية، لكنهم أنتجوا عملاً إبداعياً أبهر العالم، وأنا هنا أعطي مثالاً عن مفردة واحدة لوزارة الثقافة على أن مصر ليست متأخرة ولكن المتأخر في مصر هو الوعي بما نتحدث عنه.. هذا من جانب، ومن الجانب الأخر أن المتأخر هو عدم تقديرنا من قيمة ما نملك".

ويتساءل الدكتور الضبع: "ماذا يفيد الإنسان إذا كان يمتلك كنزًا مدفونًا وهو لا يعرف أنه يمتلك هذا الكنز، فهو لا يفيده بشيء، إذن إن كل ما علينا  هو أن نعيد مفهوم الثقافة، وأن مصر ليست متأخرة، وأن هذه الدعوة بتأخر مصر هي دعوة  استهدافية مؤامرة، - للأسف- أتت من الجوار لتحاول أن تشكك المصريين فيما يمتلكون وفيما يعرفون وما لديهم حتى ما يثار مؤخرًا من أن مصر فقدت بعض عناصرها عن طريق التهريب من الخارج إلا أن ما تمتلكه يفوق عشرات الأضعاف ما تم تبديده في فترة حكم الإخوان وما أعقبته من محاولات خارجية تستهدف مصر، وأؤكد على أنه بالرغم من ذلك لن يؤثر على مصر ودورها الريادي"

واختتم: "إننا لا نزال قادرين على تصدير الفنون والآداب والمفكرين والمدربين والمدرسين، والكتاب،  ونستطيع أن نفعل ذلك لقرون طويلة قادمة، وعلينا أن نعيد قراءة التاريخ بوعي لنعرف بشدة  كيف  وصلت مصر -في بعض الأحيان - إلى الحضيض ولكنها تعود مرة أخرى، ولا يوجد شعب في العالم حدث ما يحدث عبر تاريخه إلا أنه يعود مرة أخرى، وفي فترة الحكم العثماني على مصر أكبر دليل على ذلك بالرغم من محاولة تفريغها من مبدعيها وترحيلهم إلى إسطنبول، ولكنها عادت مرة أخرى".

820.jpg
الدكتور محمود الضبع

 

شوكت المصري: الأزمة ليست في دور مصر الريادي في الثقافة والفنون 

نحتاج إلى  إعادة تشكيل الخدمات الثقافية لتتواءم مع متغيرات العصر

فيما أكد الدكتور شوكت المصري، أستاذ مساعد النقد الأدبي الحديث بأكاديمية الفنون بالقاهرة على ريادة مصر الثقافية، وهي لا تدع أي مجال في الشك إذ قال: "إن الأزمة ليست في دور مصر الريادي في الثقافة والفنون، وإن الريادة متحققة لمصر بالضرورة، فمصر دولة رائدة سواء عبر واقعها الحالي عن هذه الريادة أو تأخر قليلاً لمجموعة من الأسباب وهي التي يمكن أن نتحدث فيها".

وسائل التلقي 

وأشار "المصري" إلى أن الإشكالية الأولى تتمثل في الفعل الثقافي في الشارع المصري هي إشكالية التلقي، والجمهور المستهدف فقد أصبح لدينا عدد كبير من وسائل الاتصال والمعرفة وتبادل المعلومات على اختلاف قيمة هذه المعلومات وعلى اختلاف مستوى هذه الفنون، وأصبح لدينا منصات الكترونية تقوم ببث المسلسلات والأفلام وأصبح لدينا قنوات يوتيوب وأفلام سينمائية عادية وأصبح لدينا النشر الورقي والنشر الالكتروني ومواقع تعمل عروضاً للكتب ومراجعات عنها، وبالتالي أصبح المعروض أو ما يمكن أن نسميه بوسائل الاتصال بالمتلقي متعددة".

مشكلة العمل الثقافي المؤسسي 

وعن إشكالية العمل الثقافي المؤسسي في ظل تلك المتغيرات، لفت "المصري"  إلى أن "مشكلة العمل الثقافي المؤسسي يجب أن يتطور لمواكبة هذه الوسائل والوسائط المتعددة الجديدة وذلك على مستويين الأول هو القدرة على الانتشار، والثاني هو على مستوى الانتقاء وتقييم المنتج المعرفي، وهو تقديم منتج ذي قيمة وفي نفس الوقت تقديمه على تلك الوسائل بشكل أكثر فاعلية، وهو ما سيضعنا أمام إشكالية أخرى: هل نحن مع شيوع المنتج الثقافي أو بمعني أدق الكيف؟ أم الكم؟ وهي المعادلة الصعبة،– لو أخذنا قضية "البست سيلر" -على سبيل المثال -سنجد أننا أمام تساؤل وهو هل يطمح المثقفون أن تطبع وزارة الثقافة وما يمثلها من هيئات كالهيئة العامة للكتاب أو هيئة قصور الثقافة الكتب الأكثر مبيعًا أم تبحث عن الكتب المتحققة فنيًا والمتفردة والمتميزة، وفي الحقيقة إننا لا بد أن نصل بالكتب المتميزة وبالكتابات الحقيقية إلى أن تصبح أكثر مبيعًا وأكثر انتشارًا وهذه هي المعادلة الصعبة والتي يجب أن تصب كافة الإجراءات والخطط إلى استهدافها".

تغيير اللوائح 

واستكمل: "وهناك إشكالية أخرى تخص العمل الثقافي والتي تتمثل في وصول العمل الثقافي إلى مستحقيه والتي تتجسد في تغيير اللوائح المنظمة لبعض القطاعات والارتباط بالقطاع الخاص، والبحث في شكل تلك اللوائح من حيث زمنها وعيوبها فسنجد على سبيل المثال هناك بعض اللوائح التي تعود لفترة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، وهذا يعني أننا يجب أن نبحث عن تحديث لتلك اللوائح خاصة فيما يتعلق بالشق المالي، من حيث مرتبات العاملين في العمل الثقافي وميزانيات بعض الفعاليات من مؤتمرات المعارض وغيرها، وفي الوقت نفسه يجب تفعيل دور القطاع الخاص دون التقصير في حق المحتوى المقدم، بحيث لا يصبح القطاع الخاص له حق التدخل في نوع المحتوى المقدم للجمهور، مثل البحث عن رعاة لبعض الكتب المترجمة في مقابل وضع اللوجو على غلاف الكتاب – على سبيل المثال- دون التدخل في نوعيه الكتاب المترجم أو من يقوم بعملية الترجمة نفسها"

وشدد على ضرورة إعادة الربط بين القطاع الحكومي والخاص قائلاً: "نحن في حاجة لإعادة الربط بين القطاع المؤسسي الحكومي وبين القطاع الخاص، وهو ما يحتاج أيضًا أشخاصاً لديهم أفكار جديدة في هذا المجال، أو بمعنى أدق نحتاج إلى موظفين قادرين على إدارة هذا الأمر وتنفيذه حتى يصبح واقعاً ملموساً وأعتقد أن هذا جزء رئيسي وأن كل ما نحتاجه هو إعادة تشكيل الخدمات الثقافية لتتواءم مع متغيرات العصر".

862.jpg
شوكت المصرى

 

الدكتورة جهاد عواض: هناك محاولات لإضعاف دور المثقف الحقيقي القادر على الفعل الثقافي

من المسؤول عن عودة أصحاب الفكر الظلامى في المشهد الجامعي والثقافى مرة أخرى؟ 

 

الثقافة حق أصيل وعلى من يتولى مسؤولية المواقع الثقافية وغيرها من المناصب التي تشتبك بالأساس مع الجمهور سواء بالمواقع الثقافية أو الجامعية، لأنها تتعلق وبشكل مباشر في كيفية تقديم خدمات لابد وأن يتوافر فيما يقدمها عدة مقومات أبرزها الانفتاح الثقافي والفكري، وأنه  لابد وأن تتوافر به شروط عدة لعل أبرزها ما أشارت إليه الدكتورة جهاد عواض أستاذة الأدب المقارن والنقد المساعد وعضو لجنة الثقافة والفنون بالمجلس القومي للمرأة قائلة: "هناك الكثير من الأشياء التي تؤثر في المجتمع المصري لتحقيق الريادة في كافة الأصعدة، وإذا ما ذكرنا توافق القيادة السياسية في مصر حول تلك الرؤية إلا أن هناك بعض التحديات التي قد تواجه تلك الإرادة من حيث تولى المناصب القيادية في بعض المجالات والتي يشوبها ما يسمي بـ "الحفاظ على كرسي المنصب"  بغض النظر عن صلاحية تلك الشخصيات في مناصبها أم لا؟، ولا نستغرب أننا قد نجد من يتولون بعض المناصب المهمة دون وجود كفاءة حقيقية، وهو ما يؤثر  بشكل كبير على العملية الثقافية سواء في التعليم أو في الثقافة أو الصحة، وهو ما يؤدي بالتالي إلى خطورة وتدني الخدمات التي يجب أن تقدمها تلك الجهات".

