تستعد واشنطن لاستضافة قمة مصيرية تجمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إلى جانب قادة أوروبيين، في محاولة لتحقيق اختراق دبلوماسي ينهي الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
تأتي القمة في أعقاب لقاء ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا يوم الجمعة الماضي، والذي وصفه البيت الأبيض بأنه حقق "تقدماً كبيراً" في الملف الروسي، رغم عدم الإعلان عن وقف فوري لإطلاق النار. تهدف المحادثات إلى بناء على الزخم الدبلوماسي الذي ولّدته قمة ألاسكا، مع التركيز على حل قضيتي الضمانات الأمنية وتبادل الأراضي، اللتين تشكلان جوهر أي تسوية محتملة14.
المشاركون وديناميات القمة
يُشارك في هذا التجمع الدبلوماسي الاستثنائي قادة من المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، بالإضافة إلى ممثلين عن الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو). ومن بين الحضور رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني، والأمين العام للناتو مارك روته.
ويهدف هذا الحضور الأوروبي الكثيف إلى منع العزلة الدبلوماسية التي قد يتعرض لها زيلينسكي بعد قمة ألاسكا، وتشكيل جبهة موحدة تدعم الموقف الأوكراني في مواجهة أي ضغوط محتملة لقبول شروط غير مقبولة. كما يسعى الأوروبيون إلى تجنب تكرار سيناريو اللقاء السابق بين ترامب وزيلينسكي في فبراير الماضي، الذي انتهى بمواجهة حادة وتدهور في العلاقات الثنائية.
المحاور الرئيسية للمفاوضات
أولاً: الملف الإقليمي وتبادل الأراضي
أكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن أي اتفاق يجب أن يمنح روسيا "شيئاً ما"، مثل السيطرة على أجزاء من دونيتسك، مع الإشارة إلى أن القرار النهائي بشحدود أوكرانيا يقع على عاتق زيلينسكي وحده.
من جانبه، كشف المبعوث الرئاسي ستيف ويتكوف أن بوتين قدم "بعض التنازلات" بشأن المناطق الخمس المحتلة (دونيتسك، لوهانسك، خيرسون، زابوروجيا، والقرم)، مما فتح الباب أمام "تبادل الأراضي" كجزء من تسوية أوسع. تشمل المقترحات المطروحة انسحاباً روسياً من مناطق مثل خيرسون وزابوروجيا مقابل اعتراف أوكراني ضمني بالسيطرة الروسية على القرم وأجزاء من دونباس، مع إمكانية إنشاء مناطق منزوعة السلاح أو إجراء استفتاءات في المناطق المتنازع عليها134. ومع ذلك، يواجه هذا المسار عقبتين رئيسيتين: رفض زيلينسكي الصريح للتنازل عن الأراضي باعتباره انتهاكاً للسيادة، ونص الدستور الأوكراني الذي يمنع التنازل عن الأراضي، مما يتطلب موافقة البرلمان وتأييداً شعبياً يصعب تحقيقه في الظرف الراهن.
ثانياً: الضمانات الأمنية طويلة الأمد
أشارت تقارير إلى موافقة بوتين المبدئية على منح أوكرانيا حماية شبيهة بالمادة الخامسة من حلف الناتو، دون عضوية كاملة في الحلف. قد تتجسد هذه الضمانات في معاهدات ثنائية بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، بدعم أوروبي، تضمن التزاماً بالرد العسكري السريع في حال أي اعتداء مستقبلي. كما طرح ترامب فكرة نشر قوات برية أميركية كقوات حفظ سلام إذا لزم الأمر، وهي فكرة لم يستبعدها ويتكوف، مما يفتح الباب أمام إمكانية تشكيل قوة دولية تحت القيادة الأمريكية131. بالنسبة لأوكرانيا، تمثل هذه الترتيبات بديلاً عملياً للانضمام إلى الناتو، الذي تعارضه روسيا بشدة، وقد تشمل أيضاً تعهدات بتوريد الأسلحة وتبادل الاستخبارات وإجراء تعديلات تشريعية روسية تمنع الهجمات خلال فترة سريان الاتفاقية.
ثالثاً: وقف إطلاق النار والإطار الزمني
على عكس التوقعات السابقة، استبعد ترامب السيناريوهات المؤقتة لوقف إطلاق النار، مؤكداً أن الهدف هو "اتفاق سلام شامل" وليس هدنة هشة قابلة للانهيار. يدعم روبيو هذا التوجه، مشيراً إلى أن وقف إطلاق النار الجزئي لن يكون مستداماً دون حل جذري للقضايا الأساسية. إلا أن هذا الطموح يصطدم بواقع استمرار العمليات العسكرية على الأرض، كما حدث في قصف خاركيف صباح يوم القمة الذي أسفر عن سقوط قتلى بينهم رضيع وجرحى، مما يذكر بضرورة التحرك السريع لوضع حد للمعاناة الإنسانية.
رغم المؤشرات الإيجابية، تواجه المحادثات عقبات جسيمة، يأتي في مقدمتها انعدام الثقة العميق بين الأطراف. فأوكرانيا تتذكر جيداً تاريخ بوتين في انتهاك الاتفاقيات السابقة مثل اتفاقيات مينسك، مما يجعل كييف متشككة في أي ضمانات أمنية قد تقدمها موسكو. كما أبدى زيلينسكي تشككه علناً في نوايا روسيا، مشيراً إلى عدم وجود إشارات على موافقتها على قمة ثلاثية لاحقة133. من جهة أخرى، يخشى القادة الأوروبيون من أن يقدم ترامب على تسوية سريعة تضعف أوكرانيا وتقوض حلف الناتو مقابل إنجاز دبلوماسي يخدم سرديته السياسية كـ"صانع سلام". وعلى الصعيد الداخلي الأمريكي، تواجه أي اتفاقية محتملة مقاومة من الكونغرس، خاصة فيما يتعلق بالالتزامات الأمنية المفتوحة أو المساعدات المالية الكبيرة911. كما أن المواقف الشعبية في أوكرانيا تزداد تشدداً ضد التنازلات الإقليمية، حيث يرى كثيرون أن قبولها يشكل "تجارة بالبشر" و"انتحاراً سياسياً"، مما يحد من هامش المناورة أمام زيلينسكي.