كشفت محاولة الوزير الإسرائيلي إيتمار بن جفير المدبرة لاستفزاز مروان البرغوثي في محبسه، بزيارة لا يرغب فيها الأخير دون شك، عن عجز النظام السياسي الفلسطيني، ولكنها كشفت أيضًا عن انعدام الأمن والقلق الذي يغذي حاجة إسرائيل إلى إخضاع الفلسطينيين في العلن، وفقًا لموقع "مونديس.نت" الأمريكي.
وقام إيتمار بن غفير بمحاولته استفزاز البرغوثي بنوايا سياسية مبيتة ثابتة. ودخل وزير الأمن القومي الإسرائيلي السجن محاطًا بالكاميرات، وواجه زعيم حركة فتح المسجون في زنزانته، موجهًا تهديدًا صريحًا بأن كل من يضر بإسرائيل سيُباد، ثم نُشر المشهد لاحقًا على حسابات بن غفير على مواقع التواصل الاجتماعي.
ظهر البرغوثي، النحيل محتفظًا بهدوئه، أسيرًا ورمزًا في آنٍ واحد، فمجرد وجوده حوّل ممر السجن إلى مسرحٍ تُروى فيه الأساطير والصراعات الوطنية خلف الجدران.
جاءت المواجهة ضمن مسرحٍ أوسع من الإذلال على مدى العامين الماضيين – فتعددت التقارير حول رجال جُرّدوا من ملابسهم وبعض من شكان غزة جائعون يُستدرجون إلى مصائد الموت بالقرب من مواقع الإغاثة، وجنودٌ على نقاط التفتيش يمارسون سلطتهم لإبقاء الفلسطينيين منتظرين، ومستوطنون يشنقون فلسطينيين في جميع أنحاء الضفة الغربية، وسجناء فلسطينيون يُضربون ويعذبون.
وكانت زيارة بن غفير بمثابة استغلالٍ لرمزية المواجهة، مُحافظًا على مكانته السياسية من خلال طقوس الإهانة العلنية.
وفي مثل تلك اللحظات، لا تُقاس القوة بالانتصارات فحسب، بل بإظهار الأعداء المُهزومين أمام الكاميرا.
لم تكن محاولة الإذلال، ذات المغزى المسرحي، موجهة إلى السجين نفسه، بل إلى الجماعة التي يُمثلها. وحمل الفعل المتطرف منطق الإذلال السياسي المُزدوج: وجهٌ مُركز على الهدف الفلسطيني وهو البرغوثي في هذه الحالة، مُحولًا إياه إلى عنصرٍ في أداء الهيمنة؛ والوجه الآخر مُتجه نحو جمهور الداخل الإسرائيلي، مُغذيًا إياه بالشحنة العاطفية لهذا المشهد.
ويكمن المنطق ذاته وراء مشاهد الإذلال المسرحية التي لا تُحصى، والتي صوّرها جنود إسرائيليون بهمة وشغف، وتداولها وأعاد نشرها الإسرائيليون العاديون عبر وسائل التواصل الاجتماعي منذ أكتوبر 2023.
لماذا إذن تحظى هذه الحاجة الشاذة – اي الدافع لنشر صور الإذلال وإظهار القوة من خلال الإذلال - بكل هذه الجاذبية السياسية بين الإسرائيليين؟ يكمن الجواب في الاقتصاد العاطفي للإذلال. لا يكفي أن يُنفّذ الفعل، بل يجب أن يُشاهد ويُتداول ويُعاد تمثيله ونشره لتأكيد صورة المسيطر على ذاته وشعور الجمهور بالسلطة المشتركة، أي أن الأداء لا ينفصل عن الفعل نفسه؛ فالمشهد يُحوّل العنف إلى سرد، والسرد إلى شرعية وهذا بدوره، يمكن تحويله إلى عملة سياسية قابلة للتعامل مع مبدأ المكسب والخسارة، ما يضخم شعور الجاني بالهيمنة، بينما تؤكد للمُشاهد الإسرائيلي أن السلطة لا تُمارس فحسب، بل تُعرض عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولا تُنفذ فحسب، بل يمكن مشاركتها على هواتفهم.
وبالنسبة لبن غفير، كان نظام الحبس الإسرائيلي مُفرطًا في الحفاظ على كرامة المساجين والمعنقلين، لذا فقد أدان مصلحة السجون لما اعتبره تساهلًا مفرطًا، حتى أنه ذهب إلى حد إقالة رئيس مصلحة السجون الإسرائيلية في ديسمبر 2023 بدعوى "التساهل وعدم تطبيق الإجراءات الصارمة بالقدر الكافي".
ودعا بن غفير علنًا إلى اتخاذ إجراءات عقابية، مثل خفض حصص الطعام للأسرى الفلسطينيين، واصفًا التجويع بأنه شكل من أشكال الردع، واقترح بعبارات غريبة أنه من الأفضل إطلاق النار على رؤوس الأسرى بدلًا من منحهم المزيد من الطعام.
كما وثّقت جماعات حقوق الإنسان كيف طُبّقت، تحت قيادته، سياسات الحرمان بشكل منهجي - قطع الوصول إلى الطعام والماء والرعاية الطبية والنظافة والزيارات القانونية - مصحوبة بإهانات رمزية كإجبار المعتقلين على إعادة طلاء جدران السجن، بل واحتفل بإنشاء زنازين احتجاز تحت الأرض، مصممة لتكثيف العزلة والتعذيب النفسي.
ووفقًا لخطاب بن غفير وممارساته، ينبغي أن يكون السجن - الذي يفتقر إلى القدرة على إعدام السجناء - مكانًا للإذلال المستمر، حيث تُقاس الفعالية بمدى الإذلال.