بدأ تطبيق قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب الجديد بفرض تعرفة جمركية 50% على الواردات من الهند، وهو تصعيد اقتصادي أثار جدلًا واسعًا في أسواق الطاقة والتجارة العالمية.
وأوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن القرار يأتي فوق تعرفة سابقة بنسبة 25%، وهو ما يعكس نهج ترمب التصعيدي تجاه الدول التي ترتبط بعلاقات مع روسيا.
وأشار الحجي إلى أن قرار ترمب جاء في ظل اتهامات للهند باستيراد كميات كبيرة من النفط الروسي وإعادة تكريره وتصديره إلى أوروبا، ما يثير نقاشًا عالميًا حول ازدواج المعايير الغربية في التعامل مع شركاء موسكو.
ويضيف أن هذه الخطوة تحمل أبعادًا سياسية أكثر من كونها اقتصادية، إذ تُظهر كيف يمكن توظيف قرارات التجارة والجمارك في صراعات جيوسياسية أوسع، خاصة في ظل دور الهند المتزايد في أسواق النفط العالمية.
جاء ذلك خلال حلقة جديدة من برنامج "أنسيات الطاقة"، قدّمها أنس الحجي عبر مساحات منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، بعنوان "مستجدات أسواق النفط والغاز: ترمب والهند، ولبنان، والغاز الصخري بالجزائر".
خلفيات قرار التعرفة الجديدة
أكد أنس الحجي أن تعرفة ترمب الجديدة بنسبة 50% تأتي استكمالًا لتعرفة سابقة مقدارها 25%، فُعِّلَت سابقًا، وهذا التراكم في الرسوم يعكس رؤيته القائمة على الضغط المزدوج لإحداث تغيير في سلوك الدول المستهدفة.
وأشار إلى أن الاتهامات الموجهة للهند بأنها تستورد النفط الروسي وتعيد تصديره لتحقيق أرباح ليست دقيقة، إذ إن البيانات الرسمية تُظهر أن حجم صادرات المنتجات النفطية الهندية لم يتغير قبل حرب أوكرانيا وبعدها.
التغيير الرئيس الذي حدث -وفق أنس الحجي- هو اتجاهات الصادرات فقط، إذ تحولت الشحنات بدلًا من آسيا إلى أوروبا، مدعومة بتوسُّع مصافي التكرير الخليجية في الكويت والإمارات وعمان، وهو ما قلَّل الاعتماد الأوروبي على المصافي الهندية.
وبيّن أن مستشار ترمب للشؤون الاقتصادية، الذي ارتبط اسمه بفكرة الرسوم الجمركية، يثير جدلًا واسعًا في الولايات المتحدة بتغريداته وتصريحاته، ما يعكس حالة من الارتباك داخل الإدارة السابقة والحالية.
وأضاف أن هذا المستشار جاء من خلفية غامضة، بعد أن عثر عليه كوشنر عبر كتاب مغمور في موقع أمازون، ثم قُدِّم إلى ترمب، ووُظِّفَ في موقع مؤثّر رغم غياب الخبرة العميقة، وهو ما يثير دهشة المراقبين.
وأكد أن استمرار الاعتماد على مثل هذه الشخصيات في رسم السياسات الاقتصادية يعكس ضعفًا مؤسسيًا في عملية صنع القرار، ويجعل قرارات حساسة مثل الرسوم الجمركية عرضة لتأثيرات غير موضوعية.
ولفت إلى أن هذا يفسّر جزئيًا التناقضات بين البيانات الرسمية والتصريحات الإعلامية، إذ إن الروايات الموجّهة للرأي العام كثيرًا ما تتناقض مع الحقائق المثبتة حول تدفقات النفط والغاز عالميًا.
ازدواج المعايير في اتهام الهند
قال أنس الحجي، إن المبرر الرئيس لتعرفة ترمب هو اتّهام الهند بأنها تموّل الحرب الروسية من خلال استيراد النفط وإعادة تصديره، إلّا أن الواقع يكشف ازدواجًا في المواقف بين الدول الغربية.
