الحرس الثورى من ميليشيا عسكرية إلى إمبراطورية اقتصادية
وصل وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، إلى نيودلهى يوم الإثنين، ساعيًا إلى استغلال الخلاف المتزايد بين الهند والولايات المتحدة لبناء علاقات أقوى مع العملاق الآسيوى الآخر. وتأتى زيارته - وهى الأولى منذ ثلاث سنوات - بعد أيام من تهديد الرئيس دونالد ترامب لحكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودى بفرض رسوم جمركية شاملة بنسبة ٥٠٪ على الواردات. وتُهدد هذه الخطوة بتقويض سنوات من الجهود الأمريكية الرامية إلى تقريب الهند من بكين كقوة موازنة استراتيجية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، قبل الزيارة: "الصين والهند دولتان ناميتان رئيسيتان وعضوان مهمان فى دول الجنوب العالمي". ووصف رؤية بكين للشراكة مع الهند بأنها "مشهد تعاونى بين التنين والفيل".
من الحرب الباردة إلى تحالفات جديدة
يعكس تحول موقف الهند بعضًا من أهم التغييرات الجارية فى الجغرافيا السياسية العالمية. خلال الحرب الباردة، اعتمدت نيودلهى على الأسلحة السوفيتية، بينما عارضت علاقات واشنطن مع كل من الصين وباكستان.
على مدار العقدين الماضيين، بدأت الهند بشراء الأسلحة الأمريكية، وشكّلت شراكة عمل مع ترامب خلال ولايته الأولى، عززتها شكوك متبادلة تجاه بكين. فى عهد الرئيس جو بايدن، حاولت واشنطن إضفاء طابع رسمى على هذا التحالف من خلال "الرباعية" - وهى تجمع يضم الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا، يهدف إلى مواجهة النفوذ الصينى فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ.
لكن فى ولايته الثانية، انقلب ترامب على نيودلهي، كما فعل مع شركاء أمريكيين آخرين مثل فيتنام، معطيًا الأولوية للمظالم التجارية. يتجاوز تهديد التعريفات الجمركية ضد الهند حتى تلك المفروضة على الصين بموجب أحدث إطار عمل تجارى بين الولايات المتحدة والصين.
الاعتماد على الذات والتقارب
بالنسبة للهند، يُعدّ الضغط مؤلمًا للغاية. فعلى عكس اقتصاد الصين الراسخ القائم على التصدير، لا تزال الهند تسعى جاهدة لتنمية قاعدتها الصناعية وجذب الاستثمار الأجنبي. دفعت رسوم واشنطن الجمركية، التى بررتها الهند بشراء النفط الروسي، مودى إلى إحياء دعوات "الاعتماد على الذات" فى المجالين الصناعى والزراعى علنًا.
والأهم من ذلك، أن مودى أعاد فتح المحادثات مع بكين بشأن النزاعات طويلة الأمد، بما فى ذلك الحدود المتنازع عليها فى جبال الهيمالايا، حيث اندلعت اشتباكات دامية قبل خمس سنوات. كما أبدت حكومته استعدادها للانخراط بشكل أكبر فى المبادرات التى تقودها الصين.
عامل منظمة شنغهاى للتعاون
بعد زيارة وانغ، من المتوقع أن يسافر مودى إلى الصين فى أغسطس لحضور قمة منظمة شنغهاى للتعاون. غالبًا ما توصف هذه المنظمة بأنها "معادية لحلف الناتو"، وتضم الصين وروسيا والهند وإيران، وقد عانت تاريخيًا من العداء الصينى الهندي.
تأمل بكين فى تغيير هذه الديناميكية، من خلال وضع هذه المجموعة فى إطار "نظام عالمى جديد" يقلل الاعتماد على التحالفات الغربية. وفى لقاء مع وانغ، ردد وزير الخارجية الهندى سوبراهمانيام جايشانكار موقف الصين، مؤكدًا على ضرورة الاعتراف بالهند كقوة مساوية لها. قال: "عندما تلتقى أكبر دولتين فى العالم، من الطبيعى أن يُناقش الوضع الدولي".
انفتاح استراتيجى لبكين
مع إضعاف روسيا بسبب الحرب وتزايد اعتمادها على الصين، يُتيح الشقاق بين الولايات المتحدة والهند فرصًا جديدة لبكين لتعزيز نفوذها فى آسيا. ولا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت نيودلهى ستتجه كليًا نحو الصين، لكن زيارة وانغ تُبرز مدى سرعة إعادة تشكيل التحالفات العالمية من خلال نهج ترامب القائم على المعاملات فى السياسة الخارجية.
* التايمز
