أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي ثقته في أوغندا لدورها البنّاء في قيادة العملية التشاورية في مبادرة حوض النيل لاستعادة الشمولية والتوافق بين دول الحوض لتحقيق المنفعة المتبادلة، مشددا على رفض مصر الكامل للإجراءات الأحادية في حوض النيل الشرقي الذي سعينا أن يكون مصدرًا للتعاون لا للصراع، ومُخطئ من يتوهم أن مصر ستغض الطرف عن تهديد وجودي لأمنها المائي وسنظل متابعين وسنتخذ كافة التدابير المكفولة بموجب القانون الدولي للحفاظ على مقدرات شعبنا الوجودية.
وقال الرئيس السيسي - في كلمته خلال المؤتمر الصحفي اليوم مع رئيس جمهورية أوغندا يويري موسيفيني - إن هذا الموضوع كان محل نقاش طويل بيني وبين الرئيس موسيفيني، أولًا لحكمته وثانيًا لخبرته الطويلة، والحقيقة أننا توافقنا على أن موضوع المياه مهم جدًا وأن التنمية أيضًا مهمة ونحن موقفنا كان واضحًا منذ البداية، وأننا لا نرفض أبدًا تنمية شركائنا وأشقائنا في دول حوض النيل، وليس لدينا مشكلة في ذلك، وأنه يجب ألا يكون لهذه التنمية تأثير على حجم أو حصة المياه التي تصل إلى مصر.
وفي مستهل المؤتمر الصحفي رحب الرئيس السيسي بالرئيس الأوغندي والوفد المرافق في بلده الثاني مصر، مثمنا زيارته غاليًا، مؤكدا أن الزيارة تأتي في إطار العلاقات التاريخية التي تجمع البلدين وشعبينا الشقيقين المرتبطين برباط نهر النيل الأزلي، ويجمعهما عقود من التضامن والتعاون في مختلف المحافل والمجالات.
وأضاف الرئيس السيسي أن العلاقات الثنائية المصرية الأوغندية شهدت تطورًا ملحوظًا في الفترة الأخيرة، بما يعكس العلاقات والمصالح الوثيقة التي تربط بلدينا، ولقد أكدت خلال مباحثاتنا اليوم مع الرئيس موسيفيني حرص مصر على الارتقاء بالعلاقات مع أوغندا إلى آفاق أرحب، وتطلعنا لأن تمثل زيارته انطلاقة جديدة نحو شراكة حقيقية بين بلدينا، وقد شهدنا اليوم التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم في مجالات التعاون الفني؛ في مجال إدارة الموارد المائية، وفي مجال التعاون الزراعي والغذائي، وفي مجال الاستثمار، وفي مجال الإعفاء المتبادل من تأشيرات الدخول لحاملي جوازات السفر الرسمية، وفي مجال التعاون الدبلوماسي لدعم إنشاء معهد دبلوماسي أوغندي.
وتابع الرئيس السيسي أننا ناقشنا اليوم كذلك سُبل تفعيل التعاون الاقتصادي، وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، واتفقنا على الإسراع في إجراءات تشكيل مجلس أعمال مشترك، وتشجيع الزيارات بين مجتمع الأعمال، بما يُسهم في تحقيق المصالح المتبادلة، وفي هذا الإطار سوف ينعقد منتدى الأعمال المشترك على هامش الزيارة للتعرف على الفرص الاستثمارية المتاحة في البلدين، والبدء في اتخاذ خطوات تنفيذية وفعالة في هذا المجال.
ولفت الرئيس السيسي إلى أنه تطرق مع الرئيس الأوغندي إلى فرص التعاون في مجال التدريب وبناء القدرات، وأكدنا حرصنا على المضي قُدمًا في التعاون في مجال مكافحة الأمراض البيطرية، فضلًا عن اهتمامنا المتنامي بالتعاون في قطاع الطاقة.
وأضاف: اتفقنا في المجال الأمني على مواصلة التعاون القائم، لا سيّما ما يشهده من تطورات مهمة انطلاقًا من الزيارة الأخيرة لقائد قوات الدفاع الشعبي الأوغندية لمصر، والاتفاق على عقد لجنة التعاون العسكري سنويًا.
وقال الرئيس السيسي: "تبادلت وأخي الرئيس موسيفيني الرؤى حول نهر النيل، شريان الحياة لبلدينا، وتوافقنا على أن التعامل الأمثل بين دول حوض النيل يتعين أن يتأسس على ضرورة تعزيز العمل لتحقيق المنفعة المشتركة، والعمل المشترك للحفاظ على هذا المورد الحيوي وتنميته، والتعاون بصيغة مراعاة مصالح الجميع، وعدم إيقاع الضرر وفقًا لقواعد القانون الدولي، وكما ذكر الرئيس موسيفيني بحكمته البالغة "بدون الحفاظ على بيئة حوض النيل، لن نجد شيئًا نتقاسمه".
ومن هذا المنطلق، أكدت للرئيس "موسيفيني" دعمنا الكامل لجهود التنمية في أوغندا، وبقية الأشقاء في دول حوض النيل الجنوبي، واستعدادنا للمساهمة في تمويل مشروع سد "أنجلولو" بين أوغندا وكينيا، وذلك من خلال الآلية التي أطلقتها مصر للاستثمار في مشروعات البنية التحتية في حوض النيل بتمويل مبدئي قدره 100 مليون دولار.
