أخبار عاجلة

كيف ساهمت السياسات الأمريكية بالشرق الأوسط قبل 11 سبتمبر فى خلق بيئة خصبة للإرهاب؟

كيف ساهمت السياسات الأمريكية بالشرق الأوسط قبل 11 سبتمبر فى خلق بيئة خصبة للإرهاب؟
كيف ساهمت السياسات الأمريكية بالشرق الأوسط قبل 11 سبتمبر فى خلق بيئة خصبة للإرهاب؟
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مثلت هجمات 11 سبتمبر 2001 لحظة فاصلة فى التاريخ المعاصر، ليس فقط لما خلفته من ضحايا ودمار، بل لما أحدثته من تغييرات جذرية فى بنية النظام الدولى والسياسات الخارجية، خصوصًا الأمريكية فقد تعرضت الولايات المتحدة، ولأول مرة فى تاريخها الحديث، لهجوم إرهابى مباشر على أراضيها، حين قامت أربع طائرات مدنية بالاصطدام بأهداف محددة، نجحت ثلاث منها فى تنفيذ مهامها وأسفرت هذه العمليات عن مقتل 2973 شخصًا وفقدان نحو 24 آخرين، إلى جانب آلاف الجرحى والمصابين بأمراض تنفسية مزمنة نتيجة استنشاق الغازات السامة والدخان الكثيف الناتج عن الحرائق والانفجارات.


الهجمات على برجى التجارة العالمى كانت نتيجة تراكمات طويلة من السياسات الدولية وعلى رأسها السياسات الأمريكية فى المنطقة  تدخلات الولايات المتحدة الانتقائية تمهد لأحداث 11 سبتمبر


لم تكن هذه الهجمات مجرد واقعة إرهابية عابرة، بل أعادت تشكيل الاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب، وأعطت الولايات المتحدة مبررًا لإطلاق ما سمته "الحرب العالمية على الإرهاب"، وهى حرب اتخذت طابعًا هجوميًا واستباقيًا، بعدما تخلت واشنطن عن سياسة "الاحتواء" التى كانت قائمة منذ الحرب الباردة، لصالح استراتيجية أمنية شاملة تبناها الرئيس جورج بوش الابن، معلنًا بذلك دخول العالم مرحلة جديدة من الصراع، محورها مواجهة "الإرهاب العابر للحدود".
لكن رغم التوصيفات الحادة والحملات العسكرية المتتالية، بقى مفهوم الإرهاب نفسه إشكاليًا، غامض المعالم، وعصيا على التعريف الدقيق إذ لا يوجد حتى اليوم اتفاق دولى موحد بشأن تحديد ماهيته، ولا حول الأفعال التى تقع تحته، بسبب تعدد أبعاده وتنوع أشكاله وسرعة تحوله، وأسهم هذا الغموض فى جعله أحد أكثر المفاهيم إثارة للجدل، خاصةً فى مرحلة ما بعد ١١ سبتمبر، التى فشلت فيها المنظومة الدولية فى بلورة رؤية موحدة وشاملة لمواجهته.
ظهر مع هذه المرحلة نمط جديد من الإرهاب، يختلف عن النموذج الكلاسيكى الذى ساد فى القرن العشرين.. باتت الجماعات الإرهابية قادرة على استغلال بيئات الاضطراب السياسي، والتكنولوجيا الحديثة، وانتشار شبكات العولمة، لتشكيل تهديدات أكثر تعقيدًا، وأكثر قدرة على ضرب أهداف مدنية واقتصادية وعسكرية فى وقت واحد ما دفع عددًا من الباحثين والمحللين إلى الحديث عن "ظاهرة إرهابية جديدة" تتميز بخصائص لم تكن معهودة سابقًا.
كما لم تكن هجمات ١١ سبتمبر وليدة لحظة، بل كانت نتيجة تراكمات طويلة من السياسات الدولية، وعلى رأسها السياسات الأمريكية فى الشرق الأوسط إذ لعبت واشنطن دورًا محوريًا فى تشكيل موازين القوى، ودعم أنظمة بعينها، والتدخل فى شؤون المنطقة عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا، وهو ما ساهم فى خلق بيئة خصبة لتصاعد مشاعر العداء والتطرف، وظهور جماعات راديكالية وظهر ذلك جليًا من خلال التحالفات السياسية والعسكرية مع الأنظمة الاستبدادية، حيث دعمت الولايات المتحدة لعقود أنظمة استبدادية فى الشرق الأوسط، بحجة تحقيق الاستقرار ومواجهة الشيوعية ثم الإرهاب لاحقًا ومن أبرز الأمثلة دعم نظام صدام حسين خلال الحرب الإيرانية العراقية (١٩٨٠-١٩٨٨)، ثم الانقلاب عليه بعد غزو الكويت، ما ساهم فى فوضى سياسية عميقة فى العراق، ما رسخ قناعة أن أمريكا تدعم القمع مقابل مصالحها، ما أدى إلى رفض شعبى وتطرف فكرى ووجدانى ضدها.