وأوضح أن الاتحاد الأوروبي ما زال يستورد كميات ضخمة من الغاز الروسي، ومع ذلك لم يُتَّهم بدعم الحرب في أوكرانيا، وهو ما يطرح تساؤلات حول سبب استهداف الهند تحديدًا بهذا الحجم من الانتقادات والإجراءات.
الولايات المتحدة نفسها -بحسب أنس الحجي- زادت وارداتها من روسيا خلال الأشهر الـ5 الأولى من 2025 بنسبة 23% مقارنة بالمدة نفسها من العام الماضي، ما يُظهر تناقضًا صارخًا مع الخطاب الرسمي الموجّه ضد الهند.
وبيّن أن تركيا بدورها تستورد كميات من النفط الروسي، وتعيد تصديرها إلى أوروبا بمستويات تفوق صادرات الهند، ورغم ذلك لم تُستهدف من ترمب أو حتى من إدارة بايدن بالقدر نفسه من الانتقادات.
وأضاف أنّ تجاهل الصين في هذا السياق يُثير علامات استفهام أكبر، إذ تستورد بكميات ضخمة من روسيا دون أن تواجه الضغوط نفسها، وهو ما يعكس استناد قرار ترمب إلى اعتبارات سياسية أكثر منها اقتصادية.
وأكد الحجي أن بيانات الصادرات الهندية منذ ما قبل الغزو الروسي حتى الآن لم تُظهر زيادات كبيرة في الحجم، بل تغييرات في الوجهات النهائية فقط، وهو ما يُفنّد مزاعم بأنها تجني أرباحًا استثنائية من هذه التجارة.
ولفت إلى أن هذه الحقائق تجعل المبررات الرسمية للتعرفة موضع شك، وتُظهر أن قرار ترمب قد يكون جزءًا من إستراتيجية أوسع لإعادة تشكيل التوازنات في أسواق الطاقة والتجارة العالمية.
العقوبات الأوروبية وتعقيدات الإمدادات
أوضح أنس الحجي أن الاتحاد الأوروبي فرض 17 حزمة متتالية من العقوبات على النفط الروسي خلال عامين ونصف العام، لكنها لم تؤثّر فعليًا في تدفقات الخام إلى الهند، التي واصلت استيراده عبر مسارات بحرية معقدة.
وأشار إلى أن السفن الروسية كانت تعبر الممرات البحرية الأوروبية -بما فيها قناة السويس والبحر الأحمر- متجهةً إلى الهند، ثم عائدة إلى أوروبا، رغم العقوبات، ما يعكس محدودية فاعلية تلك الإجراءات على أرض الواقع.
ولكن، الانعطاف جاء مع العقوبات الأوروبية رقم 18، التي استهدفت مصفاة هندية مملوكة جزئيًا لشركة روسنفط، ما أدى إلى توقُّف بعض الشحنات في البحر الأحمر قرب جدة، في حالة من الترقب والضبابية.

وهذا التوقف لم يكن بسبب ضغوط ترمب المباشرة، بل نتيجة غياب الوضوح حول كيفية التعامل مع السفن المتجهة إلى المصافي الخاضعة للعقوبات، ما أدى إلى تأخير وصول الشحنات وتعطيل حركة التجارة.
وأكد الحجي أن هذه الأزمة أظهرت أن الضبابية وعدم اليقين هما أكبر التحديات أمام استقرار الإمدادات النفطية، إذ تخشى الشركات من خرق محتمل للعقوبات دون معرفة العواقب القانونية أو المالية بدقّة.
وقال، إن مثل هذه التوترات يجعل القرارات السياسية -مثل تعرفة ترمب الجمركية- أكثر تعقيدًا في التنفيذ، إذ تتداخل مع العقوبات الأوروبية والتغيرات في مواقف الدول الآسيوية والخليجية تجاه تجارة النفط الروسية.
واختتم حديثه بأن ما يحدث اليوم يعكس صورة أشمل للتشابك بين السياسات التجارية والعقوبات الجيوسياسية، وهو ما يجعل قرارات مثل تعرفة ترمب ذات تأثير يتجاوز حدود التجارة، ليطال بنية الأمن الطاقي العالمي.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر..