أصبحت الكهرباء اليوم تحتل المحرّك الرئيس لنمو الطلب على الطاقة، متجاوزة بذلك الوقود الأحفوري الذي هيّمن لعقود، ومع ذلك، سيظل لكل منهما دور كبير في تلبية الطلب النهائي مستقبلًا.
وحاليًا، تشكّل ثلث إجمالي الطاقة "المفيدة" المنتجة عالميًا، بعدما تجاوزت النفط منذ عام 2007 وأصبحت المصدر الرئيس، وفق تقرير حديث، اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن).
والطاقة المفيدة (useful energy) هي التي تصل بصورة فعّالة إلى المستعمل النهائي بعد حسم الفاقد في التحويل والنقل، مثال الضوء الذي يخرج من المصباح هو طاقة مفيدة، وكذلك الحرارة الناتجة عن أجهزة التدفئة.
ومنذ أزمة النفط في السبعينيات، كانت الكهرباء مسؤولة عن كل نمو الطلب النهائي على الطاقة للفرد، في حين بلغ الوقود الأحفوري ذروته في ثلثي الدول (155)، ووصل لمستويات مستقرة في قطاعات الصناعة عام 2014، وفي المباني عام 2018، وربما في النقل البري منذ 2019.
وتشير البيانات إلى أن نحو 75% من الطلب النهائي على الطاقة بات الآن قابلًا للكهربة، وتحديدًا في قطاعات النقل والتدفئة.
والأهم من ذلك، أن الكهرباء شكّلت 63% من نمو الطلب النهائي على الطاقة بين عامي 2018 و2023، بينما لم تتجاوز مساهمة الوقود الأحفوري 5%.
الكهربة ليست ظاهرة جديدة
رغم الاعتقاد الشائع بأن الكهربة ظاهرة حديثة تقودها الأهداف المناخية، فإن الواقع يروي قصة مختلفة، إذ انطلقت شرارتها في ثمانينيات القرن الـ19، مثل إضاءة الشوارع وتشغيل الآلات الصناعية.
ومنذ ذلك الحين، بدأت موجات متلاحقة تضرب قطاعات مختلفة: أولًا المصانع، ثم المنازل، وصولًا اليوم إلى السيارات وأنظمة التدفئة.
وعلى مدار قرن، تضاعف الطلب على الكهرباء كل عقدين تقريبًا، ومع كل موجة، كان القطاع يتفوق بفضل 3 مزايا جوهرية: الكفاءة والمرونة وجودة الخدمة، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

وتتبعًا لموجات الكهربة عبر التاريخ، تظهر 6 لحظات فارقة شكّلت مسار التحول:
- الانطلاقة بحلول 1910: بعد اختراعات توماس إديسون ونيكولا تيسلا، بدأت الكهرباء تحل محل الشموع والغاز في المصانع والمنازل، خاصة بعد انخفاض التكلفة مع تفوقها في الأداء والكفاءة.
- الانتشار السريع (الثلاثينيات): إلى جانب الاقتصادات الغنية، انطلقت موجة كهربة ثانية في الصين والهند وأفريقيا رغم محدودية البنية التحتية، مدفوعة بكون الكهرباء أداة للتنمية والسيادة.
- النمو مع الاقتصاد (الخمسينيات): عقب الحرب العالمية الثانية، نما استهلاك الكهرباء عالميًا 6% سنويًا، أسرع بـ20% من النفط والغاز، وأدخلت الكهرباء خدمات جديدة، مثل التكييف والأجهزة الكهربائية المنزلية والصناعية.
- المرونة أمام الأزمات (السبعينيات): خلال أزمات النفط، استقر استهلاك الفرد من النفط والفحم والغاز، لكن الطلب على الكهرباء استمر في الصعود بثبات، والامتداد إلى دول ومناطق جديدة.
- الهيمنة (2007): أصبحت الكهرباء المصدر الأكبر للطاقة المنتجة عالميًا، متجاوزة النفط والغاز، وتوفر 34% من خدمات الطاقة المفيدة عالميًا، و45% في المباني، و35% في الصناعة.
- تباطؤ استهلاك الوقود الأحفوري (2014 فصاعدًا): انخفض النمو السنوي في استهلاك الوقود الأحفوري من 1.8% (2000-2018) إلى 0.1% (2018-2023)، نتيجة تسارع الكهربة.
قفزة في الكهربة
حتى وقت قريب، كانت الكهربة محصورة في الإضاءة والمحركات، لكن العقدين الماضيين شهدا قفزة نوعية، حيث باتت السيارات الكهربائية تنافس نظيراتها التقليدية في السعر والأداء، والمضخات الحرارية أثبتت كفاءتها حتى في المناطق الباردة.
وحاليًا، أصبحت قطاعات النقل البري والتدفئة منخفضة الحرارة -التي تمثّل قرابة 50% من استهلاك الطاقة النهائي عالميًا- مهيّأة للكهربة، بحسب التقرير الصادر عن مركز أبحاث الطاقة النظيفة (إمبر).
ورغم ضخامة القطاعات التي تدخلها الكهرباء، تشير معظم سيناريوهات إزالة الكربون إلى أن نمو الطلب العالمي على الكهرباء سيبقى في حدود 3% سنويًا، وهو المعدل ذاته منذ عام 1980.
ويرجع ذلك إلى تحسُّن الكفاءة، فالمركبات الكهربائية والمضخات الحرارية أكثر كفاءة بـ3 مرات من نظيراتها التي تعتمد على الوقود الأحفوري، ويعني ذلك أن كل وحدة كهرباء جديدة يمكنها إزاحة 2-3 وحدات من الوقود الأحفوري، بحسب رؤية التقرير.

ذروة الطلب على النفط
من جهة أخرى، يفترض تقرير إمبر أن الكهرباء ستقود التغيير، مشيرًا إلى سيناريو وكالة الطاقة الدولية، الذي يتوقع أن الطلب على الوقود الأحفوري سيبلغ ذروته قبل 2030.
ومع ذلك، رسمت منظمة أوبك مشهدًا مغايرًا، مؤكدة أن الحديث عن قرب ذروة الطلب سابق لأوانه، وتوقعت ارتفاع الطلب بحلول 2050 بمقدار 3 ملايين برميل يوميًا، ليصل إلى 122.9 مليونًا، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
وترى أوبك أن العالم سيظل بحاجة ماسّة إلى استثمارات فورية وضخمة في جميع مصادر الطاقة، وعلى رأسها النفط والغاز، لتأمين احتياجات مليارات البشر ممن ما يزالون يفتقرون إلى أصغر مقومات الحياة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر..