تُعد الثقافة لغة كل العصور وتاريخ الشعوب، وهي مرآة الحاضر والماضي والمستقبل، وعلى مدار 67 عاماً لعبت وزارة الثقافة في مصر دوراً مهماً في إثراء الحياة الأدبية والفكرية، منذ إنشاء وزارة الثقافة لأول مرة في مصر عام 1958، فكانت البذرة المؤسسية للحياة الثقافية في مصر من خلال إنشاء بيوت الثقافة في المحافظات، وإرساء العمل المؤسسي.
نشأة وزارة الثقافة
وزارة الثقافة المصرية واحدة من أقدم وأهم المؤسسات الثقافية في العالم العربي، حيث تأسست في ١٢ نوفمبر ١٩٥٨ تحت اسم "وزارة الإرشاد القومي". كان الهدف من إنشائها هو رعاية وتوجيه الحياة الثقافية والفنية في مصر، وتأكيد دور الثقافة كركيزة أساسية في بناء المجتمع. وعلى مر السنين، تغير اسمها عدة مرات لتعكس مهامها المتطورة.
وفي عام ١٩٦٢ تغير اسم الوزارة وأصبحت "وزارة الثقافة والإرشاد القومي"، ثم في عام ١٩٦٥ تم تعديل اسمها مرة أخرى لتصبح "وزارة الثقافة"، وهو الاسم الذي لا تزال تحمله حتى اليوم.
وتضطلع الوزارة بمهام عديدة تشمل الحفاظ على التراث المصري من خلال قطاعاتها المختلفة مثل المجلس الأعلى للآثار (الذي كان جزءاً منها قبل أن يصبح وزارة مستقلة)، ودار الكتب والوثائق القومية، حيث تعمل على حماية الآثار والمخطوطات والمباني التاريخية، دعم الإبداع الفني والأدبي وذلك عبر هيئات مثل الهيئة العامة لقصور الثقافة، والمجلس الأعلى للثقافة، وقطاع الفنون التشكيلية، حيث يتم دعم الفنانين والكتاب وتشجيع المواهب الجديدة.
إضافة إلى نشر الوعي الثقافي من خلال إقامة المعارض الفنية، والمهرجانات السينمائية والمسرحية، وإصدار الكتب، وتنظيم الفعاليات الثقافية في جميع أنحاء البلاد، والتعاون الدولي من خلال تمثيل مصر في المحافل الثقافية العالمية، وتوقيع الاتفاقيات الثقافية مع الدول الأخرى لتبادل الخبرات والتعريف بالثقافة المصرية.
تقلد منصب وزير الثقافة منذ نشأتها حتى اليوم ٢٥ وزيرًا تقريباً تولى بعضهم منصب الوزارة لمدد طويلة مثل الوزير الأسبق فاروق حسني، وبعضهم نال ولايتها مرتين، وكان د. ثروت عكاشة أول وزير ومؤسس لوزارة الثقافة حين تولى وزارة الإرشاد القومي عام ١٩٥٨.
ثروت عكاشة أيقونة الثقافة المصرية
يعتبر ثروت عكاشة أيقونة الثقافة في مصر، وكان شخصية محورية في تاريخ الثقافة المصرية، ويعتبر المؤسس الحقيقي للعمل الثقافي المؤسسي في مصر.
وساعدت بيئة "عكاشة" ومساره التعليمي والمهني أن يتبوأ مكانة مرموقة في عالم الثقافة حيث ولد سنة ١٩٢١ بالقاهرة، تدرج في المنهج التعليمي حتى حصل على بكالوريوس العلوم العسكرية من الكلية الحربية ١٩٣٩، ثم وكيل أركان حرب عام ١٩٤٨.
ولحق به الشغف بالعمل الأدبي والكتابة، فدرس دبلوم الصحافة من كلية الآداب في مصر ثم حصل على ماجستير في الصحافة عام ١٩٥١ والدكتوراه من فرنسا في الآداب من جامعة السوربون عام ١٩٦٠.
وشغل ثروت عكاشة عدة مناصب سياسية وثقافية هامة قبل وبعد توليه وزارة الثقافة، منها سفير مصر في روما، رئيس المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية (المجلس الأعلى للثقافة حالياً)، نائب رئيس الوزراء ووزير الثقافة، مساعد رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية.
إنجازاته كوزير للثقافة
تولى ثروت عكاشة منصب وزير الثقافة مرتين، وتعتبر فترتا توليه لوزارة الثقافة (الأولى ١٩٥٨-١٩٦٢ والثانية ١٩٦٦-١٩٧٠) من أهم الفترات في تاريخ الوزارة، حيث قام بوضع حجر الأساس لمؤسسات ثقافية لا تزال فاعلة حتى اليوم. من أبرز إنجازاته، إنقاذ آثار النوبة يُعد هذا الإنجاز الأبرز والأكثر شهرة في مسيرته. قاد حملة دولية ضخمة بالتعاون مع منظمة اليونسكو لإنقاذ معبد أبو سمبل ومعابد فيلة من الغرق بعد بناء السد العالي، وهو ما جعله يحصل على الميداليتين الفضية والذهبية من اليونسكو.

وعمل "عكاشة" على إنشاء المؤسسات الثقافية وتنوعها في مصر واستطاع تحويل العمل الثقافي من مجرد مجهود فردي إلى عمل مؤسسي، فقام بإنشاء العديد من الهيئات التي شكلت بنية الثقافة المصرية الحديثة، ومنها الهيئة العامة لقصور الثقافة، دار الكتب والوثائق القومية الجديد، أكاديمية الفنون (بما فيها معاهد السينما والباليه والموسيقى وغيرها)، وتأسيس فرق فنية متخصصة أثرت الحياة الفنية في مصر، مثل فرقة الموسيقى العربية، والفرقة القومية للفنون الشعبية، وفرقة باليه أوبرا القاهرة.
وكان ثروت عكاشة هو صاحب ضربة البداية في إطلاق معرض القاهرة الدولي للكتاب حيث بدأت أولى دوراته في عهده عام ١٩٦٩. وكان دائم التشجيع على الإبداع، ووضع نظام "تفرغ" للأدباء والفنانين، ليتفرغوا للإبداع دون تحمل أعباء وظيفية أخرى.
ثروت عكاشة والكتابة
لم يكن "ثروت عكاشة" مجرد وزير يقوم بأعمال إدارية أو تخطيطية، بل كان كاتباً وسياسياً مثقفًا غزير الإنتاج، استطاع أن يؤلف ويترجم أكثر من ٤٥ كتابًا وموسوعة في مجالات الفنون المختلفة، من أشهرها موسوعة "العين تسمع والأذن ترى" التي تعد مرجعًا في تاريخ الفنون.وكتاب "مذكراتي في السياسة والثقافة" وهو كتاب مهم يسجل فيه ثروت عكاشة تجربته الشخصية في مجالي السياسة والثقافة، ويعرض من خلاله رؤيته لتطور الحياة الثقافية في مصر، وترجمة كتاب "مسخ الكائنات" للشاعر الروماني أوفيد، ومعجم المصطلحات الثقافية وهو عمل مرجعي يوضح المصطلحات المستخدمة في المجال الثقافي.
ولذلك يعتبر ثروت عكاشة نموذجًا للسياسي المثقف الذي أدرك أهمية الثقافة في بناء الوعي الوطني ووضع لها استراتيجية متكاملة، لذلك يُلقب بـ"صانع الثقافة المصرية الحديثة".