أخبار عاجلة
أفضل شهادات البنك الأهلي المصري 2025 -

معركة «الوعي»: بناء الإنسان في عصر «التريندات»

معركة «الوعي»: بناء الإنسان في عصر «التريندات»
معركة «الوعي»: بناء الإنسان في عصر  «التريندات»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

شهد الأسبوع الثاني من أغسطس الجاري، انعقاد اجتماعين رئاسيين بارزين عكسا إدراك الدولة المصرية لتصاعد مخاطر «معركة الوعي». تناول الاجتماع الأول وضع خارطة طريق شاملة لتطوير الإعلام المصري، وضمان إتاحة المعلومات والبيانات للإعلاميين في أوقات الأزمات، وإعادة تدريب الكوادر الإعلامية بما يواكب تحديات العصر. أما الاجتماع الثاني فجاء مع قيادات الهيئة الوطنية للإعلام، حيث وجه السيد الرئيس بضرورة رقمنة كامل تراث الإذاعة والتلفزيون المصري وحفظه ضمن منصة رقمية جديدة، إلى جانب إطلاق الموقع العالمي لإذاعة القرآن الكريم لحماية تراث القراء والمبتهلين منذ تأسيس الإذاعة عام 1964.

هذه الخطوات أكدت أن المعركة في الألفية الثالثة باتت تدور في فضاء الثقافة والإعلام والدراما والتعليم، في مواجهة تحديات رقمية وموجات تريندات سريعة تعيد هندسة تفضيلات المجتمع وتكوينه القيمي والثقافي.

الرؤية الرئاسية

أظهرت توجيهات السيد الرئيس عن تبني الدولة رؤية شاملة لتطوير الإعلام، تقوم على ثلاثة مرتكزات رئيسية: أولها إعادة بناء المهنية عبر تدريب الكوادر الشابة وتنظيم برامج تثقيفية وإعلامية تركز على مفاهيم الأمن القومي والانفتاح الفكري، وثانيها إعلاء قيمة الشفافية من خلال إتاحة المعلومات للإعلاميين حتى لا تتحول الأزمات إلى ساحة للشائعات والمغالاة في الطرح أو النقص في العرض، وثالثها تعزيز الحرية المسؤولة من خلال احتضان الآراء الوطنية داخل المنظومة الإعلامية. هذه المرتكزات عكست إشكالية احتياج الإعلام إلى إعادة صياغة علاقته بالمجتمع كوسيط للمعلومة والتحليل والنقاش.

علاوة على ذلك، كشف القرار الرئاسي برقمنة محتوى الإذاعة والتلفزيون وتحويله إلى وسائط رقمية ضمن منصة جديدة، وإطلاق موقع عالمي لإذاعة القرآن الكريم، عن إدراك سياسي بأن الحفاظ على الهوية الثقافية لا يقل أهمية عن تطوير أدوات المستقبل، وأن الوعي الجمعي لا يمكن أن يتشكل من فراغ بل من جذور متينة تعيد للأجيال الجديدة صلتها بتراثها وهويتها. من هنا، يتضح أن الدولة تسعى للجمع بين معركة «المهنية» ومعركة «الذاكرة»، وهو تكامل ضروري في مواجهة الفضاء الرقمي المزدحم بالتريندات العابرة.

المنصات الرقمية بين الفضاء والرقابة

في موازاة هذه التحركات، برزت قضية صانعي محتوى «تيك توك» مؤخراً، كواحدة من أكثر الملفات جدلاً، فقد منحت الدولة إدارة التطبيق مهلة زمنية -ثلاثة أشهر- في محاولة لفرض «مواءمة قيمية» على فضاء مفتوح يتغذى على الجاذبية والابتكار والجرأة، ولضبط سياسات المحتوى بما يتناسب مع القيم المجتمعية المصرية، وذلك بعد سلسلة من الحوادث التي أثارت تحفظ واسع حول حدود ما يُبث على المنصات المفتوحة. وهو ما يشير إلى وعي الدولة بأن «المحتوى الرقمي» أصبح شريكاً رئيسياً في تشكيل وعي الشباب، وأحياناً في إعادة صياغة أولوياتهم وقيمهم اليومية.

التريندات كقوة موازية

في السنوات الأخيرة، ظهرت موجات متلاحقة من "التريندات" لتشمل تفاصيل الحياة اليومية التي غيرت خريطة الذوق العام، بعضها في الموسيقى والتي بدأت بأغاني المهرجانات وصولاً لألوان مختلفة من الموسيقى، وبعضها الآخر في الأزياء مثل موضة «الملابس الممزقة» التي واجهت رفضاً اجتماعياً في بدايتها لكنها تحولت إلى ظاهرة مقبولة بفعل التكرار والاستمرار. 

هنا يمكن استدعاء مقولة نعوم تشومسكي حول «استحسان البذاءة»، حيث يرى أن وسائل الإعلام تكرر الرسائل الرديئة حتى تصبح مقبولة، بل ومطلوبة، وهو ما يفسر كيف تحولت أغانٍ كانت تعتبر مبتذلة إلى جزء من الاحتفالات الاجتماعية. هذه الظواهر تفرض نفسها كقوة ثقافية موازية لأنها ترتبط بالترفيه والتسلية المباشرة.

الدراما تحاول بناء الوعي

على الجانب الآخر، حاول صناع الدراما -بناءً على التوجيهات الرئاسية- مواجهة هذا المد بوسيلة مختلفة، هي الدراما. ففي موسم رمضان 2025، عُرضت أعمال درامية لافتة حاولت مناقشة قضايا مجتمعية عميقة بطريقة مباشرة وقريبة من الجمهور. على سبيل المثال، تناول مسلسل "لام شمسية" قضية التحرش في المدارس وما تتركه من جراح في الطفولة، في محاولة لطرح خطاب وطني لحماية الأطفال ومساءلة المؤسسات التعليمية. أما مسلسل "ظلم المصطبة" فقد سلط الضوء على حقوق المرأة في الريف والعدالة الاجتماعية. فيما تناول مسلسل "أثينا" خطر الفضاء الرقمي المظلم (الدارك ويب) بما يحمله من تهديدات للانتحار والتسريبات والاختراقات. هذه الأعمال وغيرها، تمثل تطبيقاً عملياً لما دعا إليه الرئيس السيسي في أكثر من مناسبة بشأن «دور الدراما في تكوين وعي الأجيال»، حيث شدد على أن الفن ليس مجرد ترفيه وإنما أداة استراتيجية في بناء الإنسان.

ورغم هذه الجهود، يبقى التحدي في قدرة الدراما على منافسة المحتوى القصير والجاذب الذي تقدمه منصات التواصل الاجتماعي.

بين البيت والدولة.. أين يقع الحل؟

من خلال قراءة هذه المعطيات، يمكن القول إن الدولة المصرية تتحرك في اتجاهين متوازيين: الأول؛ بناء مؤسسات قوية قادرة على إنتاج وحفظ محتوى وطني رصين ليكون رصيداً إبداعياً وفكرياً للأجيال القادمة، والثاني؛ محاولة ضبط السلوك الرقمي. غير أن التحدي الأعمق يكمن في الفجوة بين ما تنتجه الوسائل الإعلامية وما يستهلكه الجمهور يومياً، إذ لا يمكن للمحتوى الموجه فقط أن يُغير سلوكيات متجذرة تتغذى عليها ملايين المقاطع القصيرة. هنا يظهر دور «البيت» و«الأسرة» بوصفهما الحلقة الأولى في بناء الوعي، فبينما يظل الإعلام الوطني والدراما أدوات مساندة لا يمكن أن تنجح وحدها إذا لم تجد بيئة أسرية ومجتمعية داعمة، إذ إن الوعي الجمعي يُبنى بتكامل التعليم والإعلام والأسرة.

ختاماً، إن معركة الوعي معركة وجودية تدور في كل تفاصيل الحياة التي تعيد صياغة الذوق العام، والخطر الحقيقي في تحول "التريندات" إلى معيار للمعيشة اليومية. ولذلك فإن النجاح في هذه المعركة مرتبط بالقدرة على تحقيق التكامل بين الدولة والأسرة والمدرسة والإعلام، وصياغة بدائل ثقافية واقتصادية قادرة على منافسة الرداءة بوسائل أكثر جاذبية وتأثيراً. إنها معركة طويلة الأمد، لكن "الوعي" بأنها معركة حقيقية هو الخطوة الأولى نحو الانتصار فيها.

* باحثة في الشؤون السياسية والإعلامية

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق رئيس البرلمان العربي يرحب بإعلان رئيس وزراء أستراليا عزم بلاده الاعتراف بالدولة الفلسطينية
التالى ترامب: الاجتماع كان جيدًا جدًا لكن بعض الخلافات ما زالت قائمة