أخبار عاجلة

الذكاء الاصطناعى كأداة سياسية

الذكاء الاصطناعى كأداة سياسية
الذكاء الاصطناعى كأداة سياسية

الأسبوع الماضى طرحنا السؤال الذى يشكل معضلة مستقبلية كبرى: هل يزيح الذكاء الاصطناعى البشر جانبا بتفوقه عليهم؟ وكانت معظم الإجابات تذهب نحو نعم، إن لم يتم تدارك هذه المعضلة الكبرى.

اليوم نتحدث عن الذكاء الاصطناعى فى عالم السياسة، بما إن الصراعات السياسية تلقى بظلالها على العالم، وليس من المعقول فى ظل هذا التسارع التكنولوجى أن يكون الذكاء الاصطناعى بمعزل عن هذه الصراعات، ففى غمار الأتمتة وفقدان الوظائف، وإدارة بعض الصراعات السياسية «الذكية» من غرف مكيفة من دون إطلاق رصاصة واحدة، وإدارة الاقتصاد العالمى عبر نظم معقدة لا تخلو من المؤامرات، وتنفيذ الحملات الدعائية المبتكرة وتنامى التضليل السياسي، والخلق من العدم فى مجالى الصوت والصورة، ليس بإمكاننا تغييب الذكاء الاصطناعى عن كل ما سبق.

فى العلوم السياسية يتم تعريف الاستقرار السياسى بأنه قدرة الدول على الحفاظ على نظامها الداخلى، وتجنب الصراعات العنيفة، وضمان استمرارية مؤسساتها، وعلى صعيد التنظير السياسى بات الاستقرار السياسى محورا مهما وأساسيًا فى تحليل النظم السياسية، ودراسة الديناميات الدولية، الآن أصبح الذكاء الاصطناعى أداة من أدوات تحقيق الاستقرار السياسى حيث يستخدم بشكل متزايد فى تحليل البيانات السياسية ويتيح التعامل مع كميات هائلة من البيانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تُجمَع من مصادر مثل وسائل التواصل الاجتماعى، والأخبار، والتقارير الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني، ثم يقوم بتحليلها، لاستخلاص النتائج، فضلًا عن ذلك، يلعب تحليل الشبكات الاجتماعية دورًا مهمًا فى دراسة الروابط بين الفاعلين السياسيين لفهم الديناميات السياسية الداخلية والخارجية، ما يمكّن الباحثين وصنّاع القرار من التنبؤ بالمخاطر السياسية، مثل الاضطرابات الاجتماعية والانقلابات، بدقة أكبر من الطرق التقليدية، فمع تعاظم تأثير العولمة، والتغيرات المتسارعة فى المشهد السياسى العالمى، ازدادت الحاجة إلى أدوات دقيقة تساعد على فهم المؤشرات، التى تُنذر بتغيرات سياسية جذرية تقوض استقرار الدول، وهنا يبرز دور التكنولوجيا، وفى القلب منها الذكاء الاصطناعى، كأداة حديثة بدأت تحدث تحولًا جذريًا فى تحليل البيانات المعقدة، والتنبؤ بالأحداث المستقبلية.

تتسارع قدرات الذكاء الاصطناعى بوتيرة غير مسبوقة، متجاوزة قوانين التطور التكنولوجى التقليدية، ما يجعل العالم يقترب من لحظة حاسمة ستعيد تشكيل الاقتصاد والسياسة والجغرافيا السياسية على حد سواء، ولا محالة من صدامات اجتماعية وسياسية سيكون البطل الخفى فيها الذكاء الاصطناعي، فالواقع يقول إن الاستغناء عن البشر فى حد ذاته قرار سياسى لطالما قاومته - قدر المستطاع - معظم الدول، لكن حين تضرب الأزمة الاقتصادية المقبلة، سيجد قادة المؤسسات أنفسهم أمام سلسلة من الخيارات الصعبة أثناء رسمهم لمسار المستقبل، حيث أثبت الذكاء الاصطناعى، الذى يشمل مجالات، مثل التعلم الآلى ومعالجة اللغة الطبيعية، فاعليته فى مجالات متعددة، مثل الاقتصاد والرعاية الصحية. 

الصراع على الهيمنة والاستحواذ على الموارد و«امتلاك العالم»، كل هذا يندرج تحت الأهداف السياسية وإن كان المتصارع عليه اقتصادا، فمن مختبرات العلوم المتقدمة إلى مكاتب الشركات، ومن الموانئ الأمريكية إلى مناجم المعادن النادرة فى الصين، تدور معركة شرسة على الموارد والتقنيات ستحدد من يمتلك مفاتيح القوة فى القرن الـ21، الذكاء الاصطناعى لن يكون بمعزل عن هذه المعركة، كما بدأ ينخرط فى الصراع الجيوسياسى فى بعض مناطق العالم، وصراع الجغرافيا أغلبه على الموارد، ولم يعد خافيا أيضا أن الصراع على الأسواق بات فى صلب الأهداف السياسية، فالسباق بين واشنطن وبكين على أشباه الموصلات والمعادن النادرة والطاقة ينظر له الآن على أنه سيحدد ميزان القوى العالمى والذكاء الاصطناعى هنا هو كلمة السر.

على صعيد الحروب بمفهومها التقليدى الدقيق تخبرنا العمليات العسكرية التى تجرى على أكثر من جبهة فى العالم من أوكرانيا حتى غزة، أن عصرا جديدا من الحروب باستخدام الذكاء الاصطناعى قد أصبح واقعا لا يمكن التنكر له أو الاستهانة به، فسرعة الاختراق الذى يحققها الذكاء الاصطناعى فى القطاع العسكرى لا تواكبها المنظومات السياسية والعسكرية القائمة.

الشاهد أن طفرات غير مسبوقة حدثت بالفعل عندما تم إدماج الذكاء الاصطناعى فى المنظومات القتالية وهو ما يشير إلى أننا على أعتاب تسلح «ذكى» ربما يكون له تبعات خطيرة على النظام الدولى ومراكز القوى فيه على المدى المنظور.

الذكاء الاصطناعى سيعيد رسم السياسة الداخلية والخارجية عالميا، وبحسب آخر الأبحاث حول التطور السريع فى هذا المجال من المنتظر أنه فى غضون من سنة إلى ثلاث سنوات، سيتمكن الذكاء الاصطناعى من تقديم تنبؤات دقيقة تسهم فى تعزيز الاستقرار السياسي، عبر تصميم أنظمة قادرة على محاكاة الذكاء البشرى فى معالجة المشكلات، واتخاذ القرارات، كذلك، تشمل التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعى فى العلوم السياسية تحليل النصوص باستخدام تقنيات معالجة اللغة الطبيعية لتحليل الخطابات السياسية، والمنشورات الإعلامية، والتصريحات العامة، أيضًا تُستخدم النمذجة التنبوئية القائمة على التعلم الآلى لإنشاء نماذج قادرة على التنبؤ بالاضطرابات السياسية، استنادًا إلى بيانات تاريخية. 

الخلاصة، إن الذكاء الاصطناعى يقود ثورة ستعيد رسم خرائط النفوذ الدولى.

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق فيتنام تجري أول عملية شراء النفط الأمريكي في 2025 (لتجنب الرسوم الجمركية المرتفعة)
التالى تصدير 27 الف طن فوسفات عبر ميناء سفاجا للهند