تُعد قاذفة بي-٢ سبيريت، المعروفة باسم "الروح الشبحية"، واحدة من أكثر الطائرات العسكرية تقدمًا وغموضًا في العالم، حيث تجمع بين التكنولوجيا الشبحية المتطورة والقدرات الاستراتيجية الاستثنائية.
طُورت هذه القاذفة الثقيلة من قبل شركة نورثروب جرومان لصالح القوات الجوية الأمريكية، وهي مصممة لاختراق الدفاعات الجوية المعادية وتنفيذ مهام دقيقة بعيدة المدى باستخدام أسلحة تقليدية أو نووية.
تتميز بي-٢ بقدرتها على العمل بطاقم مكون من طيارين اثنين فقط، بفضل أنظمة الحوسبة المتقدمة التي تقلل من عبء العمل على الطيارين، مقارنة بقاذفات أقدم مثل بي-٥٢ ستراتوفورترس وبي-١ لانسر التي تتطلب طواقم أكبر. تُعد هذه الطائرة، التي تُكلف حوالي ٢ مليار دولار للواحدة، من أغلى الأصول العسكرية في التاريخ، مما يبرز تعقيد تصميمها ودورها الحاسم في العمليات الاستراتيجية، وفقًا لصحيفة سيمبل فلاينج.
التصميم الشبحي: هندسة ثورية
يتميز تصميم بي-٢ سبيريت ببنية "الجناح الطائر"، وهو تصميم فريد لم يُستخدم بنجاح من قبل، مما يجعلها واحدة من أكثر الطائرات تميزًا في التاريخ. يبلغ عرض جناحي الطائرة ١٧٢ قدمًا (حوالي ٥٢ مترًا)، وتعتمد على أنظمة تحكم طيران متقدمة تعمل بالحاسوب (نظام الطيران بالسلك)، مما يجعلها غير قابلة للطيران بدون مساعدة الحاسوب بسبب تصميمها غير التقليدي.
رمز التفوق التكنولوجي العسكري
وتُغطى الطائرة بطبقات طلاء ماصة للرادار وتستخدم تقنيات متقدمة مثل الصفيف الممسوح إلكترونيًا (إيه إي إس إيه)، مما يقلل من بصمتها الرادارية ويجعلها شبه غير مرئية لأنظمة الدفاع الجوي.
ويؤكد الخبراء أن هذا التصميم الشبحي يمنح بي-٢ ميزة استراتيجية فريدة، حيث يمكنها اختراق المجالات الجوية المحمية بشدة دون اكتشاف. ومع ذلك، يشير بعض المراقبين إلى أن التكلفة العالية لتطوير هذه التقنيات، إلى جانب صعوبة الصيانة، جعلت إنتاج الطائرة محدودًا، حيث تم تصنيع ٢١ طائرة فقط، خُسرت إحداها في حادث تحطم عام ٢٠٠٨، وتضررت أخرى بشدة عام ٢٠٢٢، تاركة الأسطول بـ١٩ طائرة فقط.
أنظمة القيادة والتحكم: قوة حاسوبية هائلة
تُعد بي-٢ سبيريت بمثابة "حاسوب طائر" بفضل أنظمة الطيران المتقدمة التي تقلل من عبء العمل على الطيارين. يجلس الطياران جنبًا إلى جنب أمام لوحة تحكم بسيطة تحتوي على شاشات عرض بدلًا من مئات الأزرار الموجودة في الطائرات الأقدم. تتضمن هذه الشاشات شاشة العرض الرأسي (في إس دي) التي توفر بيانات الطيران الأساسية مثل الارتفاع والسرعة والاتجاه ووضعية الطائرة، وشاشة العرض الأفقي (إتش إس دي) التي تعرض بيانات المهمة، مواقع الطائرات القريبة، ومسار الرحلة. تساهم هذه الأنظمة في تقليل الضغط على الطيارين، مما يتيح لهما التركيز على المهام الحرجة.
تُحدث برمجيات بي-٢ باستمرار من خلال "مصنع برمجيات سبيريت ريلم" التابع لمركز دعم أنظمة الأسلحة في القوات الجوية الأمريكية، مما يضمن بقاء الطائرة في صدارة التكنولوجيا. يرى الخبراء أن هذه الأنظمة تجعل بي-٢ واحدة من أكثر الطائرات كفاءة في العمليات طويلة المدى، بينما يحذر بعض المراقبين من أن الاعتماد الكبير على الحواسيب قد يشكل تحديًا في حالة التعرض لهجمات سيبرانية متطورة.
القدرات التشغيلية: مهام طويلة المدى
كما تُعد بي-٢ سبيريت الخيار الأمثل للقوات الجوية الأمريكية في المهام التي تتطلب اختراق دفاعات معقدة، بفضل مداها الاستثنائي وقدراتها الشبحية. يصل مدى الطائرة بدون إعادة التزود بالوقود إلى حوالي ٦٠٠٠ ميل بحري (٩٦٠٠ كيلومتر)، ويمكن أن يمتد إلى ١٠٠٠٠ ميل بحري (١٨٥٢٠ كيلومتر) مع إعادة تزود واحدة بالوقود جوًا، وفقًا لصحيفة سيمبل فلاينج. هذا المدى يجعلها قادرة على الوصول إلى أي هدف في العالم تقريبًا، مع قيد وحيد هو تحمل الطيارين البشريين.
في عام ٢٠٠١، نفذت بي-٢ أطول مهمة قتالية في التاريخ استمرت ٤٤ ساعة خلال عملية الحرية الدائمة في أفغانستان، حيث انطلقت من قاعدة وايتمان في ميسوري، وهبطت في جزيرة دييغو غارسيا بعد تنفيذ ضربات دقيقة، ثم عادت إلى ميسوري في رحلة استغرقت إجمالًا حوالي ٧٠ ساعة.
خلال عملية الحلفاء في كوسوفو عام ١٩٩٩، دمرت بي-٢ ٣٣٪ من الأهداف خلال الأسابيع الثمانية الأولى من الحملة، رغم أنها شكلت أقل من ١٪ من الطلعات الجوية للناتو، وألقت ١١٪ من القنابل، محققة دقة بنسبة ٩٠٪ ضمن دائرة قطرها ٤٠ قدمًا من الأهداف. يؤكد الخبراء أن هذه القدرات تجعل بي-٢ العمود الفقري لأسطول القاذفات الأمريكية، بينما يشير المراقبون إلى أن محدودية عددها تجعل كل طلعة محفوفة بالمخاطر بسبب قيمتها الاستراتيجية.
ظروف الطيارين: تحديات المهام الطويلة
وتُصمم بي-٢ لدعم الطيارين خلال المهام الطويلة التي تزيد مدتها عن ٢٤ ساعة، مما يجعل الراحة ضرورة حيوية. تتضمن الطائرة سريرًا قماشيًا صغيرًا ("سرير المخيم")، وميكروويف بحجم صندوق الأحذية، وثلاجة صغيرة، ومرحاض كيميائي، مما يتيح للطيارين تحمل الرحلات الطويلة، وفقًا لصحيفة سيمبل فلاينج. يتناوب الطياران على النوم في هذا السرير القماشي، في ممارسة تُعرف بـ"الرقاد المتناوب"، حيث ينام أحدهما بينما يقود الآخر خلال المراحل غير الحرجة من الرحلة.
ويقول الكابتن كريس "ثاندر" بيك، وهو طيار سابق لبي-٢ وبي-٥٢، إن الرحلات التي تقل عن ٢٠ ساعة أصبحت تبدو "غير كبيرة" بعد التعود على المهام الطويلة. يتذكر الطيار المتقاعد ميل ديايل تجربته خلال مهمة ٤٤ ساعة في أفغانستان عام ٢٠٠١، حيث تضمنت الرحلة إعادة تزود بالوقود جوًا عدة مرات فوق غوام ومضيق ملقا وبالقرب من دييجو جارسيا، مع تغيير ٧٠٪ من الأهداف بسبب التحديثات أثناء الرحلة. يشير الخبراء إلى أن هذه القدرة على التكيف السريع تعكس قوة أنظمة بي-٢، بينما يحذر المراقبون من أن إجهاد الطيارين قد يؤثر على الأداء إذا لم تُدار الراحة بعناية.
تعدد المهام: الضربات والاستخبارات
إلى جانب قدرتها على تنفيذ ضربات دقيقة، تُعد بي-٢ منصة مثالية لجمع المعلومات الاستخبارية والمراقبة والاستطلاع. تتيح أجهزة الاستشعار المتقدمة في الطائرة جمع بيانات حيوية عن تحركات القوات المعادية أثناء تجوالها فوق مناطق النزاع، مما يوفر معلومات قيمة للقادة العسكريين. يمكن للطائرة البقاء في المجال الجوي لفترات طويلة حتى تتلقى أوامر بإلقاء القنابل، مما يجعلها أداة مرنة متعددة المهام.
ويؤكد الخبراء أن هذه القدرات تجعل بي-٢ لا غنى عنها في العمليات الحساسة، بينما يشير المراقبون إلى أن انتقال القوات الجوية الأمريكية إلى قاذفة بي-٢١ رايدر، التي ستكون اختيارية التشغيل بدون طيار، قد يعزز هذه المرونة مع تقليل المخاطر على الطيارين.