كاتبة فرنسية: نتنياهو يعمل على جعل حياة الفلسطينيين لا تُطاق لإجبارهم على مغادرة القطاع
فى مقال بصحيفة لوموند الفرنسية، تحلل مديرة معهد الأبحاث والدراسات حول البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، ومؤلفة كتاب "الكتاب الأسود لغزة" أغنييس ليفالوا، تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، الذى أعلن فيه نيته السيطرة الكاملة على قطاع غزة.
ذكرت فى تحليلها أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أعلن رغبته فى السيطرة على قطاع غزة، المحتل بنسبة ٨٠٪، لتحقيق الأهداف التالية: نزع سلاح حماس، وإعادة الأسرى، الأحياء منهم والأموات، ونزع سلاح القطاع، وفرض سيطرة أمنية إسرائيلية عليه، وإقامة إدارة مدنية بديلة لحماس والسلطة الفلسطينية.. ماذا تعنى هذه التصريحات، وكيف تُمثل مرحلة جديدة فى حرب إسرائيل؟.
حرب شرسة
الملاحظة الأولى هى أنه لم يُذكر شيء عن كيفية تنفيذ هذه الخطة، وأنه بعد اثنين وعشرين شهرًا من حربٍ شرسة شُنت على هذه المنطقة الصغيرة، لم ينجح الجيش الإسرائيلى فى استعادة الرهائن الإسرائيليين الذين أسرتهم حماس، رغم استخدام وسائل عسكرية واسعة. لم يكن إطلاق سراحهم ممكنًا إلا خلال فترات الهدنة، ولم يتم التوصل إليها إلا من خلال المفاوضات. وبإعلانه رغبته فى إعادتهم أحياءً وأمواتًا، اختار مجلس الوزراء الأمنى عمدًا التضحية بهم.
صرّح وزير المالية بتسلئيل سموتريتش فى ٢٢ أبريل بأن إنقاذ الرهائن ليس "الهدف الأهم" لإسرائيل فى حربها ضد حماس. وزراء اليمين المتطرف فى الائتلاف الحكومى واضحون تمامًا فى هذا الشأن: إنهم يريدون إعادة احتلال قطاع غزة. كما ينوون الانتقام لتفكيك المستوطنات فى هذه المنطقة الصغيرة، والذى نفّذه رئيس الوزراء آنذاك أرييل شارون قبل نحو عشرين عامًا. هذا الرأى شائع فى البلاد، لكن الابتزاز الذى يمارسه هؤلاء الوزراء على الحكومة بالتهديد بالاستقالة فى حال التوصل إلى هدنة يمنحهم نفوذًا يتجاوز تمثيلهم السياسي.
يتكرر هدف نزع سلاح حماس باستمرار. ومع ذلك، فقد دُمرت قدراتها العسكرية بشكل كبير، وقُتل جميع قادتها. صحيح أن المنظمة لا تزال تمتلك وسائل بدائية، وتستمر فى التجنيد، لكنها غير قادرة على تسليح مجندين جدد بسبب نقص الإمدادات. فى الواقع، القطاع منزوع السلاح. ومع ذلك، ما لن تتمكن إسرائيل من فعله هو القضاء على الحركة. وهناك عامل آخر لم يُقدم أى تفسير له، وهو المكان الذى قد يتجه إليه الفلسطينيون فى مدينة غزة. يبلغ عددهم حوالى مليون نسمة، وسيتعين على الجيش إجلائهم لتمشيط المنطقة.
الضغط الدولي
جانب إشكالى آخر فى هذه الخطة: مستقبل حكم القطاع. لطالما سعت السلطات السياسية الإسرائيلية إلى تحديد محاوريها الفلسطينيين، على غرار تشكيل جماعات المتعاونين، أو ما يُعرف بـ"روابط القرى"، فى سبعينيات القرن الماضي. لم تنجح هذه الاستراتيجية، وهى محكوم عليها بالفشل، لأن أى فلسطينى يقبلها سيُعتبر متعاونًا. وبالمثل، لن تعرض أى دولة عربية إدارتها، ولأى سبب تقبل تلك الدول إدارة القطاع؟ إن كفاح الفلسطينيين هو الحصول على الاعتراف بحقوقهم وسيادتهم؛ وتجاهل هذه النقطة هراء.. يُظهر تحليل هذه الخطة أن الحرب فى غزة ذات بُعد سياسى بالدرجة الأولى، وليس لها أى تفسير عسكري. ويدعم هذا الرأى موقف القيادة العسكرية، وخاصةً رئيس الأركان إيال زامير، الذى أعرب عن معارضته للعملية البرية. بل إنه حذّر الوزراء من خطر الوقوع فى فخ حماس. فالتدخل فى المناطق المكتظة بالسكان، حيث يُحتمل وجود الرهائن، يُعدّ خطوة كارثية.
يرى منتدى عائلات المختطفين أن احتلال القطاع بالكامل يُمثل حكم الإعدام على من بقى على قيد الحياة. وأضاف المنتدى: "إن قرار مجلس الوزراء ببدء عملية احتلال قطاع غزة هو إعلان رسمى عن التخلى عن المختطفين، متجاهلًا تمامًا التحذيرات المتكررة من القيادة العسكرية والرغبة الواضحة لدى غالبية الرأى العام الإسرائيلي". علاوة على ذلك، من المرجح أن تستمر العملية العسكرية لأشهر، فى حين أن العديد من جنود الاحتياط لم يعودوا يرغبون فى العودة إلى وحداتهم، والمؤسسة العسكرية مُنهكة.
لذا، قد يتساءل المرء إن كان نتنياهو يُخفى أوراقه لتجنب الملاحقة القضائية. ويصدق هذا بشكل خاص مع تزايد الضغوط الدولية عليه، مع خطوة الرئيس ماكرون بالاعتراف بالدولة الفلسطينية فى سبتمبر، واتباع العديد من الدول، بما فى ذلك المملكة المتحدة وكندا والبرتغال، له. وقد يُشجع تعنت الحكومة الحالية الدول التى كانت لا تزال مترددة فى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مما يزيد من عزلة الدولة اليهودية. ويُظهر قرار ألمانيا بتعليق صادرات الأسلحة التى قد تستخدمها إسرائيل فى غزة، مدى خطورة الوضع، الذى يُدينه حتى أقرب حلفائها.
عندما يتعرض رئيس الوزراء للضغط، يحاول تحويل مسار الأمور، مما يسمح له بالسعى وراء هدفه: جعل حياة الفلسطينيين لا تُطاق تقريبًا وإجبارهم على مغادرة القطاع. فى هذه الأثناء، تستمر القنابل فى الهطول على غزة، وتصل المساعدات الإنسانية شذراتٍ، إن لم تكن تُودى بحياة الناس، والمجاعة تُعيث قتلًا. إلى متى سيستمر هذا الوضع؟.
* لوموند
