رهبنة مار فرنسيس للعلمانيّين، المعروفة أيضًا بـ”الرهبنة الفرنسيسكانيّة الثالثة”، أسّسها القدّيس فرنسيس الأسيزي سنة 1213، بعد أن لاحظ التهافت الكبير من قبل العلمانيّين – أي غير المنتسبين إلى الحياة المكرّسة – لاتباع نمط حياته. وبعد أن أسّس رهبنة الإخوة الأصاغر ورهبنة القدّيسة كلارا للنساء، شعر فرنسيس بحاجّة لتلبية رغبة الناس العاديين في عيش روحانيّته، فأنشأ لهم مسارًا خاصًا في الحياة الروحيّة سُمّي حينها بـ”إخوة وأخوات التوبة”، وتحوّل لاحقًا إلى رهبنة مار فرنسيس للعلمانيّين.
الحضور في لبنان
في أوائل القرن العشرين، عمل الطوباوي يعقوب الكبّوشي على نشر هذه الرهبنة في لبنان، حيث ترسّخت وتوسّعت لتشمل اليوم أكثر من 30 فرعًا موزّعة على مختلف المناطق اللبنانيّة، مع مركز وطني في كنيسة البادري بيو – جلّ الديب.
ما الذي يميّز هذه الرهبنة؟
رهبنة مار فرنسيس للعلمانيّين هي رهبنة حقيقيّة، كما أكّد العديد من الباباوات، أبرزهم بندكتس الخامس عشر، بيوس الحادي عشر، والقدّيس يوحنّا بولس الثاني. وهي تضمّ رجالاً ونساءً يعيشون في العالم، في بيوتهم وعائلاتهم، ولكن يلتزمون بأسلوب حياة روحاني فرنسيسكاني، يقوم على التوبة، البساطة، المحبّة وخدمة الآخرين.
الرهبنة لا تقتصر فقط على العلمانيين، بل يمكن أن ينتمي إليها أيضًا كهنة وشمامسة وأساقفة من الإكليروس غير المنتمين إلى الحياة الرهبانيّة المكرّسة.
قدّيسون من الرهبنة
تضمّ رهبنة مار فرنسيس للعلمانيّين عددًا كبيرًا من القدّيسين والطوباويّين الذين عاشوا حياتهم في العالم ولكن بروح فرنسيسكانيّة أصيلة. من أبرزهم: القدّيسة أليصابات المجريّة (شفيعة الرهبنة) ولويس التاسع ملك فرنسا (شفيع الرهبنة) والقدّيس فيليبّو نيري والقدّيس إغناطيوس دي لويولا والقدّيس ألفونس ماري دو ليغوري والقدّيس جان ماري فيانييه (خوري آرس) والقدّيس يوحنّا بوسكو (دون بوسكو)
وقد وثّق يوسف الترك، الخادم الوطني للرهبنة في لبنان، أسماء هؤلاء في كتابه “نور في الكنيسة”.
باباوات من الرهبنة
من اللافت أنّ عدداً من باباوات الكنيسة الكاثوليكيّة انتموا إلى رهبنة مار فرنسيس للعلمانيّين، ومنهم سلسلة متواصلة من سبعة باباوات في القرنين التاسع عشر والعشرين: البابا بيوس التاسع (1846-1878) والبابا لاون الثالث عشر (1878-1903) والبابا بيوس العاشر (1903-1914) والبابا بندكتس الخامس عشر (1914-1922) والبابا بيوس الحادي عشر (1922-1939) والبابا بيوس الثاني عشر (1939-1958) والبابا يوحنّا الثالث والعشرون (1958-1963)
كيف يتمّ الانتساب إليها؟
يُتاح لأي مؤمن أو مؤمنة يرغب في عيش الروحانيّة الفرنسيسكانيّة الانتساب إلى الرهبنة من خلال الفروع المحليّة أو المركز الوطني في جلّ الديب.
مراحل الانتساب: فتره التعرّف (6 أشهر إلى سنة): يلتقي خلالها الشخص بأعضاء الفرع ويتعرّف على الروحانيّة ومرحله الابتداء (سنة): تنشئة روحيّة دون تغيير نمط الحياة اليومي والنذر الموقّت (سنة قابلة للتجديد): التزام أولي. والنذر المؤبّد: بعد سنتين من التقدّم، يصبح الشخص عضوًا كاملاً في الرهبنة.
طوال هذه المسيرة، يلتزم العضو بالعيش وفق روح القدّيس فرنسيس، والمشاركة في لقاءات ونشاطات جماعة “الأخوّة” التي ينتمي إليها.
رهبنة مار فرنسيس للعلمانيّين ليست مجرّد حركة روحيّة بل هي رهبنة حقيقيّة تعيش في قلب العالم، وتشكّل جسراً حيّاً بين الحياة الروحيّة والواقع اليومي. هي دعوة إلى قداسة بسيطة، عمليّة، تنبع من قلب الإنجيل وروح القدّيس فرنسيس الأسيزي.