الانحياز الأمريكي لإسرائيل وتأجيج الغضب العربى والإسلامي


على مدى عقود مثل الموقف الأمريكى من الصراع الفلسطيني–الإسرائيلى أحد أبرز عناصر التوتر الدائم بين الولايات المتحدة والعالمين العربى والإسلامي، ولم يكن هذا التوتر ناتجًا فقط عن المواقف السياسية، بل عن شعور عميق بالظلم والإقصاء، تراكم فى وجدان الشعوب، وتحول تدريجيًا إلى غضب لا تهدئه التصريحات ولا تخففه الوساطات، وكان سببا رئيسيا فى زيادة الاحتقان قبيل أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١.
قدمت الولايات المتحدة دعمًا استثنائيًا لإسرائيل، يفوق ما قدمته لأى حليف آخر فى العالم، سواء من حيث المساعدات العسكرية المباشرة، أو الدعم اللوجستي، أو تبادل المعلومات الاستخباراتية، أو تزويد إسرائيل بأحدث التقنيات العسكرية المتطورة.
وبلغ الدعم السنوى المخصص لإسرائيل نحو ٣.٨ مليار دولار، بموجب الاتفاق الموقع فى ٢٠١٦، إضافة إلى مساعدات طارئة واستثنائية فى أوقات التصعيد، خصوصًا خلال الحروب على غزة.
كما لا يفهم هذا الدعم فى المنطقة بوصفه مجرد تحالف استراتيجي، بل يقرأ على نطاق واسع كتمكين مباشر لآلة الاحتلال، وتعزيز للعدوانية الإسرائيلية، وخاصة فى ظل استمرار الاستيطان، وتهجير السكان، وقصف المدنيين، دون مساءلة أو قيود، ما يرسخ شعورًا عربيًا وإسلاميًا بأن حياة الفلسطينيين أرخص لدى واشنطن من تحالفاتها السياسية.
أحد أبرز وجوه الانحياز الأمريكى يتجلى فى سلوكها داخل المنظمات الدولية، وعلى رأسها مجلس الأمن، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو" عشرات المرات لإجهاض قرارات تدين إسرائيل، أو تطالبها بوقف الاستيطان، أو تحملها مسؤولية الانتهاكات ضد المدنيين الفلسطينيين.
فى كل مرة يطرح فيها مشروع قرار لتوفير حماية دولية للفلسطينيين، أو التحقيق فى جرائم الحرب الإسرائيلية، يجهض بفعل الضغط الأمريكى أو الفيتو المباشر، هذا السلوك يعزز قناعة مترسخة بأن واشنطن لا تدافع عن القانون الدولى بقدر ما تدافع عن إسرائيل، ولو على حساب الشرعية الدولية.
وتنعكس هذه المواقف فى شعورٍ جمعى بأن المنظومة الدولية أضحت مختطفة بيد دولة عظمى توظفها لحماية الاحتلال، لا لردع المعتدين.


