أخبار عاجلة
أفضل شهادات البنك الأهلي المصري 2025 -

قمة ألاسكا.. اختفاء الدبلوماسية خلف الابتسامات

قمة ألاسكا.. اختفاء الدبلوماسية خلف الابتسامات
قمة ألاسكا.. اختفاء الدبلوماسية خلف الابتسامات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

انتهى اللقاء كما بدأ، بضجيج طائرات مقاتلة تحلق فوق قاعدة "إلمندورف ريتشاردسون" العسكرية في ألاسكا، وبمصافحة طويلة بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، ثم اختفاء سريع خلف ستار من الكلمات المبهمة.. لم تفلح قمة 16 أغسطس 2025 في إنجاز أي اتفاق لوقف الحرب في أوكرانيا، لكنها أنتجت مشاهد ستبقى في ذاكرة التاريخ. رأينا ترامب يصفق بحرارة بوتين وهو يسير على السجادة الحمراء، وشاهدنا بوتين يلوّح مبتسماً من نافذة الليموزين الرئاسية، والرجلان يتناقشان بلهجة أشبه بحوار صديقين قديمين عن زيارة مستقبلية إلى موسكو ستكلف ترامب "انتقادات لاذعة" كما اعترف بنفسه .

الطائرات الصاخبة والليموزين السريعة هما بداية المشهد حيث تم افتتاح القمة بما يشبه استعراض عسكري أمريكي، وكأنما تُعلن واشنطن قوتها قبل الجلوس للتفاوض، لكن المفارقة الأطرف حدثت في الطريق من المطار إلى مكان الاجتماع، حين ركب الزعيمان معاً في الليموزين الرئاسية دون مرافقين، لا مستشارين ولا حتى مترجمين.

مشهدٌ أثار تساؤلات الصحفيين ماذا دار في تلك الرحلة القصيرة؟ الإجابة الوحيدة تأتي من ترامب نفسه الذي قال إنهما تحدثا عن "العلاقات التاريخية" بين البلدين، بينما ظلت تفاصيل الحوار سراً بين الرجلين.. هذه الرحلة الصغيرة في السيارة استطاعت تحويل السيارة إلى قاعة مفاوضات متنقلة، وأضفت على اللقاء هالة من الغموض الذي طالما أحاط  بلقاءاتهما الثنائية.

مَشاهد ذات مغزى

هذه الزيارة لم تكن عفوية، فاختيار ألاسكا مكاناً للقمة يحمل دلالات تاريخية عميقة، إذ كانت خط مواجهة خلال الحرب الباردة، ولا تزال آثار الكنائس الأرثوذكسية واللغة الروسية شاهداً على ماضيها.

وفي لغة الجسد، جاءت المصافحة التي دامت 15 ثانية وتفاصيل العيون كرسالة مشفرة حيث رصدت الكاميرات مصافحتين بين الزعيمين الأولى في المطار واستمرت 11 ثانية، والثانية على المنصة وامتدت 15 ثانية، كان ترامب في كلتيهما المبادر بمد يده، وفي المؤتمر الصحفي وقف ترامب منحنياً إلى الأمام، يداه متصلتان بأطراف الأصابع، بينما تمايل بوتين في كرسيه ببرودة ظاهرة، وكأنه الطفل الذي يشعر بالملل في مقعد السيارة الخلفي، وهذا الوصف ليس من عندنا ولكنه وصف قديم من باراك أوباما لبوتين ذات يوم.

لغة جسد ترامب توحي بالحماسة والرغبة في الإقناع، بينما ظل بوتين محتفظاً بمسافة نفسية، متمكناً من توازنه، وكأنه يذكر العالم بأن "الديناميت يُعبأ في عبوات صغيرة" كما قالت خبيرة التواصل ماري سيفيلو.. لحظة أخرى لفتت الأنظار عندما قال ترامب "ربما أراك مجدداً قريباً"، فأجاب بوتين بالإنجليزية: "المرة القادمة في موسكو"، ثم تبادل الرجلان ابتسامة تواطؤ، وكأنهما يشاركان سراً لا يعرفه أحد سواهما .

كلمات متقاطعة وغموض

أما عن المؤتمر الصحفي الغامض والكلمات المتقاطعة، فقد استمر المؤتمر الصحفي المشترك 15 دقيقة فقط. الغريب أن ترامب، المعروف بالثرثرة وشرح أدنى إنجازاته بالتفاصيل المملة، لم يقدم أي تفاصيل ملموسة، واكتفى بالقول إن الأطراف "قريبة جداً من الاتفاق" في أوكرانيا، ملقياً الكرة في ملعب زيلينسكي قائلا "عليه إبرام صفقة". هذا الغموض دفع مراقبين إلى التشكيك في جدوى اللقاء، خاصة أن ترامب كان قد هدد سابقاً بالانسحاب إذا لم تعجبه نتائج المحادثات .

 بالطبع يتجه الاهتمام نحو السؤال عن الفائز والخاسر في مسرح الدبلوماسية، وعن ذلك نقول، بوتين خرج من القمة وهو الرابح الأكبر، مجرد وجوده على الأراضي الأمريكية بعد سنوات من العزلة الغربية منذ الحرب فى أوكرانيا عام 2022 كان انتصاراً دبلوماسياً. لقد حطمت القمة صورة "المنبوذ" التي كرّسها الغرب، خاصةً بعد استقباله بالطائرات المقاتلة والسجادة الحمراء.. ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، علّقت بسخرية قائلة  "وسائل الإعلام الغربية على وشك فقدان صوابها، لثلاث سنوات تحدثوا عن عزلة روسيا، واليوم رأوا السجادة الحمراء تُفرش لاستقبال الرئيس الروسي" أما ترامب، فربما يكون الخاسر الأكبر، فلم يحقق وقف إطلاق النار الذي وعد به، واضطر لإرجاع القرار النهائي لأوكرانيا، مما عرضه لانتقادات حادة من الحزب الديمقراطي وحلفاء الناتو.. السيناتور الديمقراطي كريس فان هولين لخّص الأمر بقوله: "يبدو أن بوتين تلاعب بترامب مرة أخرى" وكأنه ضحك في وجه العاصفة.

انتقادات محلية حادة

في نهاية اللقاء، وقف الزعيمان يضحكان كصديقين قديمين، ترامب استمع لاقتراح بوتين باللقاء القادم في موسكو، وردّ "هذا مثير للاهتمام، سأتعرض لانتقادات لاذعة بسبب ذلك، لكنني أرى أنه ممكن الحدوث". هذه اللحظة المفعمة بالتهكم والبراجماتية تلخص جوهر القمة، فبينما يواجه ترامب انتقادات محلية حادة، ويواجه بوتين اتهامات المحكمة الجنائية الدولية، التحم الرجلان في ضحكة تواطؤ، وكأنما يقولان للعالم إن قواعد اللعبة قد تغيرت، الضحك الحقيقي ربما كان للتاريخ، الذي سجل لقاءً لم ينتج سلاماً، لكنه أنتج صوراً تذكارية ومشاهد طريفة، تذكّرنا أن الدبلوماسية الدولية، في نهاية المطاف، مسرح بشري تسوده العواطف والرغبات والمواقف التي تختفي وراء الورود والابتسامات والليموزينات الفارهة. وفي هذا المسرح، لا توجد اتفاقات دائمة، بل فقط لحظات عابرة من المصافحات والورود والضحكات التي تسبق الجولة التالية من الصراع.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق مهارات الموارد البشرية المعاصرة HR SPARK برنامج تدريبي بآداب عين شمس
التالى عاجل|تبدأ 250 جنيها.. أسعار صرف الكتب المدرسية للمدارس الخاصة الفصل الدراسي الأول