يُعد سد النهضة، الواقع على النيل الأزرق في إثيوبيا، حاجزًا هندسيًا غير مسبوق بضخامته، حيث يبلغ طوله حوالي 1.8 كيلومتر (1800 متر) وارتفاعه 145 مترًا، مع عرض يصل إلى 40 مترًا عند القاعدة، ما جعله أحد أضخم السدود في إفريقيا.
وبسعته التخزينية الهائلة التي تصل إلى 74 مليار متر مكعب، يُشكل هذا السد تحديًا غير مسبوق لحوض النيل.
ومنذ أواخر أغسطس الماضي، يشهد النيل الأزرق في السودان انخفاضًا غير مسبوق في مستويات المياه، مما عطل موسم الفيضان السنوي بين يوليو وأكتوبر، الذي يعتمد على الأمطار الغزيرة من الهضبة الإثيوبية.
وفقًا لتصريحات خبراء نشرتها صحفة "أفريكا ريبورت"، يُعزى هذا الاستنزاف إلى اكتمال ملء السد، الذي احتجز كميات هائلة من مياه الفيضان، تمهيدًا لافتتاحه الرسمي في منتصف سبتمبر الجاري.
وبينما تصر إثيوبيا على أن السد أداة للتعاون وتبادل المنافع، تتزايد مخاوف مصر والسودان من تأثيراته الكارثية على أمنهما المائي، خاصة في ظل غياب اتفاق قانوني ملزم ينظم إدارته.
ويحذر الخبراء من أن هذا الوضع قد يفاقم التوترات الإقليمية، مع مخاطر مباشرة على الزراعة، الكهرباء، والبيئة في الدول المشاطئة، مما يبرز الحاجة الملحة لتعاون إقليمي عادل يضمن الاستدامة ويمنع التصعيد، وفقًا لتقرير نشره موقع “راديو دابونجا” الناطق بالإنجليزية.
المخاوف المصرية: تهديد الأمن المائي والاقتصادي
تعتمد مصر على نهر النيل لتأمين حوالي 97% من مواردها المائية، مما يجعل سد النهضة تهديدًا مباشرًا لحصتها المائية، خاصة مع سعته الهائلة التي تفوق بكثير سعة السد العالي في أسوان (162 مليار متر مكعب، بما في ذلك التخزين الميت).
تشير التقارير إلى أن ملء السد دون تنسيق قد يقلل تدفق المياه إلى مصر بنسبة تصل إلى 25 مليار متر مكعب سنويًا، مما يؤثر على إنتاج الكهرباء والري الزراعي، ويعرض ملايين المزارعين لخطر فقدان سبل العيش.
ويحذر الخبراء من أن هذا النقص قد يتسبب في أزمة غذائية واقتصادية غير مسبوقة، خاصة في فترات الجفاف، حيث يمكن أن يؤدي إلى فقدان ثلث الأراضي الزراعية في مصر، كما أن غياب دراسات بيئية شاملة وشفافة، رغم مطالبات مصر المتكررة، يعزز الشكوك حول النوايا الإثيوبية، التي تدعي أن السد لن يضر بالدول المتدفقة، بينما الواقع يكشف عن تأثيرات سلبية ملموسة.
تحديات تواجه السودان: تعطيل الزراعة ومخاطر الفيضانات
في السودان، أدى استنزاف مياه النيل الأزرق إلى اضطرابات كبيرة في الزراعة، لا سيما في مشروع الجزيرة، الذي يعتمد على الفيضانات الطبيعية لتجديد التربة.
التقارير أكدت أن انخفاض مستويات المياه حال دون هذه الفيضانات، مما قلل من خصوبة الأراضي وأثر على الإنتاج الزراعي، وحذر الخبراء السودانيون من أن فتح بوابات السد فجأة قد يتسبب في فيضانات كارثية، تهدد مدنًا مثل الخرطوم، مما يناقض الرواية الإثيوبية التي تزعم أن السد سيحسن إدارة الفيضانات.
كما أن سعة السد الهائلة تفوق بكثير سعة السدود السودانية مثل الروصيرص (7 مليارات متر مكعب) ومروي (12 مليار متر مكعب)، مما يجعل السودان عاجزًا عن تعويض النقص الناتج عن احتجاز المياه في إثيوبيا، وتكشف هذه التحديات عن مخاطر السد على السودان، رغم ادعاءات إثيوبيا بأن السد سيوفر تدفقات مائية مستقرة تفيد الزراعة.
دحض الرواية الإثيوبية: تناقض الادعاءات مع الواقع
تُروّج إثيوبيا، عبر تصريحات مسؤوليها مثل وزير المياه والطاقة هابتامو إيتيفا جيليتا، أن سد النهضة لن يضر بالدول المتدفقة، بل سيوفر فوائد مثل تنظيم الفيضانات وتوليد الكهرباء بتكلفة منخفضة، ولكن هذه المزاعم التي تأتي على لسان المسؤولين من أديس أبابا تتناقض مع الواقع، حيث أدى ملء السد إلى انخفاض حاد في تدفقات النيل الأزرق، مما أثر سلبًا على الزراعة والكهرباء في كل من السودان ومصر.
ووصف خبراء السد بـ"القنبلة المائية"، محذرين من إمكانية استخدامه كأداة سياسية، لفرض النفوذ علاوة على ذلك، تشير دراسات إلى أن السد قد يتسبب في تسربات مائية كبيرة إلى الفوالق الجيولوجية في إثيوبيا، مما يزيد من مخاطر الزلازل، وهو ما يناقض مزاعم إثيوبيا عن سلامة السد.
ومن الناحية البيئية، تدعي إثيوبيا أن السد سيقلل الرواسب بنسبة 50%، مما يحسن كفاءة الري. ولكن هذا التخفيض يهدد خصوبة الأراضي في السودان، التي تعتمد على الطمي لتجديد التربة، مما قد يؤدي إلى التصحر وتدهور الإنتاج الزراعي.
كما أن غياب اتفاق قانوني ملزم، رغم عقود من المفاوضات، يكشف عن نهج إثيوبيا الأحادي، الذي يعطي الأولوية لمصالحها الوطنية على حساب الدول المجاورة، مما يناقض تصريحاتها عن التعاون الإقليمي.
وفي ظل هذه التحديات، تظل الدعوات لتفاوض عادل وشامل هي الحل الوحيد لتجنب تصعيد الصراع وضمان استدامة موارد النيل لجميع دول الحوض.