كما يُسعدني الإعلان عن إبرامنا اليوم مذكرة تفاهم جديدة في مجال الإدارة المتكاملة للموارد المائية للبناء على التعاون الممتد لأكثر من عشرين عامًا بين البلدين، حفاظًا على بيئة نهر النيل وتنميةً لموارده، بقيمة إجمالية تبلغ 6 ملايين دولار على خمس سنوات، تأكيدًا على التزامنا الراسخ بدعم التنمية في أوغندا وبقية دول حوض النيل الشقيقة.
ولفت الرئيس السيسي إلى أن موضوع المياه مهم جدًا وأن التنمية أيضًا مهمة ونحن موقفنا كان واضحًا منذ البداية، وأننا لا نرفض أبدًا تنمية شركائنا وأشقائنا في دول حوض النيل، وليس لدينا مشكلة في ذلك، وأنه يجب ألا يكون لهذه التنمية تأثير على حجم أو حصة المياه التي تصل إلى مصر.
وقال الرئيس السيسي إنه ناقش مع موسيفيني وجهة نظره بهذا الشأن حيث تساءل الرئيس الأوغندي عما إذا كنا جميعًا معًا.. فذكرتُ أننا جميعًا معًا بالطبع، وأنه لا يوجد خلاف على ذلك، وذكر الرئيس موسيفيني أن حجم المياه الذي يسقط على الحوض سواء كان النيل الأزرق أو النيل الأبيض، بالأسس العلمية يصل إلى 1600 مليار متر مكعب من المياه سنويًا.. وأنه يتم تقسيم هذه المياه ى جزء إلى الغابات والمستنقعات، وجزء يُستخدم في الزراعة، وجزء يتبخر، وجزء إلى المياه الجوفية، والجزء اليسير هو الذي يصل إلى النيل الأبيض والأزرق، وهو تقريبًا 85 مليار متر مكعب من المياه الذي نتحدث عنهم، بما يمثل نحو 4% من الـ1600 مليار متر مكعب".
وتابع الرئيس السيسي: "وحينما نطلب أن هذا الحجم من المياه يصل إلى مصر والسودان من أجل العيش بهم حيث أن ليس لدينا مصدر آخر بخلافهم، هل يعني ذلك رفض التنمية في دول الحوض أو رفض الاستفادة من المياه المتاحة لديهم سواء كان في الزراعة أو في انتاج الكهرباء؟ لا بالطبع.. وأؤكد ذلك هنا.. أمام الرئيس الأوغندي وأمامكم.. وأقول للمصريين أن موقفنا منذ البداية أننا لسنا ضد التنمية، ولم نتحدث حتى عن الاقتسام العادل للمياه، حيث أن ذلك سيعني التحدث عن الـ 1600 مليار متر مكعب من المياه.. وإنما نتحدث عن المتبقي وهو لا يزيد عن 4% أو5%.. وذلك أمر مهم جدًا.. فنحن لا نردد نحن وهم.. بل نحن جميعًا.. فلا أقول مصر والسودان فقط وهم.. وإنما أقول أننا جميعًا معًا.. نعيش جميعًا، وننمو جميعًا، ونتعاون جميعًا من أجل ازدهار واستقرار بلادنا. ومن أجل ذلك، أؤكد مرة أخرى فيما يتصل بموضوع المياه بالنسبة لمصر أن ليس هناك سبيلًا آخرًا لنا.. وقد ذكر لي الرئيس موسيفيني أن مصر تعني (الحديقة) في أوغندا.. وهذه الحديقة لا يوجد لها مصدر آخر من المياه سوى النيل، فلا يوجد أمطار.. وبالتالي فلا أحد يمكن له التصور أن مصر ستتخلى عنها، فالتخلي عن أي جزء منها يعني التخلي عن حياتنا.. وذلك أمر لن يحدث".
وأضاف السيسي ودتُ أن أذكر هذه النقطة، ونعول كثيرًا على اللجنة السباعية بقيادة أوغندا لأن تصل بنا إلى توافق لاستفادة الجميع والتعاون لدول الحوض.. وهناك دولًا كثيرة لديها موضوعات مماثلة وقد وصلت إلى تفاهمات واتفاقيات للكل.. ونحن نريد أن نصل إلى هذا الأمر.
وأود التوضيح أن من تتساقط لديه الأمطار لا يشعر أبدًا بإحساس من ليس لديه أمطار.. فمصر لا تشهد أمطارًا.. والشعب المصري لديه حذر شديد وقلق شديد من موضوع المياه.. وأقول للمصريين أنني أقدر ذلك الأمر، وأنني مسئول مع أشقائي والحكماء مثل الرئيس موسيفيني على إيجاد حل لا يؤثر أبدًا على حياة المصريين.
وأكد الرئيس السيسي أن مصر تقابل ضغوطًا كثيرة في هذا الموضوع، وقد تكون المياه جزءًا من حملة هذه الضغوط لتحقيق أهداف أخرى، ونحن مدركون لذلك، وأؤكد مرة أخرى أننا دائمًا ضد التدخل في شئون الآخرين، وضد التآمر على الآخرين، وضد الهدم والتدمير. فنحن مع البناء، والتعاون، والتنمية، حيث أن بلداننا في إفريقيا قد كفاها سنوات طويلة من الاقتتال والصراع.
واختتم الرئيس السيسي: "أطمئن المصريين مرة أخرى.. فلن نسمح أبدًا أن يتم المساس بالمياه التي يعيش عليها 105 ملايين، و10 ملايين تقريبًا من الضيوف.. فلا نُسميهم باللاجئين.. وهنا أؤكد وأكرر أن وعي المصريين وصلابتهم تعد الركيزة الأساسية التي أعول عليها في مجابهة أي تحد أو أي تهديد محتمل".