رغم أن الاعتراف بدولة فلسطينية يبدو من الناحية القانونية والسياسية إجراءً بسيطًا، فإن التساؤل يظل مطروحًا حول جدواه العملية وتبعاته المباشرة على مسار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وما إذا كان سيمثل خطوة نحو إنهائه أو مجرد مكسب رمزي بلا انعكاس ميداني.
جغرافيا ممزقة بين غزة والضفة
تواجه أي دولة فلسطينية مرتقبة تحديًا جغرافيًا حادًا؛ فغزة، التي تعاني دمارًا شبه كامل جراء الحرب الإسرائيلية، منفصلة جغرافيًا عن الضفة الغربية، ما يجعل الربط بينهما أمرًا بالغ الصعوبة.
وفي الضفة نفسها، عمّقت سياسات الاحتلال الإسرائيلي الانقسام المكاني، حيث جرى خلال العامين الماضيين ضم مساحات واسعة، وتوسيع المستوطنات، وإغلاق الطرق الرئيسية ببوابات وحواجز عسكرية، ما حوّل التواصل الجغرافي بين المدن والقرى إلى شبه مستحيل.
السلطة الفلسطينية بين العجز والاتهامات
لا تقف المعضلة عند حدود الاحتلال وحده؛ فالسلطة الفلسطينية نفسها باتت جزءًا من الأزمة، إذ تواجه اتهامات بالفساد المستشري والتبعية الأمنية والاقتصادية لإسرائيل، إضافة إلى عجزها عن لعب دور مؤثر داخليًا وإقليميًا ودوليًا، ما يجعلها عقبة أمام أي مشروع دولة حقيقية.
الاعتراف الدولي وحدوده
في أوروبا، يبرز اعتراف فرنسا وإسبانيا وأيرلندا بالدولة الفلسطينية كخطوة رمزية تحمل وزنًا سياسيًا، لكنها لا تغيّر موازين القوة على الأرض.
الولايات المتحدة، من جانبها، لا تزال متمسكة برؤيتها التقليدية القائمة على المفاوضات المباشرة، رافضة أي اعتراف أحادي، وهو ما يضع سقفًا صارمًا أمام أي تحرك دولي أوسع.
أما روسيا والصين فقد تبنتا مواقف داعمة للاعتراف، مستثمرتين ذلك كورقة نفوذ في مواجهة الغرب، في حين تبقى الأمم المتحدة رهينة الانقسام بين القوى الكبرى داخل مجلس الأمن.
الموقف العربي
على المستوى العربي، تبدو المواقف متباينة؛ فبينما تدعم دول التحرك نحو الاعتراف الدولي وتطالب بتجسيد الدولة الفلسطينية على حدود 1967، تتبنى دول أخرى نهجًا أكثر براجماتية، مفضلة الحفاظ على علاقاتها مع الغرب وإسرائيل.
التطبيع الأخير الذي أقدمت عليه عدة عواصم عربية يعكس هذا التباين، ويضعف الموقف الفلسطيني الموحد.
مصر والأردن، بحكم الجوار المباشر، تحاولان التمسك بخيار حل الدولتين باعتباره الضامن للاستقرار الإقليمي، لكنهما في الوقت نفسه تصطدمان بواقع الانقسام الفلسطيني الداخلي وباستمرار سياسة الاحتلال القائمة على فرض الأمر الواقع.
السيناريوهات المستقبلية
مع انسداد أفق المفاوضات وتآكل حل الدولتين عمليًا على الأرض، تتباين التقديرات حول ما قد يحمله المستقبل:
حل الدولتين: ما زال مطروحًا على المستوى الدولي باعتباره الخيار الرسمي، لكنه يبدو أكثر هشاشة من أي وقت مضى في ظل التوسع الاستيطاني وفقدان التواصل الجغرافي.
الدولة الواحدة: خيار يبدو كبديل ممكن بسبب تعقيدات الأمر الواقع على الأرض، لكن إسرائيل ترفضه بشكل قاطع خوفًا من فقدان الطابع اليهودي للدولة، فيما ينظر إليه كفرصة لفرض معادلة الحقوق المتساوية.
استمرار الوضع الراهن: وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا في المدى المنظور، حيث يواصل الاحتلال فرض سياسة الأمر الواقع، وتبقى غزة معزولة ومدمرة، بينما تظل الضفة مقسمة بالمستوطنات والحواجز، مع بقاء السلطة في موقع إدارة أزمة لا أكثر.
في المحصلة، حتى إذا ما حظيت الدولة الفلسطينية باعتراف فرنسا أو قوى كبرى أخرى، فإن التحدي الأكبر يكمن في تحويل الاعتراف السياسي إلى واقع ملموس: كيان يمتلك مقومات الجغرافيا والسيادة والاقتصاد، كلها عوامل تجعل الحديث عن دولة فلسطينية في الوقت الراهن أقرب إلى الطموح المؤجل منه إلى الواقع الممكن.