أعادت خطة إسرائيلية مثيرة للجدل، تروج لفصل مدينة الخليل عن السلطة الفلسطينية، إشعال النقاش حول محاولات إضعاف المشروع الوطني الفلسطيني. الخطة، التي كشفت عنها صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية وروجت لها وسائل إعلام إسرائيلية، تتضمن دعوة مزعومة من شخصيات فلسطينية في الخليل إلى رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإجراء مفاوضات تهدف إلى إنشاء "إمارة" محلية تنضم إلى "الاتفاقيات الإبراهيمية"، وبالتالي إسقاط حل الدولتين.
رد فلسطيني حاسم
رد مصدر أمني فلسطيني، في تصريح لـ"الشرق الأوسط"، على هذه الخطة، واصفًا إياها بأنها "محاولة إسرائيلية جديدة لتقويض السلطة الفلسطينية عبر إحياء مشروع قديم لخلق بديل لمنظمة التحرير والسلطة". وأضاف: "هذا المشروع محكوم بالفشل، فلا أحد يجرؤ على تبني مثل هذه الخطوة علنًا. من حاولوا ذلك لا يمثلون أحدًا، وهم معروفون بمواقفهم".
وأشار المصدر إلى أن إسرائيل حاولت سابقًا التواصل مع شخصيات سياسية وأكاديمية ورجال أعمال ونشطاء، وحتى مسؤولين محليين، لخلق كيانات بديلة، لكن هذه المحاولات "لم تكن سوى زوبعة في فنجان".
تفاصيل الخطة المثيرة للجدل
تتضمن الرسالة المزعومة، التي وجهتها الشخصيات إلى نتنياهو بالعبرية، إدانة لاتفاقيات أوسلو، التي وصفتها بأنها تسببت في "الضرر والموت والكوارث الاقتصادية والدمار"، واستبدلت "الزعامات العائلية التقليدية" بسلطة "فاسدة".
وتدعو الرسالة إلى إسقاط حل الدولتين، واقتراح نهج جديد للسلام يقوده "شخصيات تقليدية" فلسطينية، مع الاعتراف الكامل بإسرائيل كدولة يهودية، وإنشاء كيان محلي في الخليل منفصل عن السلطة الفلسطينية.
ونسبت التقارير هذه المبادرة إلى أفراد من عائلة الجعبري في الخليل، لكن شيوخ العائلة أصدروا بيانًا يتبرأون فيه من الرسالة ومضمونها، مؤكدين أن الشخص المروج لها، وديع الجعبري، "هاجر من الخليل منذ سنوات طويلة ويعيش في القدس". وأكد بيان العائلة دعمهم الثابت للمشروع الوطني الفلسطيني وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
جذور الخطة ودور إسرائيل
وكشفت مصادر إسرائيلية عن أن وزير الاقتصاد نير بركات يقف وراء صياغة هذه الرسالة، بعد لقاءات متعددة مع الشخصيات الموقعة منذ فبراير الماضي. وتتضمن الخطة مقترحات لتوظيف آلاف العمال الفلسطينيين في إسرائيل، بدءًا بألف عامل وصولًا إلى 50،000، مع سياسة "عدم التسامح" مع ما وصفته الرسالة بـ"الإرهاب".
وأوضحت صحيفة "معاريف" العبرية أن حكومة الاحتلال الإسرائيلية تسعى من خلال هذا المشروع إلى "تحطيم السلطة الفلسطينية والقضاء على فكرة الدولة الفلسطينية". وتعتمد الخطة على رؤية المستشرق الإسرائيلي مردخاي كيدار، التي تروج لإقامة "إمارات" محلية في الضفة الغربية تحت سيطرة أمنية إسرائيلية كاملة، لمنع قيام دولة فلسطينية.
تاريخ الخطة
تعود جذور هذه الخطة إلى أواخر الستينيات، حين طرحها الجنرال بنيامين بن إليعازر، الحاكم العسكري الأول للضفة الغربية، بدعم من وزير دفاع الاحتلال موشيه ديان. لكن بعد تجارب طويلة، توصل القادة الإسرائيليون إلى استحالة تطبيقها، وتحولوا لدعم حل الدولتين.
ورغم ذلك، يجد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في هذه الخطة "الحل الوحيد"، حيث يدعو إلى فرض السيادة الإسرائيلية على 60% من الضفة الغربية (المنطقة ج) وبعض أجزاء المنطقة ب، مع إقامة كيانات محلية صغيرة تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية.
تحفظات أمنية إسرائيلية
فيما أبدت أجهزة الأمن الإسرائيلية، بما في ذلك جهاز "الشاباك" والمؤسسة العسكرية، تحفظات كبيرة على الخطة، معتبرة إياها "فاشلة منذ البداية".
وحذرت مصادر أمنية من أن تفكيك السلطة الفلسطينية قد يؤدي إلى فوضى عارمة دون بديل منظم. وتساءل الجنرال المتقاعد غادي شمني: "كيف يمكن التعامل مع عشرات العائلات المسلحة، كل منها لها نظامها الخاص؟ سيكون ذلك كارثة".