بدء ظهور الجماعة

 فيما أكدت على أنه وعلى الرغم بكل ما مرت به مصر في الفترات الماضية وأنه قد بات الظن أن بعض أصحاب تلك الأفكار الظلامية قد اختفت إلا أن هناك بعض الشواهد التي تنبئ بعودتهم مرة أخري إذ قالت مؤكدًة: "في عام 2013 خرجنا جميعًا من أجل إنقاذ مصر من يد الإخوان، وحاربنا كافة أشكال التطرف الفكري من خلال دعم الثقافة والأفكار حاولنا خلالها أن نعالج آثار تلك الهجمة الظلامية وعودة الهوية المصرية كما كانت، إلا أن هناك عودة لبعض من أصحاب تلك العقول وتصدرهم المشهد بل وأخذ مناصب بداخل الجامعات، وأخشى أن يكون هذا الرجوع بنية الانتقام ممكن خرجوا عليهم في 2013، وأن تلك البيئة لن تكون داعمة من أجل النهوض وعودة الريادة المصرية، وهل هذا الظهور سيناسب بنية العمل  بداخل أروقة الجامعات وأخشى أن تعاني الجامعة من تراجع أكثر مما نحن عليه، لأ وجود تلك الأفكار لن يصنع البيئة الصالحة للنهوض".

"انتقام" وإفلات من العقاب

وتساءلت "عواض" من المسؤول عن عودة الإخوان في صدارة المشهد مرة أخرى بداخل أروقة الجامعة بل وتقلدهم مناصب بداخلها؟ بالتزامن مع عدم وجود ثقافة الردع؟ فمن المعروف أن المخطئ هو من يتم معاقبته؟ ولكن ما نراه في اليوم الراهن هو يمكن الإفلات من العقاب إذا كان المرء يستطيع الإفلات او يجد من يسنده وأننا في حاجة إلى رفع لافته من يخطئ لابد وأن يتم محاسبته، وأن أستعيد كلمه الرئيس الراحل أنور السادات حينما اعترف بخطأ في خروج الإخوان المسلمين من السجون، فهم يرون أن السلطة كافرة ، وبالتالي أن أستكمل على ما قاله الرئيس السادات وأوكد أنه لا وجود لوطن أو وطنية في خطاب الجماعة، وعند عودتهم وتوليهم مناصب سواء بداخل الجامعة أو المواقع او المؤسسات الثقافية كل تلك السلطات تمكنهم مرة أخرى من الدولة المصرية، لأن الخطورة الحقيقة هنا هو وجود أجيال تحت أيديهم مرة أخرى، وهذا يجسد خطرًا على الأمن القومي، وأنه لابد الانتباه لذلك" 

معيار الكفاءة

وهنا لابد وأن نشير إلى أمر أخر وهو معيار الكفاءة التي يجب أن تتوافر فيمن يتولى المناصب القيادية مؤكدًا على أنه أحيانًا هناك بعض المسؤولين غير دارسين للملفات التي يقومون على إدارتها أو أن قدراتهم أقل بكثير من حجم تلك الملفات القائمين عليها، وهذا يؤدي إلى خلل كبير جدًا في إدارة ومعالجة تلك الملفات، فنحن الآن نواجه كارثة مزدوجة أولها عودة بعض الوجوه الإخوانية في بعض المواقع الثقافية والجامعية، وأيضًا عدم وجود الكفاءات في بعض تلك المناصب، وهذا يشير إلى خطر وتراجع بالتالي في دور مصر الريادي وهويتها الثقافية والتي لابد وأن تبني بالأساس على تعزيز الهوية المصرية وبناء الإنسان، ولا يجب أن يقف المثقف الحقيقي أمام تلك الإشكالية التي قد تنفجر بين لحظة وأخري، وأن المثقف الحقيقي هو من يمتلك الأدوات العلمية الحقيقة والتي تتناسب قدراته مع حجم التحديات التي تواجهها الدولة المصرية، وأن عملية إضعاف هذا الدور للمثقف الحقيقي يمثل خطرًا كبيرًا".

 

822.jpg
جهاد عواض
158.jfif
159.jfif
866.jpg
الكاتب المصري 

 

172.jpg
الكاتبة سمية أحمد 

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق غدًا آخر موعد لقبول أوراق الطلاب المصريين الحاصلين على الشهادات المعادلة العربية والأجنبية
التالى "إي تاكس" تحتفي بنجاح وزارة المالية في "التسهيلات الضريبية"