بلغت أزمة الجوع وسوء التغذية في قطاع غزة مستويات غير مسبوقة، وسط تحذيرات أممية من أن عشرات الآلاف من الأطفال والنساء يحتاجون إلى علاج عاجل، في وقت تواصل إسرائيل فرض قيود صارمة على دخول المساعدات الإنسانية.
وتشير تقارير محلية ودولية إلى تدهور حاد في الأوضاع المعيشية، مع تسجيل حالات وفاة بسبب الجوع وسوء التغذية، بينما تحذر الأمم المتحدة من أن القيود الإسرائيلية على المساعدات تهدد بانهيار كامل للجهود الإنسانية.
وفيات الأطفال بسبب الجوع ونقص الرعاية
أفاد الدفاع المدني في غزة بتسجيل حالات وفاة بين الرضع نتيجة الجوع الحاد ونقص التغذية، مشيراً إلى وفاة ثلاثة أطفال على الأقل خلال الأسبوع الماضي. وقال المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل لوكالة "فرانس برس": "هذه الحالات المؤلمة لم تكن بسبب القصف المباشر، بل نتيجة نقص الغذاء، وغياب الحليب، وانعدام الرعاية الصحية الأساسية".
وتظهر مشاهد مروعة من مراكز توزيع الغذاء في مخيم النصيرات، حيث ينتظر الأطفال وأسرهم لساعات للحصول على وجبات غذائية شحيحة. وفي أحد المراكز التابعة للأمم المتحدة، بدت علامات الهزال والجوع الشديد على وجوه الأطفال، الذين كانوا يقرعون الصحون والأواني في انتظار دورهم.
أوامر التهجير الإسرائيلية
وصف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) الأمر العسكري الإسرائيلي الذي يفرض على سكان دير البلح النزوح جنوباً بأنه "ضربة قاصمة" للجهود الإنسانية. وحذر في بيان من أن "أمر التهجير الجماعي وجه ضربة أخرى لشريان الحياة الهش أصلاً الذي يُبقي الناس على قيد الحياة".
وأشارت التقارير إلى أن أكثر من مليوني شخص في غزة يعانون من نقص حاد في المواد الغذائية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية بنسبة هائلة، وحسب برنامج الأغذية العالمي، ارتفع سعر الدقيق بنحو 3000% مقارنة بفترة ما قبل الحرب، وقال مدير البرنامج كارل سكاو، الذي زار غزة مؤخراً: "الوضع هو الأسوأ الذي رأيته في حياتي. الناس يتضورون جوعاً بينما الطعام موجود على بعد أمتار خلف الحدود".
الأطفال والنساء الحوامل الأكثر تضرراً
تشكل فئة الأطفال والنساء الحوامل الفئة الأكثر تضرراً من الأزمة الإنسانية في غزة. وقالت منظمة "أطباء بلا حدود" إن فرقها الطبية تسجل أعلى معدلات سوء التغذية في تاريخ القطاع. وأوضحت الطبيبة جوان بيري أن "سوء التغذية بين الحوامل ونقص الرعاية الصحية يؤدي إلى ولادة أطفال مبتسرين، بينما تعاني وحدات العناية المركزة من اكتظاظ شديد، حيث يتقاسم أربعة أو خمسة أطفال حاضنة واحدة"، كما أشارت المنظمة إلى أن نقص البروتين يعيق تعافي المرضى من الجروح، بينما يؤدي سوء التغذية إلى إطالة فترات الإصابة بالعدوى.
استشهاد المدنيين أثناء انتظار المساعدات
أعلن الدفاع المدني الفلسطيني استشهاد 93 فلسطينياً على الأقل جراء إطلاق النار من القوات الإسرائيلية على حشود تنتظر الحصول على مساعدات غذائية، معظمهم في شمال غزة. وقال برنامج الأغذية العالمي إن قافلة مساعدات تابعته تعرضت لهجوم بعد اجتياز نقاط التفتيش الإسرائيلية، مما أدى إلى سقوط ضحايا.
من جهتها، شككت إسرائيل في الحصيلة، مدعية أن جنودها أطلقوا "نيراناً تحذيرية لمواجهة تهديد مباشر"، إلا أن شهوداً عياناً ومنظمات حقوقية اتهموا الجيش الإسرائيلي باستهداف المدنيين بشكل متكرر أثناء توزيع المساعدات.
أدان البابا لاوون الرابع عشر ما وصفه بـ"همجية الحرب"، داعياً إلى "وقف فوري للأعمال العدائية وحل سلمي". كما طالب باحترام القانون الإنساني وحماية المدنيين، وجاءت تصريحاته بعد مقتل ثلاثة أشخاص في قصف إسرائيلي استهدف كنيسة العائلة المقدسة، الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في غزة.
وفي سياق متصل، أعلنت إسرائيل عدم تمديد تأشيرة جوناثان ويتال، مدير مكتب "أوتشا" في القدس، بعد اتهامه بـ"انتهاك قواعد الحياد"، وكان ويتال قد انتقد مراراً الأوضاع الإنسانية في غزة، واصفاً السكان بأنهم "يموتون ببطء".
تعود جذور الأزمة الإنسانية الحادة في غزة إلى فرض إسرائيل حصاراً شاملاً على القطاع منذ مارس الماضي، بعد فشل محادثات تمديد وقف إطلاق النار، ورغم السماح بدخول شحنات محدودة من المساعدات مؤخراً، إلا أن الكميات لا تكفي لسد احتياجات السكان، وسط تحذيرات من مجاعة شاملة تهدد حياة مئات الآلاف.