تشهد الساحة اليمنية تصاعدًا مقلقًا لجرائم الإخفاء القسرى التى تمارسها ميليشيات الحوثى المدعومة من إيران، حيث تحولت هذه الجريمة إلى سياسة ممنهجة تستهدف المدنيين وترمى إلى بث الرعب وتكميم الأفواه وقمع المعارضين.
وفى ظل استمرار الحرب وما رافقها من انهيار المنظومة القانونية والرقابية، تتزايد أعداد الضحايا بشكل غير مسبوق، وسط صمت دولى يثير القلق ويضع المجتمع الدولى أمام اختبار حقيقى لحماية حقوق الإنسان وصون الكرامة الإنسانية فى اليمن.
فى هذا السياق، أصدرت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات تقريرًا شاملًا بمناسبة اليوم العالمى لضحايا الإخفاء القسري، وثقت فيه (٢٦٧٨) جريمة إخفاء قسرى ارتكبتها مليشيات الحوثى بحق المدنيين خلال الفترة من ١ يناير ٢٠١٨ حتى ٣٠ أبريل ٢٠٢٥ فى (١٧) محافظة يمنية، ومن بين هؤلاء الضحايا (١٥٨) امرأة و(١٣٧) طفلًا، ولا تزال المليشيات ترفض الإفصاح عن مصيرهم حتى الآن.
وقد توزعت الجرائم بين فئات المجتمع المختلفة على النحو التالي: (٦٨٩) من العمال، (٢٠٩) سياسيين، (٣٠١) عسكريين، (١٨٢) تربويين، (٧٤) نشطاء، (٩٣) طلاب، (١٠٨) تجار، (١١٨) شخصيات اجتماعية، (٥١) إعلاميين، (٤٩) وعاظ وخطباء مساجد، (٢٣) أكاديميين، (٥٢) محامين، (٤٣) أطباء، إضافة إلى (٣٩٢) من الأجانب اللاجئين الأفارقة.
وأشار التقرير إلى أن فريق الشبكة وثق (١٩٣٧) مختطفًا تعرضوا لشتى أنواع التعذيب الجسدى والنفسي، بينهم (١١٧) طفلًا، و(٤٣) امرأة، و(٨٩) مسنًا.
كما كشف عن تعرض (٤٧٦) مختطفًا لأشد وأقسى أنواع التعذيب المفضى إلى الموت، من بينهم (١٨) طفلًا، و(٢٣) امرأة، و(٢٥) مسنًا، حيث لقى الضحايا حتفهم إما داخل الزنازين الحوثية، أو بعد تدهور حالتهم الصحية، أو عقب الإفراج عنهم بأيام قليلة فى محاولة للتنصل من الجريمة.
وسجلت الشبكة (٥٦) حالة تصفية جسدية داخل سجون الحوثي، إضافة إلى حالات انتحار لمعتقلين للتخلص من قسوة التعذيب، فضلًا عن (٧٩) حالة وفاة بسبب الإهمال الطبي، و(٣١) حالة وفاة نتيجة نوبات قلبية.
كما أصيب نحو (٢١٨) مختطفًا بإعاقات دائمة، منها شلل كلى ونصفي، وأمراض مزمنة، وفقدان للذاكرة، وإعاقات بصرية وسمعية، بينما تعرض (١٣٢٥) مختطفًا آخرين لمختلف أنواع التعذيب والمعاملة القاسية.
وأكد التقرير أن مليشيا الحوثى تدير نحو (٦٤١) سجنًا، منها (٣٦٨) سجنًا رسميًا استولت عليها بعد انقلابها على الشرعية، و(٢٧٣) سجنًا سريًا استحدثتها فى أقبية المؤسسات الحكومية والمواقع العسكرية والمراكز المدنية، وحتى مقرات الأحزاب ومنازل السياسيين.
السجون الحوثية
وجاءت أمانة العاصمة فى صدارة المحافظات اليمنية من حيث عدد حالات التعذيب داخل السجون الحوثية، حيث سجلت (٥١٨) حالة تعذيب، بينهم (٥٢) طفلًا، و(٤٣) امرأة، و(٦١) مسنًا، إضافة إلى (٦٧) حالة تعذيب حتى الموت شملت أطفالًا ونساء وكبار سن.
تلتها محافظة صنعاء بـ(٤٥٦) حالة تعذيب جسدى ونفسي، بينهم (١٧) طفلًا، و(٣٩) امرأة، و(٦٤) مسنًا، مع (٥٢) حالة تعذيب حتى الموت بينهم (١٠) نساء و(٩) مسنين، حيث أقدمت (٧) نساء على الانتحار فى السجن المركزى بعد تعرضهن للاغتصاب والتعذيب الوحشي.
واحتلت محافظة حجة المرتبة الثالثة بـ(٢١١) حالة تعذيب، بينهم (٤٦) طفلًا، و(٨) نساء، و(١٢) مسنًا، إضافة إلى (١٢) حالة وفاة تحت التعذيب، بينهم طفلان ورجل مسن.
وفى محافظة إب، سجل التقرير (١٦١) حالة تعذيب، مع (٤٧) وفاة تحت التعذيب، بينهم أطفال ومسنون، كما وثقت الشبكة (١٤٣) حالة تعذيب فى الحديدة، بينهم (٣١) طفلًا، و(٨) نساء، و(٦) مسنين، إضافة إلى (٤١) وفاة تحت التعذيب.
وفى محافظة تعز، سجل التقرير (١٢٣) حالة تعذيب وحشي، أسفرت عن مقتل (٢٨) مختطفًا، غالبيتهم فى سجن مدينة الصالح سيئ السمعة بمنطقة الحوبان. وتوزعت بقية الحالات على محافظات الضالع والبيضاء وذمار وريمة وصعدة وعمران والمحويت.
وحذرت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات من تفشى ظاهرة السجون السرية واستمرار ممارسة التعذيب، مشيرة إلى أن معظم المختطفين لا علاقة لهم بالحرب، وأن السجون باتت مكتظة بالمعتقلين الأبرياء، بينما خلت من أصحاب السوابق إلا من لا يمكن للمليشيات الاستفادة منهم.
وطالبت الشبكة الأمم المتحدة بالتدخل العاجل للإفراج عن جميع المخفيين قسرًا والمعتقلين تعسفًا، كما دعت مجلس الأمن الدولى إلى إلزام المليشيات بتنفيذ قراراته (٢١٤٠) و(٢٢٠١) و(٢٢١٦)، وحثت مجلس حقوق الإنسان والمفوضية السامية لحقوق الإنسان على إدانة هذه الجرائم، ودعم جهود التحقيق، ومحاسبة الجناة، وتعويض الضحايا وجبر الضرر.
ويرى مراقبون أن ما كشفه التقرير يعكس تصاعدًا ممنهجًا لجرائم الإخفاء القسرى والتعذيب فى اليمن، ويؤكد أن مليشيا الحوثى حولت هذه الانتهاكات إلى سياسة ثابتة لإرهاب المجتمع وتصفية الخصوم، بما يهدد السلم الاجتماعى وينذر بكارثة إنسانية مستمرة.
ويشير خبراء إلى أن استمرار هذا الصمت الدولى يعزز بيئة الإفلات من العقاب، ويشجع المليشيات على المضى فى ارتكاب المزيد من الجرائم، الأمر الذى يتطلب تحركًا دوليًا عاجلًا لوقف هذه الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها.