
تشهد الساحة العالمية تطورات متسارعة في مجال الطاقة النووية، حيث باتت تمثل خيارًا استراتيجيًا لتحقيق أمن الطاقة، ومواجهة محدودية مصادر الوقود التقليدي، وتلبية متطلبات التنمية المستدامة.
في هذا السياق، عرض الدكتور المهندس عبدالحميد عباس الدسوقي رؤية شاملة حول الطاقة النووية على المستوي المحلي والإقليمي والعالمي، ومدى تأثر مصر بالأحداث الدولية الراهنة، مع استعراض أحدث التطورات في هذا القطاع الحيوي، خاصة مشروع الضبعة النووي.
أولًا: أهمية الطاقة النووية والحاجة إليها
محدودية الفحم والبترول والغاز في ظل تزايد عدد السكان.
ضرورة تنويع مصادر الطاقة لضمان الأمن القومي الطاقوي.
تحقيق التنمية المستدامة وحماية حقوق الأجيال القادمة.
تقليل التلوث البيئي والالتزام باتفاقية كيوتو.
مواكبة التقدم التكنولوجي العالمي.
الجدوى الاقتصادية للمحطات النووية مقارنة بالبدائل الأخرى.
تأمين التمويل المحلي والأجنبي للمشروعات النووية.
التعاقدات طويلة الأجل للحصول على خدمات الإثراء النووي.
تخصيص أماكن لحفظ المخلفات عالية الإشعاع.
الاعتماد على مفاعلات الجيل الثالث المتطور (Gen III+) لرفع الأمان.
ثانيًا: الموقف العالمي للطاقة النووية – سبتمبر 2025
إنتاج المحطات النووية يعادل 10% من الكهرباء عالميًا.
تساهم بنحو 25% من الكهرباء الخالية من الكربون.
ساعدت على تجنب انبعاث 2 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون عام 2024.
متوسط معامل الإتاحة بين 2022 – 2024 بلغ 82.3% (أمريكا 93.2%).
معامل السعة عالميًا بلغ 83.4%.
الأعطال غير المخططة 4.2%، بينما في الصين 0.4% وألمانيا 0.1%.
المفاعلات موزعة بكثافة في أوروبا (فرنسا، سويسرا)، الولايات المتحدة، روسيا، الصين.
التطورات الحديثة
أوروبا: مددت ألمانيا عمر بعض المفاعلات بعد أزمة الغاز، بينما أعلنت فرنسا عن توسع نووي جديد.
الولايات المتحدة: بدأت خطة لإعادة إحياء المفاعلات لدعم أهداف الحياد الكربوني بحلول 2050.
الصين والهند: تتصدران العالم في عدد المفاعلات تحت الإنشاء.
روسيا: تواصل ريادتها عبر بناء محطات في مصر وتركيا وإفريقيا.
ثالثًا: المشهد الإقليمي – المنطقة العربية
دوافع بناء المحطات النووية
زيادة الطلب على الكهرباء.
شُح المياه واعتماد بعض الدول على التحلية.
الحفاظ على النفط والغاز كمورد اقتصادي.
تحقيق الاكتفاء الذاتي.
الطاقة النووية آمنة ونظيفة وبتكلفة منافسة.
الإمارات
محطة براكة: 4 مفاعلات بقدرة إجمالية 5.6 جيجاوات.
التشغيل التجاري اكتمل في سبتمبر 2024.
تغطي 22% من احتياجات الكهرباء وتخفض 22.4 مليون طن كربون سنويًا.
السعودية
محطة الدويهين (قدرة متوقعة 2.8 جيجاوات).
تلقت عروضًا من روسيا، الصين، فرنسا، كوريا.
في أبريل 2025، وقعت اتفاقًا مبدئيًا مع أمريكا لتوطين التكنولوجيا النووية.
مصر
محطة الضبعة: 4 مفاعلات VVER-1200، بقدرة إجمالية 4800 ميجاوات.
التشغيل الأول مقرر عام 2028.
تصميمها يتحمل الزلازل حتى 9 درجات وتحطم الطائرات الثقيلة.
دول أخرى
العراق: يسعى لإحياء برنامجه النووي.
المغرب: اتفاق مع روسيا عام 2022 لبناء أول محطة.
الأردن: يدرس المفاعلات الصغيرة المدمجة (100–300 ميجاوات).
التحديات العربية
التزام حكومي طويل الأمد.
بنية تحتية نووية متقدمة.
تدريب الكوادر البشرية.
توفير التمويل.
تشريعات صارمة للسلامة.
تعزيز التعاون الإقليمي.
رابعًا: المستوى المحلي – المشروع النووي المصري
الأهداف
الحفاظ على موارد البترول والغاز للصناعات البتروكيميائية.
دعم الصناعة ونقل التكنولوجيا.
توفير طاقة نظيفة بلا انبعاثات.
تنويع مصادر الطاقة لتحقيق الاستدامة.
نبذة تاريخية
1976: إنشاء هيئة المحطات النووية.
1981: اختيار موقع الضبعة.
1986: توقف بعد حادثة تشيرنوبل.
2011: توقف بعد ثورة يناير.
2014: إعلان المشروع كأحد المشروعات القومية.
2015: توقيع الاتفاقيات مع روسيا.
2017: توقيع وتفعيل العقود الرئيسية.
المراحل التنفيذية
2019: إذن قبول الموقع.
2021: بدء تصنيع المعدات طويلة الأجل.
2022 – 2024: صبات خرسانية للوحدات الأربع + إنشاء الرصيف البحري.
2023 – 2024: تركيب أولى المعدات مثل "مصيدة قلب المفاعل".
2028: بدء التشغيل التجاري للوحدة الأولى.
المواصفات الرئيسية
4 مفاعلات VVER-1200 من الجيل الثالث.
قدرة إجمالية 4800 ميجاوات.
مقاومة للزلازل والطائرات والانفجارات.
خامسًا: آخر التطورات في مشروع الضبعة النووي (2023 – 2025)
2023:
وضع حجر الأساس بحضور الرئيسين المصري والروسي عبر الفيديو كونفرانس.
تسجيل الرصيف البحري بالضبعة كميناء عالمي ووصول أول المعدات الثقيلة عبره.
بدء تصنيع التوربينات البخارية والمولدات.
تركيب أول "مصيدة قلب المفاعل" للوحدة الأولى.
2024:
تنفيذ الصبة الخرسانية للوحدة الثالثة.
تركيب "مصيدة قلب المفاعل" للوحدتين الثالثة والرابعة.
2025 (الوضع الحالي):
اكتمال تركيب معدات الأمان الأساسية للوحدات الأربع.
استمرار أعمال الإنشاء والتركيبات الميكانيكية والكهربائية.
تدريب دفعات جديدة من المهندسين والفنيين المصريين في مصر وروسيا.
تجهيز البنية التحتية المساندة (طرق، اتصالات، مراكز تدريب).
دلالات هذه التطورات
المشروع دخل مرحلة التنفيذ الكاملة.
نسبة الإنجاز ارتفعت مع وصول وتركيب المعدات.
تدريب الكوادر المصرية يعكس توجه نحو الاعتماد على الخبرات المحلية.
الضبعة باتت نموذجًا للتعاون المصري–الروسي في التكنولوجيا النووية.
سادسًا: الأحداث العالمية وتأثيرها على مصر
الحرب الروسية – الأوكرانية
زابوريجيا: أكبر محطة نووية أوروبية (6 مفاعلات، 5700 ميجاوات).
مخاطر تسرب إشعاعي حال استهدافها، لكن مصر بعيدة (1700 كم).
المخاطر غير المباشرة قد تكون عبر الواردات الغذائية.
الحرب الإيرانية – الإسرائيلية
استهداف منشآت تخصيب اليورانيوم لم يُحدث تلوثًا مؤثرًا.
الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكدت أن مستويات الإشعاع طبيعية.
محطة بوشهر (1000 ميجاوات) قد تُشكل خطرًا محدودًا في نطاق 5–30 كم حال ضربها، لكن مصر بعيدة (2200 كم).
التداعيات السياسية
قد تدفع الضربات إيران للإسراع ببرنامجها النووي العسكري بدعم من روسيا والصين.
سابعًا: محطة الضبعة والتحول إلى الطاقة النظيفة
تمثل نقلة نوعية لمصر في التحول إلى الطاقة النظيفة.
ركيزة لتطوير الصناعة والبحث العلمي.
تضع مصر ضمن الدول النووية بحلول 2028.
تعزز التنمية المستدامة وتساهم في خفض الانبعاثات عالميًا.
أكد الدكتور المهندس عبد الحميد عباس الدسوقي أن الطاقة النووية لم تعد خيارًا ترفيهيًا، بل هي ضرورة استراتيجية لمواجهة تحديات الطاقة العالمية والإقليمية. ومع دخول مصر عصر الطاقة النووية عبر مشروع الضبعة، فإنها تخطو خطوة تاريخية نحو مستقبل مستدام وآمن، يدعم الاقتصاد الوطني ويؤمن الأجيال القادمة.