تصاعدت، الأربعاء، التوترات في شيكاغو، ثالث أكبر مدينة في الولايات المتحدة، مع إعلان الرئيس دونالد ترامب عن خطط لنشر قوات الحرس الوطني لمكافحة الجريمة، مما أثار مواجهة محتملة بين الحكومة الفيدرالية وقادة المدينة.
وعبر منشور على منصة "تروث سوشال"، وصف ترامب شيكاغو بأنها "أسوأ وأخطر مدينة في العالم"، متهمًا عمدة المدينة براندون جونسون وحاكم ولاية إلينوي جاي بي بريتزكر بالفشل في التصدي للجريمة، ومؤكدًا أنه سيحل المشكلة "بسرعة" كما فعل في واشنطن العاصمة.
وقال ترامب في البيت الأبيض: "سنذهب إلى هناك، لكنني لم أحدد متى"، معبرًا عن تصميمه على المضي قدمًا رغم الاعتراضات المحلية القوية.
وأشار إلى نجاحه في واشنطن العاصمة كنموذج، داعيًا حاكم إلينوي إلى التعاون معه، لكنه أكد أنه سيواصل خططه بغض النظر عن موقف بريتزكر، وفقًا لآندي روز، مراسلة شبكة "سي إن إن" الإخبارية.
معارضة محلية قوية ومخاوف من استهداف سياسي.. وبريتزكر: "إنها إهانة"
ندّد حاكم ولاية إلينوي جاي بي بريتزكر بخطط ترامب، واصفًا تصريحاته بأنها "غير متزنة" ومتهمًا إدارته بعدم التنسيق مع أجهزة إنفاذ القانون المحلية.
في مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء، قال بريتزكر: "ليس هناك حالة طوارئ تستدعي نشر القوات"، مشيرًا إلى أن وصف ترامب لشيكاغو بأنها "جحيم" يُعد إهانة لسكان المدينة.
وأضاف أن توقيت العمليات الفيدرالية المزعومة يتزامن بشكل مثير للريبة مع احتفالات يوم الاستقلال المكسيكي في حي بيلسن اللاتيني، مما قد يؤجج التوترات في المجتمعات اللاتينية.
كما أكد بريتزكر أن الولاية مستعدة لخوض معركة قانونية ضد أي نشر للقوات، مشددًا على أن الحكام عادةً يسيطرون على ميليشيات ولاياتهم، على عكس واشنطن العاصمة التي تخضع لسيطرة فيدرالية.
وفي رسالة مشتركة مع حكام ديمقراطيين آخرين يوم الخميس، حذر بريتزكر من أن نشر الحرس الوطني دون موافقة الحاكم يُعد "إساءة استخدام للسلطة" ويُضعف مهمة أفراد الخدمة، وفقًا لصحيفة "بوليتيكو".
عملية هجرة فيدرالية مرتقبة وانقسام الآراء
كشفت مصادر في إدارة ترامب أن خطط نشر القوات الفيدرالية في شيكاغو تُعد منذ أسابيع، مع تركيز أولي على عملية هجرة موسعة بقيادة وكالة الهجرة والجمارك (ICE)، تشمل 200 من مسؤولي الأمن الداخلي، مع استخدام قاعدة البحرية في البحيرات العظمى كمركز قيادة.
تلقى مسؤولو إلينوي إشعارًا يوم السبت من وكالة حماية الحدود ببدء عمليات الهجرة في وقت لاحق من الأسبوع، وفقًا لتقرير صحيفة "شيكاغو صن تايمز".
ومع ذلك، أكدت نائبة الحاكم جوليانا ستراتون أن "التواصل لا يعني التنسيق"، مشيرة إلى غياب حوار مباشر من البيت الأبيض.
ومن جانبه، حذّر بريتزكر من أن هذه العمليات قد تستهدف المجتمعات اللاتينية بشكل غير عادل، متوقعًا ظهور مقاطع فيديو لاعتقال أمهات وآباء أثناء توجههم للعمل أو اصطحاب أطفالهم.
في المقابل، دعا عضو مجلس المدينة ريموند لوبيز إلى قبول الموارد الفيدرالية، مشيرًا إلى أن نشر الحرس الوطني في أماكن مثل شارع ميشيغان أو محطات النقل العام يمكن أن يخفف العبء عن الشرطة المحلية، لكنه رفض وصف ترامب لشيكاغو بأنها "عاصمة القتل".
وأعلن ائتلاف حقوق المهاجرين واللاجئين في إلينوي، بقيادة براندون لي، عن خطط لتنظيم احتجاجات في وسط المدينة إذا بدأت العمليات الفيدرالية.
