أخبار عاجلة
قريبا.. طرح مسلسل إلا الطلاق على منصة شاهد -
ليفربول يتحرك لخطف الموهبة الفرنسية -

أبوبكر الديب يكتب: من النيل لـ "البوسفور".. تحالف اقتصادي متعدد المسارات

أبوبكر الديب يكتب: من النيل لـ "البوسفور".. تحالف اقتصادي متعدد المسارات
أبوبكر الديب يكتب: من النيل لـ "البوسفور".. تحالف اقتصادي متعدد المسارات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في عالم تتسارع فيه إيقاعات التحول الاقتصادي وتتشابك فيه خرائط المصالح الإقليمية، تبرز العلاقات بين القاهرة وأنقرة، كأحد النماذج التي تعيد تعريف الشراكة بمعناها العملي، بعيدًا عن الشعارات والمجاملات الدبلوماسية، فالعلاقة التي تتشكل اليوم بين مصر وتركيا، لا تُبنى على التصريحات، بل على المشاريع، ولا تقف عند حدود الأرقام، بل تتجاوزها إلى إعادة توزيع الأدوار في قلب الإقليم.

 إنها علاقة تتحدث بلغة المصانع والموانئ، وترسم مسارها عبر خطوط الشحن وخطط الطاقة والتكنولوجيا والإنتاج، في وقت يبحث فيه الجميع عن استقرار قابل للبناء، ونمو يستند إلى منطق المصلحة لا إلى الحسابات الظرفية.

 ما يجري ليس مجرد تقارب اقتصادي، بل هندسة دقيقة لممرات التكامل العابر للحدود، تستفيد فيها القاهرة من زخم القدرات الصناعية التركية، وتُراهن أنقرة على الموقع الاستراتيجي والبنية التحتية المصرية كبوابة واسعة نحو الأسواق الكبرى.

وتتجه العلاقات الاقتصادية بين القاهرة وأنقرة، نحو مرحلة متقدمة من التكامل العملي، مدفوعة بإرادة مشتركة لتوسيع نطاق المصالح التجارية، وتعزيز الروابط الصناعية واللوجستية بين اثنتين من كبرى القوى الإنتاجية في الإقليم.

ويأتي هذا التطور في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات متسارعة على صعيد سلاسل الإمداد وتوازنات الطاقة والأسواق الناشئة، ما يمنح الشراكة المصرية التركية بعدًا استراتيجيًا واسع الأفق.

 

وخلال الأشهر الأخيرة، تم التوافق بين الجانبين على حزمة من المشاريع الاقتصادية المتداخلة، من بينها إطلاق مبادرات صناعية مشتركة داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وتفعيل خطوط الشحن المباشر بين موانئ البلدين بهدف تقليص التكلفة الزمنية والجمركية للتبادل التجاري.

كما يجري العمل على تطوير منظومة الربط الجمركي والتقني بين الهيئات المختصة لتسهيل انسياب البضائع والخدمات.

قطاع الطاقة يشهد أيضًا زخمًا لافتًا، مع بحث مشترك لإمكانات التعاون في مجال إسالة الغاز وتخزينه وإعادة تصديره، مستفيدَين من البنية التحتية المتقدمة في مصر والخبرة التشغيلية التي راكمتها أنقرة في مجال التنقيب والنقل البحري.

وتشير التقديرات الأولية إلى أن هذه الشراكة قد تُنتج نموذجًا اقتصاديًا جديدًا يُسهم في تلبية الطلب الأوروبي على الطاقة عبر مسارات أكثر مرونة وأمانًا.

من جهة أخرى، يبرز التعاون في مجال التصنيع الدوائي والمكونات التكنولوجية كأحد المحاور الواعدة في خريطة التعاون الجاري، وسط اهتمام مشترك بتوطين الصناعات الحيوية وتعزيز الاعتماد الإقليمي المتبادل في مجالات حساسة.

كما شهدت الفترة الماضية زيارات مكثفة بين اتحادات الأعمال في البلدين، ولقاءات نوعية بين مستثمرين وشركات من القطاع الخاص أسفرت عن تفاهمات في قطاعات الأغذية والتغليف والبتروكيماويات والخدمات اللوجستية.

ويبدو أن الاتجاه العام للعلاقات الاقتصادية بين مصر وتركيا، يمضي نحو تكامل متدرّج ومستقر، يستند إلى رؤية واضحة تقوم على تفعيل نقاط القوة لدى الطرفين، وإيجاد مساحات مستدامة للتعاون في الأسواق الإقليمية، خصوصًا في أفريقيا وآسيا الوسطى.

ويمثل هذا التوجّه تجسيدًا لفهم مشترك لديناميكيات المرحلة، حيث تصبح الشراكات المتعددة الأطراف إحدى أدوات الاستقرار والنمو، بعيدًا عن المفهوم التقليدي للعلاقات الثنائية المقيدة.

وفي هذا السياق، تتحول القاهرة وأنقرة إلى مركزين حيويين في شبكة اقتصادية جديدة أكثر انفتاحًا على الابتكار، وأكثر انسجامًا مع التحديات المتغيرة، بما يفتح المجال أمام مزيد من التوسع في المشاريع المشتركة ويعزز فرص التكامل الإنتاجي والتجاري بين ضفتي المتوسط.

وفي زمن تتداخل فيه خرائط النفوذ مع مسارات التجارة، وتتشكل فيه التحالفات وفق منطق المصالح لا الاصطفافات، يبرز التقارب الاقتصادي بين القاهرة وأنقرة كأحد أكثر النماذج ديناميكية في الإقليم.

 تحالف ذكي، يتجاوز الحواجز التقليدية، وينطلق بهدوء نحو رسم واقع اقتصادي جديد بين ضفتي النيل والبوسفور.

وفي الأشهر الأخيرة، تكثفت اللقاءات الرسمية والتقنية بين الجانبين، وتم التوصل إلى تفاهمات واسعة النطاق، تشمل إنشاء مناطق صناعية تركية داخل محور قناة السويس، وإطلاق خطوط شحن مباشر تربط موانئ مصرية بنظيراتها التركية، وتحديث منظومة الربط الجمركي لتقليل زمن الإفراج وتسهيل عبور البضائع.

هذا التوسع اللوجستي لا يُقرأ بمعزل عن الطموح الإقليمي لكلا البلدين في التصدير إلى أفريقيا، وتوسيع النفوذ التجاري في أسواق تتجه تدريجيًا نحو الشرق.

فعلى صعيد الطاقة، يشهد التعاون المصري التركي تطورًا استراتيجيًا مع دراسة مشاريع مشتركة في إسالة الغاز، والتخزين، وإعادة التصدير نحو أوروبا، وهي مشاريع تعزز موقع مصر كبوابة طاقة إقليمية، وتفتح أمام تركيا مسارًا اقتصاديًا يعزز استقلالها في سوق الطاقة.

كما يجري التفاهم حول مشاركة شركات مصرية في البنية التحتية التركية، لا سيما في مشاريع الشرق التركي بدعم من صناديق استثمارية.

ويشكل قطاع التكنولوجيا بُعدًا إضافيًا في هذه الشراكة، مع مباحثات جارية لتأسيس مركز إقليمي مشترك للابتكار الصناعي والبرمجيات في مجالات الطاقة المتجددة والنقل الذكي، ما يعكس وعيًا مزدوجًا بأهمية الانتقال من استيراد التكنولوجيا إلى المشاركة في إنتاجها.

ولا يقل الحراك في القطاع الخاص أهمية عن التحركات الرسمية، حيث شهدت القاهرة وأنقرة زيارات متبادلة بين اتحادات الأعمال الكبرى، أسفرت عن توقيع اتفاقات استثمارية في مجالات الأغذية والدواء والنسيج والصناعات البلاستيكية.

وتشير التقديرات الأولية إلى أن حجم التبادل التجاري مرشح للارتفاع إلى 10 مليارات دولار خلال العام المقبل، في حال استمرار هذه الوتيرة التصاعدية.

وفي مجملها، لا تقوم هذه الشراكة على شعارات أو مواقف مؤقتة، بل على بنية مصالح عابرة للسياسة، قابلة للتوسع، ومرتبطة بضرورات اقتصادية إقليمية ضاغطة، فكل طرف يرى في الآخر فرصة مضافة في وقت تتغير فيه معالم السوق، وتتراجع فيه فاعلية المحاور التقليدية.

التحالف الذكي بين القاهرة وأنقرة، ليس إعادة اصطفاف، بل إعادة توجيه للممكن. فمن النيل إلى البوسفور، تتشكل شبكة مصالح هادئة تعيد تعريف التعاون الإقليمي، وتقدم نموذجًا قد يُحتذى في بيئة تحتاج إلى التوازن أكثر من المواجهة، وإلى البناء أكثر من الخطب.

وعقد الرئيس عبد الفتاح السيسي، والرئيس رجب طيب أردوغان، سلسلة من اللقاءات الثنائية خلال عامي 2024 و2025 أعادت رسم خارطة العلاقات بين القاهرة وأنقرة.. اللقاء الأول تم في فبراير 2024، حين زار أردوغان القاهرة للمرة الأولى منذ 2012، حيث عقد الزعيمان مؤتمرًا صحفيًا مشتركًا، وأعلنا عن صفحة جديدة من التعاون، ناقشا ملفات إقليمية أبرزها الوضع في غزة وسوريا، واتفقا على رفع حجم التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار، كما وجه أردوغان دعوة رسمية للسيسي لزيارة تركيا. وفي سبتمبر 2024 لبى الرئيس السيسي الدعوة وقام بزيارة رسمية إلى أنقرة، حيث تم التوقيع على مجلس شراكة استراتيجية رفيع المستوى، إضافة إلى اتفاقات تعاون في مجالات الغاز والطاقة النووية والدفاع والتجارة.

وفي ديسمبر من نفس العام التقى الزعيمان مجددًا على هامش قمة مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية (D-8) في العاصمة الإدارية الجديدة، حيث شددا على أهمية استمرار التنسيق المشترك في القضايا الإقليمية، وخاصة الأوضاع في غزة وسوريا.

وشهدت هذه اللقاءات توافقًا لافتًا على ضرورة دفع الحلول السلمية ودعم إعادة الإعمار وتعزيز العلاقات الاقتصادية، في حين أشار أردوغان إلى دعمه إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود يونيو 1967.

اللقاءات عكست تطورًا لافتًا في مسار العلاقات الثنائية، تم تتويجه بإعادة تفعيل التعاون المؤسسي وتبادل الرسائل السياسية والاقتصادية على أعلى مستوى، ما يؤشر إلى مرحلة جديدة من التنسيق الإقليمي بين القوتين المؤثرتين في شرق المتوسط والعالم الإسلامي.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق أسعار النفط ترتفع بعد ثلاثة أيام من التراجع.. تفاصيل
التالى وزيرا الإسكان والرياضة يتابعان ملفات العمل وأوجه التعاون المشترك