تترقب الأنظار السماء في لحظات نادرة حين يغطي ظل الأرض القمر، فينطفئ نوره شيئًا فشيئًا، ليغدو المشهد مهيبًا تستشعر فيه النفوس عظمة الخالق وقدرته، وتدفع هذه الظاهرة كثيرًا من المسلمين للتساؤل، متى نصلي صلاة خسوف القمر؟ وكيف نؤديها وفق السنة النبوية الشريفة؟
فقد ارتبطت هذه العبادة الخاصة بواحدة من أعظم آيات الله في الكون، حيث دلّ النبي ﷺ الأمة على كيفية التعامل مع مثل هذه الأحداث الكونية بعبادة ودعاء واستغفار، وتؤكد دار الإفتاء المصرية أن صلاة خسوف القمر سنة مؤكدة تُقام وقت وقوع الخسوف حتى انجلائه.
كيفية ومواقيت صلاة خسوف القمر
يُصلي المسلمون صلاة الخسوف عند بدء الظاهرة مباشرة، أي منذ لحظة دخول القمر في ظل الأرض وبدء انحجابه عن الأنظار، ويستمر وقتها حتى انتهاء الخسوف وعودة القمر إلى حالته الطبيعية.
ويوصي العلماء بأن تُؤدى هذه الصلاة في جماعة بالمسجد، كما يمكن أن تُؤدى فرادى في المنازل، فلا يشترط لها حضور جماعي كصلاة الجمعة، بل تصح في أي مكان يتيسر للمسلم.
ويؤدي المسلمون الصلاة ركعتين، وفي كل ركعة يقرأ المصلي الفاتحة وسورة طويلة نسبيًا، ثم يركع ركوعًا طويلاً يطيل فيه الدعاء والتسبيح، ثم يرفع ويقرأ مرة أخرى قبل أن يعود للركوع والسجود، وتهدف هذه الكيفية إلى تذكير القلوب بعظمة الخالق وتوجيه الناس إلى التضرع والإنابة وقت تغير مظاهر الكون.
ويحث النبي ﷺ الأمة على الاستكثار من الاستغفار والصدقة والدعاء في أثناء الخسوف، معتبرًا ذلك فرصة لتجديد التوبة وإحياء الصلة بالله، وتشير كتب السنة إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلّى بالناس حين خسف القمر فجمعهم وخطب فيهم، مبيّنًا أن هذه الآيات لا تقع لموت أحد أو حياته، وإنما هي علامات من عند الله ليعتبر بها المؤمنون.
كما ينصح العلماء المسلمين بأن يحرصوا على الهدوء والخشوع في تلك اللحظات، فيتجنبوا الانشغال باللهو أو الاكتفاء بالنظر إلى المشهد الفلكي دون إدراك البعد الروحي، فالمقصود من الصلاة والخطبة والذكر أن تتحول هذه الظاهرة الطبيعية إلى باب للتأمل والاقتراب من الله.
وتؤكد دار الإفتاء أن صلاة الخسوف تظل مشروعة ما دام القمر في حال الخسوف، فإن عاد إلى حالته الطبيعية انتهى وقتها، وإذا لم يعلم المسلم بوقوع الخسوف إلا بعد انتهائه فلا تُقضى الصلاة، لأنها عبادة مرتبطة بوقت معين وزمن محدد.
وتبرز أهمية هذه الصلاة في كونها تجسيدًا عمليًا لمفهوم "ذكر الله عند تبدل الكون"، حيث يدرك الإنسان أن المخلوقات كلها تخضع لإرادة الخالق، ويدعو العلماء المسلمين إلى الاهتمام بأداء صلاة الخسوف كلما تكررت الظاهرة، وعدم الاكتفاء بالمتابعة الفلكية أو الإعلامية، حتى تظل الروح متصلة بالمعنى الإيماني العميق لهذه اللحظات، وبذلك يظل توقيت صلاة خسوف القمر مرتبطًا بحدوث الظاهرة منذ بدايتها وحتى زوالها، فيتحول المشهد من مجرد حدث فلكي إلى موقف إيماني جامع.