انخفاض معدلات الجريمة وسط مخاوف من تصعيد
لفتت صحيفة نيويورك تايمز إلى أنه على الرغم من تصريحات ترامب القاسية، أظهرت بيانات رسمية انخفاضًا ملحوظًا في معدلات الجريمة في شيكاغو خلال 2025، مع انخفاض بنسبة 33% في جرائم القتل و38% في إطلاق النار خلال النصف الأول من العام، وانخفاض عام في الجرائم العنيفة بنسبة 21.4%.
ومع ذلك، شهدت عطلة عيد العمال أحداث عنف دامية، حيث قُتل سبعة أشخاص وأصيب 56 آخرون بالرصاص، وفقًا لتقارير الشرطة الأولية. استشهد ترامب بحادثة وقعت قبل أسبوعين، حيث قُتل ستة أشخاص وأصيب 24 آخرون بالرصاص، لتبرير تدخله، واصفًا شيكاغو بأنها "جحيم الآن".
ومع ذلك، شككت سكان مثل روشيل سايكس في دقة إحصاءات الجريمة بعد إلغاء عقد المدينة مع تقنية "شوت سبوتر"، مشيرة إلى أن أحفادها لا يستطيعون اللعب خارج المنزل خوفًا من الرصاص.
عارض سكان آخرون مثل سيدريك هوكينز، الذي فقد تسعة أقارب بسبب العنف المسلح، نشر القوات العسكرية، محذرًا من أنها قد تجعل المجتمعات تشعر "كأنها مسجونة".
تحديات قانونية وسابقة تاريخية
يواجه ترامب تحديات قانونية كبيرة في شيكاغو، حيث لا يملك السلطة المباشرة التي يتمتع بها في واشنطن العاصمة. أشار أندرو مكابي، المحلل الأمني في "سي إن إن"، إلى أن نشر القوات الفيدرالية في المدن غير العاصمة سيكون "مختلفًا تمامًا" من الناحية القانونية.
في يونيو 2025، استخدم ترامب الحرس الوطني في لوس أنجلوس ضد إرادة الحاكم، لكن قاضيًا فيدراليًا حكم يوم الثلاثاء بأن هذا التصرف انتهك قانون "بوسي كوميتاتوس"، مما قد يحد من قدرة ترامب على تكرار هذا النهج في مدن أخرى.
ومع ذلك، لا ينطبق الحكم مباشرة على إلينوي، مما يترك المجال مفتوحًا لتحديات قانونية جديدة. أكد بريتزكر أن الولاية ستتخذ إجراءات قانونية فورية، مشيرًا إلى أن نشر القوات دون موافقة الحاكم يُعد إساءة استخدام للسلطة.
تاريخيًا، كانت آخر مرة شهدت شيكاغو تدخلًا عسكريًا فيدراليًا ضد إرادة المسؤولين المحليين في 1894 خلال نزاع عمالي، مما يجعل خطط ترامب سابقة خطيرة.
حذرت نائبة الحاكم ستراتون من أن ترامب يسعى لـ"تطبيع" الوجود العسكري في المدن الأمريكية، وهو أمر وصفته بأنه "غير طبيعي ولا يمكن قبوله".
انتقادات لسياسات ترامب ودعوات لتدخل بديل
انتقد عمدة شيكاغو براندون جونسون إدارة ترامب لعدم تركيزها على مكافحة الاتجار غير القانوني بالأسلحة، الذي يعتبره السبب الرئيسي للعنف في المدينة.
وقال: "هذا الرئيس لا يهتم بالعنف المسلح"، مشيرًا إلى أن الإدارة قامت بقطع تمويل برامج منع العنف التي أثبتت فعاليتها.
أصدر جونسون أمرًا تنفيذيًا يوم السبت للحد من التعاون مع الوكلاء الفيدراليين في عمليات الهجرة، مؤكدًا أن الشرطة المحلية لن تشارك في دوريات مشتركة أو عمليات اعتقال.
كما دعا النائب العام كوامي راؤول إلى تخصيص موارد إضافية لوكالات مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي وإدارة مكافحة المخدرات بدلًا من التدخل العسكري، مشيرًا إلى أن الحرس الوطني غير مدرب لأداء مهام إنفاذ القانون المحلي.
في الوقت نفسه، أشاد ترامب بعمدة واشنطن العاصمة موريل باوزر لتعاونها معه، وحث بريتزكر على اتباع نهجها، لكنه أصر على أن لديه "التزامًا بحماية البلاد" بغض النظر عن موافقة الحاكم.