تجاهل معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال


وربما الأخطر من كل ما سبق هو الصمت الأمريكى الممنهج تجاه معاناة الفلسطينيين اليومية، الحصار المفروض على غزة منذ أكثر من ١٧ عامًا، هدم المنازل فى الضفة الغربية، تهويد القدس، الإعدامات الميدانية، الاعتقالات التعسفية، والاقتحامات الليلية التى لا تتوقف.
فى خطاب واشنطن الرسمي، غالبًا ما تختزل القضية الفلسطينية فى "حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها"، بينما تغيب مفردات مثل العدالة، والاحتلال، وحقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، بل إن الإدارة الأمريكية تساوى بين الضحية والجلاد، وتطالب بـ"التهدئة" فى لحظات يقتل فيها الأطفال وتقصف البيوت على رؤوس ساكنيها.
هذا التجاهل المتكرر يفسر شعبيًا على أنه نزع للإنسانية عن الفلسطيني، وتحيز أخلاقى خطير يجعل الولايات المتحدة طرفًا لا يمكن الوثوق به كوسيط نزيه فى أى عملية سلام.
كل ذلك يؤكد إن الانحياز الأمريكى لإسرائيل لا يعد مجرد سياسة خارجية تقليدية، بل هو عامل مباشر فى تأجيج الغضب العربى والإسلامي، حيث يرى كشرعنة مستمرة للاحتلال، وتواطؤٍ مع القمع، وإهانة لمشاعر شعوب ترى فى فلسطين رمزًا للكرامة والعدالة الغائبة.
وفى ظل هذه المعادلة المختلّة، لن تكون هناك ثقة حقيقية فى المبادرات الأمريكية، ولا سلام راسخ فى المنطقة، ما دام أحد أطراف الصراع يتلقى الغطاء الكامل، والآخر يعامل كعبء يجب الصمت عنه.


الوجود العسكرى الأمريكى فى الخليج 


منذ نهاية الحرب الباردة، شكل الخليج العربى منطقة استراتيجية لا يمكن للولايات المتحدة تجاهلها، نظرًا لما تحتويه من احتياطات نفطية هائلة وأهمية جيوسياسية كبرى لكن التحول الأهم فى طبيعة العلاقة بين أمريكا والخليج جاء بعد حرب الخليج الثانية (١٩٩٠-١٩٩١)، حين أبقت واشنطن على وجود عسكرى دائم فى المنطقة، وخصوصًا فى السعودية، والكويت، وقطر، والبحرين هذا الوجود، الذى قدم وقتها كضمانة للأمن والاستقرار، كان له وجه آخر أكثر تعقيدًا وتأثيرًا وجه ساهم بشكل غير مباشر فى تفجير واحدة من أكثر الهجمات دموية فى التاريخ الحديث، وهى أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١.
بعد تحرير الكويت من الغزو العراقى عام ١٩٩١، رأت الولايات المتحدة أن مصالحها فى الخليج تتطلب بقاءً عسكريًا دائمًا، وليس مجرد انتشار مؤقت تمركزت قواعد أمريكية في: السعودية (مثل قاعدة الأمير سلطان الجوية)، قطر (قاعدة العديد)، البحرين (الأسطول الخامس)، الكويت (قواعد دعم لوجستى وتحرك سريع).
ورغم أن هذه الخطوة لاقت ترحيبًا رسميًا من أغلب الأنظمة الخليجية التى رأت فيها درعًا واقيًا ضد التهديدات الإقليمية، خصوصًا من إيران والعراق، إلا أن وقعها الشعبى كان مختلفًا تمامًا.


إثارة المشاعر الدينية والسياسية


فى نظر تنظيم القاعدة، لم يكن التواجد العسكرى مجرد مسألة جيوسياسية، بل رمزًا للهيمنة الغربية والإذلال المستمر للأمة الإسلامية، ورسالة بأن السيادة الحقيقية فى المنطقة لم تعد بيد شعوبها ولا حتى حكامها، بل بيد واشنطن.
وقد استغل بن لادن هذه الرمزية فى تجنيد أتباعه، متذرعًا بأن الحكومات العربية خضعت للأمريكيين، وصمتت على الاحتلال الأمريكى المقنع.
رغم أن تنفيذ هجمات ١١ سبتمبر تم فى الداخل الأمريكي، فإن الدافع الأساسى الذى حرك تنظيم القاعدة وأغلب منفذى العملية – وغالبيتهم من السعوديين – كان مرتبطًا بما يلي:
الوجود العسكرى الأمريكى فى الخليج، والذى صورته القاعدة كغزو مستمر ومهين
الدعم الأمريكى المطلق لإسرائيل، خاصة فى انتفاضة الأقصى (٢٠٠٠)
العقوبات على العراق، التى أدت إلى مآسٍ إنسانية وصفتها القاعدة بأنها "قتل جماعى للأطفال المسلمين".
فى إحدى خطبه الشهيرة، قال بن لادن بوضوح: "لقد أقمت علينا الحجة، يا أمريكا، حين دنّستِ أرضنا، ودعمتِ من يقتلنا، فكان لزامًا علينا أن نرد".
بالتالي، يمكن القول إن الوجود العسكرى الأمريكى فى الخليج – رغم كونه قانونيًا ومطلوبًا رسميًا – مثل فى الوعى الجمعى للتنظيمات المتطرفة ذريعة قوية للتحريض والتعبئة، وتحول من "ضامن للاستقرار" إلى أحد رموز القهر الغربى والاستفزاز الديني.
وصرح أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة آنذاك، عام ١٩٩٨ بأن "الحصول على الأسلحة الكيماوية أو النووية للدفاع عن المسلمين واجب ديني"، ما عزز المخاوف من انتقال الإرهاب إلى مستويات تفوق قدرات المواجهة التقليدية
وفى قلب هذه المتغيرات، برز تنظيم القاعدة كنموذج مثالى لما يعرف بـ"الإرهاب الجديد"، حيث يتسم هذا النمط بعدة خصائص: ثقافة متطرفة تروج للكراهية وتعبر عنها من خلال استهداف رموز مدنية واقتصادية بارزة، وإصرار على إيقاع أكبر عدد من الضحايا، إلى جانب تبنى التنظيمات لأساليب غير نمطية تتجاوز مفهوم المعركة المباشرة، وتقوم على الانتقام لا على تحقيق أهداف سياسية واضحة
كما يعتمد الإرهاب الجديد على نمط تنظيمى يعرف بـ"الخلايا العنقودية"، وهى مجموعات صغيرة وغير مترابطة تنظيميًا، ما يجعل تتبعها ورصدها أمرًا شديد التعقيد، وتحصل هذه المجموعات على دعم مالى ولوجستى من مصادر متعددة، ولا تُظهر روابط مركزية واضحة، وهو ما يزيد من غموضها وصعوبة التنبؤ بتحركاتها أو اختراقها
ومثل تنظيم القاعدة، ببنيته الشبكية وقدرته على شن هجمات نوعية، الخطر الأكبر فى مستهل القرن الحادى والعشرين، حيث استطاع أن يضرب الولايات المتحدة فى عقر دارها لأول مرة فى تاريخها الحديث ولم يعد يُنظر إليه على أنه مجرد ميليشيا متمردة تضم أفرادًا تلقوا تدريبًا فى حرب العصابات، بل ظهر كتنظيم معقد ذى هياكل تنظيمية متعددة ودوائر متخصصة فى الإعلام، والتجنيد، والتخطيط، والتمويل، مما جعل عملياته مبهمة ويصعب التنبؤ بها.
وقد كشفت هذه الحقيقة عن جوهر القاعدة، ليس فقط فى سعيها إلى نشر الجهاد العالمي، بل فى قدرتها على تمويل حركات تمرد إثنية، وتدريب مقاتلين فى بيئات مختلفة، وإنتاج مواد دعائية تهدف إلى الإلهام والتحريض، ما جعلها تتحول من مجرد تنظيم محلى إلى تهديد عالمى ممتد.


تدخلات الولايات المتحدة الانتقائية تمهد لأحداث ١١ سبتمبر


شهد عقد التسعينيات من القرن الماضى سلسلة من التدخلات العسكرية الأمريكية الانتقائية، التى نفذت تحت شعارات مثل "محاربة الإرهاب" أو "حماية المصالح الأمريكية"، ومع أنها جاءت فى سياقات مختلفة، إلا أن طريقة تنفيذها، وازدواجية المعايير التى صاحبتها، خلقت شعورًا عالميًا، خصوصًا فى العالم الإسلامي، بأن أمريكا تتصرف كقوة فوق القانون، لا تخضع لمساءلة، ولا تكترث بنتائج أفعالها على الأرض.
وساهمت هذه التدخلات، بشكل غير مباشر، فى تغذية الخطاب المتطرف، وترسيخ سردية المظلومية، التى كانت من الوقود العقائدى والسياسى لتنظيم القاعدة فى تخطيط وتنفيذ هجمات ١١ سبتمبر.


قصف مصنع الشفاء للدواء فى السودان عام ١٩٩٨ 


فى أغسطس ١٩٩٨، وبعد تفجير سفارتى الولايات المتحدة فى كينيا وتنزانيا، أمر الرئيس الأمريكى آنذاك بيل كلينتون بشن غارات صاروخية على مواقع فى السودان وأفغانستان ضمن ما عرف بعملية "رد الفعل غير المتكافئ".
استهدف فى السودان مصنع "الشفاء" للأدوية فى الخرطوم، بزعم أنه يستخدم فى إنتاج أسلحة كيميائية لصالح تنظيم القاعدة لكن لاحقًا، تبين أن المصنع مدنى بالكامل، وينتج أدوية حيوية، من بينها مضادات حيوية وعلاجات للملاريا، ويغطى حاجة مئات الآلاف من السودانيين.
تسببت هذه الضربة فى كارثة إنسانية واقتصادية، وأثارت موجة من الغضب الشعبى والإعلامى فى العالم العربى والإسلامي، لم تقدم واشنطن أدلة قاطعة على مزاعمها، ولم تعتذر عن الخطأ، وهو ما ساعد فى تعزيز سردية العداء الأمريكى للمسلمين والفقراء، كما استخدمها بن لادن لاحقًا كدليل على "العدوان العشوائي" ضد المسلمين.


قصف معسكرات تدريب القاعدة فى أفغانستان عام ١٩٩٨


في الهجوم نفسه، قصفت الولايات المتحدة معسكرات تدريب يُعتقد أنها تابعة لتنظيم القاعدة في أفغانستان، دون تنسيق مع حكومة طالبان أو المجتمع الدولي.
الضربات لم تُصب بن لادن، لكنها رفعت مكانته في أعين المتعاطفين، وسوّقته كـ"قائد مستهدف من أمريكا"، ما زاد من جاذبيته في أوساط المتشددين والشباب الباحثين عن رمز يتحدى القوة العالمية الأولى.
لم تؤدِّ هذه الضربات إلى إضعاف القاعدة، بل زادت من صلابتها الإعلامية والتنظيمية، ورسّخت فكرة أن "الرد العنيف هو اللغة الوحيدة التي تفهمها أمريكا"، وهو المفهوم الذي ستبني عليه فلسفة العمليات الانتحارية لاحقًا.

الازدواجية الأخلاقية وتغذية الغضب العابر للحدود

في مقابل هذه التدخلات القوية ضد أهداف في دول إسلامية، لم تُظهر الولايات المتحدة حماسة مماثلة لمعالجة قضايا أكثر عمقًا وإنسانية مثل:
معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، مذبحة صبرا وشاتيلا (1982) التي لم تُحاسَب عنها أي جهة، والعقوبات القاسية على العراق التي أودت بحياة مئات الآلاف من الأطفال.
هذا السلوك الانتقائي عزز القناعة لدى قطاعات واسعة في العالم الإسلامي بأن واشنطن لا تتحرك إلا عندما تمس مصالحها المباشرة، وأنها تتعامل بازدواجية صارخة، ما خلق مناخًا خصبًا لنمو الحركات المتطرفة.

بلورة قرار القاعدة

من وجهة نظر تنظيم القاعدة، كانت تلك الضربات دليلًا على أن الولايات المتحدة تحتقر سيادة الدول المسلمة، ولا تحتاج إلى شرعية دولية لشن هجماتها، وتملك الحق الحصري في تعريف "الإرهاب" وتحديد من يستهدف.
وقد عبّر أسامة بن لادن بوضوح عن هذا في مقابلاته وبياناته، مبررًا هجمات 11 سبتمبر بأنها ردٌّ على سلسلة من الإهانات والعدوانات التي ارتكبتها واشنطن دون محاسبة.

وبناءً على ذلك يتضح بما لا يدع مجالًا للشك أنه قبل اشتعال ناطحات السحاب في نيويورك صباح 11 سبتمبر 2001، كانت المنطقة العربية تغلي على نار هادئة بغضب مكتوم، وإحباط مزمن، وخراب سياسي واقتصادي امتد لعقود. وفي قلب هذا المشهد المضطرب، كانت السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط تلعب دورًا محوريًا، لا دائمًا كفاعل مباشر، بل كقوة تحرك المشهد من وراء ستار، وتعيد رسم الخريطة وفق مصالحها الاستراتيجية، دون اعتبار حقيقي لما تُخلّفه قراراتها من أثر في الشارع العربي والإسلامي.

ساهمت هذه السياسات في توليد بيئة مهيأة للانفجار، حيث تلاقت الخيبة السياسية، والقهر الاجتماعي، والاحتقان الديني، لتنتج ظواهر مثل القاعدة، وتؤسس للمنطق الذي قاد إلى 11 سبتمبر، إذ أنه عبر مزيج من القهر السياسي، والتواطؤ مع الاستبداد، والاحتلال غير المباشر، قدمت أمريكا البيئة المثالية لنمو جماعات مثل القاعدة.
هذه الجماعات لم تُخلق من فراغ، بل نشأت في فراغ سياسي، ويأس شعبي، وصراع هويّاتي، وقدمت السياسات الأمريكية مادة خامًا لسرديات الكراهية، وأعطت لتلك الجماعات شرعية زائفة في أعين بعض اليائسين.

فبدلًا من مواجهة التطرف عبر دعم العدالة والتنمية، وجدت أمريكا نفسها تواجه عنفًا استخدم قراراتها نفسها كتبرير لما يفعله، سواء في الصحارى الأفغانية أو في شوارع نيويورك. لذا لم تكن هجمات 11 سبتمبر لحظة معزولة، بل نتيجة مسار طويل من التوتر والتدخل والتجاهل.

واشنطن لعبت دورًا محوريًا في تشكيل موازين القوى والتدخل في شؤون المنطقة عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا.

مصنع الشفاء للدواء في السودان بعد قصفه

التدخلات العسكرية الأمريكية الانتقائية قبل الأحداث خلقت شعورًا عالميًا بأن أمريكا تتصرف كقوة فوق القانون، لا تخضع لمساءلة، ولا تكترث بنتائج أفعالها على الأرض.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق اليوم .. استئناف حبس شقيقين 5 سنوات بتهمة الاعتداء على سيدات بالمنصورة
التالى "إي تاكس" تحتفي بنجاح وزارة المالية في "التسهيلات الضريبية"