ما تزال صفقة إنشاء خط الأنابيب بين الجزائر وموريتانيا تثير الكثير من الجدل في الأوساط الطاقية، وسط تساؤلات عن فرص تنفيذها الفعلية، لا سيما أن المشروع -رغم الطموحات التي رُوّج لها- يواجه تحديات مالية وفنية كبيرة.
وقالت مصادر في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة (مقرّها واشنطن)، إن المفاوضات المتعلقة بالمشروع، الذي وُقِّع اتفاقه قبل 3 سنوات، متوقفة منذ أكثر من عام كامل، وسط غياب أيّ تقدُّم ملموس على الأرض.
وأوضحت المصادر أن "هذا المشروع لن يرى النور، ويأتي ضمن مذكرات تفاهم كثيرة غير ملزمة للطرفين، وكانت مجرد مقترحات مبدئية"، مشيرة إلى أن اللجان المشتركة قدّمت مقترحاتها منذ عامين، دون أن تجد أيّ حماسة للتنفيذ.
وأكدت المصادر أن الكلفة المرتفعة لخط الأنابيب بين الجزائر وموريتانيا دفعت نواكشوط إلى الاكتفاء باستيراد المشتقات النفطية وغاز النفط المسال عبر البحر، بدلًا من الدخول في استثمارات ضخمة بخطوط أنابيب.
ولم تردّ شركة النفط والغاز الجزائرية "سوناطراك" على طلب للتعليق أرسلته منصة الطاقة المتخصصة.
مشروع لنقل الغاز الطبيعي
تعود فكرة إنشاء خط الأنابيب بين الجزائر وموريتانيا إلى عام 2022، حين دعت الجزائر نواكشوط لدراسة مشروع لنقل الغاز الطبيعي، خلال اجتماع اللجنة المشتركة الكبرى -حينها- برئاسة الوزيرين الأولين محمد ولد بلال وأيمن عبدالرحمن.
في ذلك الاجتماع، شدد الجانب الجزائري على أهمية بناء خطوط أنابيب للربط بين البلدين، بالتزامن مع بدء إنتاج مشروع الغاز "تورتو أحميم الكبير" الموريتاني-السنغالي، ورُوّج حينها للمشروع بخطوة استراتيجية لدعم التعاون الإقليمي.
لكن منذ توقيع مذكرة التفاهم، لم يشهد المشروع أيّ تقدُّم ملموس، إذ -حسب المصادر- أدى غياب الرؤية المالية الواضحة والتمويل المضمون إلى صعوبة مواصلة المشروع، رغم الزخم السياسي والإعلامي الذي رافق الإعلان الأول له.
وكان خط الأنابيب بين الجزائر وموريتانيا يُنظر إليه بوصفه مقدمة لتوسيع صادرات الغاز الجزائري، وربطها بموريتانيا ومنها إلى أوروبا، غير أن غياب الدراسات التفصيلية وتضارب الأولويات الإقليمية جعلاه حبرًا على ورق، دون مسار تنفيذي واضح.

وأكدت المصادر المطلعة أن اللجان الفنية المشتركة أعدّت دراسة جدوى أولية منذ عامين تقريبًا، لكنها بقيت دون متابعة جدّية، إذ لم يبدِ أيّ طرف استعدادًا لتخصيص استثمارات تتماشى مع حجم المشروع وتكاليفه العالية.
في هذا السياق، أشارت المصادر -في تصريحاتها الخاصة إلى منصة الطاقة- إلى أن موريتانيا فضّلت التوجه نحو استيراد الغاز والمشتقات عبر البحر، بوصفه خيارًا مرنًا وأقل تكلفة من مشروع خط أنابيب معقّد وطويل الأمد، يفرض التزامات مالية كبيرة على البلدين.
وبحسب هذه المعطيات، فإن خط الأنابيب بين الجزائر وموريتانيا تحوَّل تدريجيًا من ملف تعاون إقليمي إستراتيجي إلى مجرد ذكرى لمذكرة تفاهم غير ملزمة، تضاف إلى قائمة طويلة من المقترحات غير المنفَّذة في قطاع الطاقة.
حسابات اقتصادية وسياسية
ألمحت المصادر إلى أن خط الأنابيب بين الجزائر وموريتانيا لم يكن خيارًا واقعيًا، بالنظر إلى محدودية الطلب الموريتاني على الغاز، مع بدء إنتاجها من حقل "السلحفاة أحميم"، وهو ما جعل الكلفة تتجاوز الفوائد المحتملة للمشروع.
ويتطلب إنشاء خط الأنابيب بين الجزائر وموريتانيا دراسات معمقة حول حجم الطلب المحلي والنمو السكاني والاقتصادي، وهي عوامل لم تكن مواتية لجدوى المشروع.
من الجانب الجزائري، يحمل المشروع بُعدًا إستراتيجيًا لتعزيز النفوذ الطاقي في غرب أفريقيا، ولكن -وفق المصادر- "يأتي المشروع ضمن مذكرات تفاهم كثيرة غير ملزمة للطرفين، وكانت مجرد مقترحات مبدئية".
يشار إلى أن البدائل المتاحة، مثل خطوط النقل البحري والبنى التحتية اللوجستية الأخرى، ما تزال تمثّل خطوات أكثر واقعية وأقل تكلفة، لذلك ما تزال المفاوضات بشأن خط الأنابيب بين الجزائر وموريتانيا متوقفة منذ قرابة العام.
وكانت الجزائر ونواكشوط قد اتفقتا -في يونيو/حزيران 2022- ضمن 3 مذكرات تفاهم، على دراسة فرص إنشاء وبناء خطوط أنابيب لنقل الغاز بينهما، بهدف تزويد السوق الموريتانية بالمحروقات والمواد النفطية والغاز المنزلي من الجزائر.
كما يهدف الاتفاق بينهما إلى زيادة التعاون من جهة، وتقليص تكاليف نقل الغاز الجزائري إلى نواكشوط عن طريق البحر من جهة أخرى، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وسبق أن أعلنت وزارة الطاقة والمناجم الجزائرية، في يناير/كانون الأول 2025، أن دراسة مشروعات نقل الغاز الجزائري إلى موريتانيا تتصدر الملفات بين الطرفين، لا سيما مع استمرار تعاون البلدين في عدد من المجالات الأخرى.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر..