بعد ثلاثة أشهر من الصمت والغموض، أزاحت إيران الستار رسمياً عن تعيين اللواء علي عبداللهي قائداً جديداً لغرفة العمليات المشتركة، في خطوة تعيد ترتيب البيت العسكري الإيراني بعد الضربات الموجعة التي تعرضت لها خلال حرب الاثني عشر يوماً في يونيو الماضي.
جاء الإعلان عبر بيان نشرته وسائل الإعلام الرسمية بمناسبة المولد النبوي، منهياً فترة من التكتم استمرت منذ مقتل قائدي الغرفة السابقين في غضون أيام خلال الحرب الأخيرة.
يحمل عبداللهي البالغ من العمر ستة وستين عاماً، خبرة عسكرية وأمنية تمتد لأكثر من أربعة عقود، يتولى هذا المنصب الحساس في لحظة بالغة التعقيد، حيث تواجه طهران ضغوطاً دولية متصاعدة حول برنامجها النووي وتهديدات عسكرية متجددة من إسرائيل.
وفي بيانه الأول، حاول القائد الجديد بث رسالة طمأنينة، مؤكداً أن القوات المسلحة للجمهورية الإسلامية في جاهزية كاملة لحماية كيان البلاد، وصون الأمن الوطني، والدفاع عن منجزات الثورة، وهي اليوم أكثر استعداداً مما كانت عليه قبل الحرب المفروضة الأخيرة.
خلفية التعيين وتداعيات الحرب
لم يكن تعيين عبداللهي مفاجئاً للمراقبين، لكنه يأتي بعد فترة طويلة من التردد الإيراني في الكشف عن هوية القائد الجديد، فخلال الحرب القصيرة لكن المدمرة في يونيو الماضي، فقدت إيران قائدي الغرفة المشتركة في غضون أيام، حيث قتل اللواء غلام علي رشيد، في الساعة الأولى من الهجوم الإسرائيلي في الثالث عشر من يونيو، وخلفه اللواء علي شادماني الذي لم يعمر في المنصب أكثر من اثنتين وسبعين ساعة قبل أن يلقى مصير سلفه.
الحرب التي بدأت بضربات إسرائيلية استباقية على مواقع عسكرية ونووية إيرانية، مستهدفة عشرات القادة العسكريين والعلماء النوويين، مثلت نقطة تحول في الصراع الإيراني الإسرائيلي. وفقاً للرواية الإسرائيلية، كان الهدف من الهجوم منع طهران من امتلاك القنبلة النووية، لكنه أدى إلى تصعيد غير مسبوق دفع إيران للرد بإطلاق عملية الوعد الصادق الثالثة التي استهدفت مواقع داخل إسرائيل بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة.
مسيرة عبداللهي العسكرية والأمنية
انضم إلى الحرس الثوري في مايو عام 1979، بعد قيام الثورة الإسلامية بفترة قصيرة، وشارك في العمليات ضد الجماعات المسلحة في كردستان، وتقلد على مدى مسيرته مناصب عديدة منها نائب رئيس الأركان للشؤون التنسيقية، ونائب وزير الداخلية للشؤون الأمنية، ومنسق عام لقوات الشرطة، وحاكماً لمحافظتي جيلان وسمنان خلال عهد الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد.
في الحرس الثوري، شغل عبداللهي منصب نائب قادة الوحدة الجوية والبرية، مما منحه خبرة واسعة في مختلف صنوف القتال. لكن سجله ليس خالياً من الجدل الدولي، ففي يناير عام ألفين وعشرين، أدرجته الولايات المتحدة مع سبعة مسؤولين عسكريين وأمنيين كبار على لائحة العقوبات ضد الحرس الثوري، وذلك بعد أيام من مقتل الجنرال قاسم سليماني. واتهمته واشنطن بتعزيز أهداف مزعزعة لاستقرار النظام في المنطقة والعالم.
المشهد النووي والضغوط الدولية
يأتي تعيين عبداللهي في وقت تواجه فيه إيران ضغوطاً دولية متصاعدة حول برنامجها النووي. فبعد الضربات الإسرائيلية التي استهدفت منشآت نووية رئيسية بما فيها نطنز وأصفهان، وجدت طهران نفسها في موقف دفاعي تحاول من خلاله إعادة بناء قدراتها النووية مع تجنب مواجهة دولية جديدة.
وتزامنا مع ذلك فعلت الترويكا الأوروبية، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، آلية سناب باك التي قد تعيد العقوبات الدولية على إيران، وسط مخاوف من أن مخزون طهران من اليورانيوم المخصب بنسبة ستين في المائة قد يكون كافياً نظرياً لإنتاج ما لا يقل عن عشر قنابل نووية إذا ما رفع مستوى التخصيب إلى تسعين في المائة.
وأعربت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن قلق بالغ من تعليق إيران للتعاون وغياب عمليات التفتيش منذ أكثر من شهرين ونصف، فيما ردت إيران بعرض محدود يقترح العودة إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة ثلاثة فاصل سبعة وستين في المائة فقط، لكنها تمتنع عن دخول المفتشين الدوليين إلى المنشآت النووية التي تعرضت للقصف.
وينظر المحللون إلى هذا العرض بتشكك، معتبرين أنه لا يمثل تحولاً جوهرياً في الموقف الإيراني، خاصة وأن طهران لا تتطرق في عرضها إلى مصير الأربعمائة كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب الذي تمتلكه.
مستقبل المفاوضات ومخاطر المواجهة
في ظل هذا المناخ المشحون، يبدو طريق العودة إلى طاولة المفاوضات النووية شائكاً وغير واضح المعالم، فإدارة ترامب تواصل سياسة الضغط الأقصى عبر فرض عقوبات جديدة، بينما تتهم طهران واشنطن بعدم الجدية في المفاوضات والتحدث فقط عن المفاوضات دون الحضور إليها، على حد تعبير علي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.
ويزيد الانقسام الدولي حول كيفية التعامل مع الملف النووي الإيراني الموقف تعقيداً، فبينما تحاول أوروبا فرض ضغوط عبر آلية سناب باك، تبدو روسيا والصين إلى جانب طهران، معتبرين الخطوة الأوروبية معيبة قانونياً وإجرائياً.
في الخلفية، تلوح في الأفق مخاطر مواجهة عسكرية جديدة، خاصة مع تراكم اليورانيوم عالي التخصيب وعدم وجود رقابة دولية فعالة. المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي حذر بأن الوقت ينفد، وأن استئناف عمليات الرقابة يجب أن يتم دون تأخير.