إعداد د. سعيد ندا*
حققت إسرائيل اختراقاً ملحوظاً للفضاء الإفريقي، مع التركيز على المناطق ذات الأهمية الجيوسياسية، في استراتيجية الخارجية الإسرائيلية تجاه القارة، وارتكزت إسرائيل في توغلها في أصقاع القارة، على عدة ركائز منها، ما هو اقتصادي، ومنها ما هو تكنولوجي، ومنها ما هو ثقافي وإنساني، غير أن الركيزة المُعَوَّلُ عليها حالياً، تكاد تكون محصورة في تقديم خدمات الدفاع والأمن.
وفي ذات الوقت، أحرزت إيران تقدماً هائلاً، في مساعيها الحثيثة للتواجد في الفضاء الإفريقي، ونسجت علاقات وطيدة مع كثير من الدول في جُل أقاليم القارة، ضمن خطة توسعية، تركز على الأقاليم والمناطق الجيوستراتيجية، وترتكز في البداية على البعد الأيديولوجي (الديني)، تم تُضِيف إليه البعد الاقتصادي، ثم تُضِيف إليهما البعد العسكري والأمني.
في صبيحة الـثالث عشر من يونيو 2025، دارت رحى الحرب الإسرائيلية على إيران، في درجة قصوى من التعتيم والخداع الاستراتيجي، وهو ما جعل الوقوف على حقيقة نتائجها أمراً مستحيلاً، غير أن هناك من النتائج ما لا يختلف عليه اثنان ومنها: أن كل طرفٍ قد ألحق بالطرف الآخر أضراراً فادحة، وأن كلاً منهما لديه من الناحية العسكرية نقاط قوة ونقاط ضعف، وتعد هاتان النتيجتان من أهم ركائز تقييم الأفارقة، للقدرات العسكرية لطرفي الحرب، عند دراسة الاستجابة لمساعيهما نحو توطيد العلاقات معهما، وبخاصة بعد تعاظم الطلب الإفريقي على خدمات الدفاع والأمن، بسبب تفشي ظاهرة عدم الاستقرار وانعدام الأمن في البيئة الإفريقية، وهو ما يعني أن المنافسة (الحرب) بين إسرائيل وإيران، سوف تحتدم على الساحة الإفريقية في قابل الأيام.
ومن هنا تستهدف هذه الورقة، استشراف مستقبل المنافسة الإسرائيلية- الإيرانية على الساحة الإفريقية، وتأثير ذلك على طبيعة علاقات الطرفين الإفريقية، في ظل تأثيرات وانعكاسات الحرب الإسرائيلية- الإيرانية، عبر رصد وتحليل طبيعة العلاقات الحالية بين طرفي الحرب وبين الأفارقة، ورصد وتحليل اتجاهات الطلب الإفريقي الناشئ عن تطورات البيئة الداخلية، وتفسير الصورة الذهنية التي خلفتها هذه الحرب لدى الأفارقة عن قدرات طرفيها، وعن التفاعلات التي أحدثتها في النظام الدولي، وذلك في المحاور التالية:
ديناميات ومسارات ونتائج الحرب
في تخطيط إسرائيلي- أمريكي محكم ومُعد سلفاً، بادرت إسرائيل بتنفيذ هجمات مفاجئة، على أهداف مادية وبشرية إيرانية، متجاوزةً ببعضها الدفاعات الجوية الإيرانية، ومخترقةً بالبعض الآخر السياجات الاستخباراتية الإيرانية، وعلى إثر هذه الهجمات والاختراقات، فقدت إيران عدداً لا يستهان به من قادتها العسكريين، ومن علمائها المشاركين في برنامجها النووي، فضلا عن تضرر منشآت وعناصر بشرية عسكرية ومدنية.
وعلى الرغم من الارتباك الشديد، الذي يمكن أن تُحْدِثَه مثل هذه الخسائر الفادحة المفاجئة، فقد استطاعت إيران أن ترد سريعاً على ذلك، بضربات جوية في العمق الإسرائيلي، مخترقة بها الدفاعات والتحصينات الإسرائيلية، بما في ذلك “القبة الحديدية”، وهنا بدت قدرات إيرانية مفاجئة للتقديرات الإسرائيلية-الأمريكية، وهو ما أصاب العسكريين والمدنيين الإسرائيليين، بحالة من الذعر والهلع والارتباك، شكلت ضغطاً كبيراً على صانع ومتخذ القرار الإسرائيلي.
وتبادل الطرفان مهاجمة بعضِهما البعض، بشدةٍ وحدةٍ متصاعدةٍ قصداً، ألحقت بكل منهما خسائر فادحة، تناوبا على إثر ذلك امتلاك زمام المبادرة وعلو اليد، وكشف ذلك، عن أن قدرة إيران، على التحمل والصمود والتصعيد، كانت أكبر مما كان متوقعاً، في المقابل كشف عن أن قدرة إسرائيل، على التحمل الاستمرار والتصعيد، كانت محدودة ودون المتوقع، فبدا جلياً عدم قدرتها على مواصلة الحرب وتحقيق أهدافها وحدها، بغير تدخل مباشر من الولايات المتحدة.
وهنا تدخلت الولايات المتحدة، وضربت منشآت نووية إيرانية، وهو ما أحدث تغيراً في مسار العمليات، حيث استهدفت طهران قاعدة عسكرية أمريكية في قطر، وعند هذه المرحلة، أعلنت الولايات المتحدة، عن التوصل لاتفاق يقضي بوقف إطلاق النار بين الطرفين، بعدها تحولت الحرب إلى حرب مزاعم إعلامية، وبغض النظر عن صحة ما زعمه كل طرف، بشأن ديناميات الحرب، وما نتج عنها من مكاسب أو خسائر، فالمؤكد أن تقييم هذه الحرب يخضع لمعايير شتى، تختلف باختلاف المنظور الذي يتم التقييم من خلاله.
لمحة موجزة عن علاقات طرفي الحرب مع الأفارقة

سعت إسرائيل منذ إنشائها نحو كسر العزلة، التي فرضتها عليها الجغرافيا السياسية لموقعها في قلب العالم العربي، فتوجهت إلى إفريقيا لتُلْقِي في فضائها بثقلها الدبلوماسي، ونجحت بالفعل في التوغل في القارة على نطاق واسع، غير أن متغيرات المنطقة أثرت سلباً أحياناً، وإيجاباً أحيانا أخرى، على العلاقات الإسرائيلية- الإفريقية، حيث مرت هذه العلاقات بمراحل متأرجحة، بين التطبيع والقطيعة والتعاون والفتور، لدرجة أن إسرائيل أخفقت في عقد قمة إسرائيلية- إفريقية، بعد أن رحبت توجو باستضافتها، وتحدد لها موعداً في أكتوبر 2017،([1]) ومع ذلك لم تفتر المساعي الإسرائيلية، وعاودت إسرائيل مد جسور التعاون مع الأفارقة، حتى كادت أن تحصل على عضوية الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب، لولا جهود بعض الدول التي أجهضت هذا المخطط.([2])
وعلى الجانب الآخر كانت المساعي الإيرانية الدؤوبة، قد حققت تقدماً كبيراً في نسج علاقات قوية، مع عدد كبير من الدول الإفريقية، معتمدة في البداية وبشكل أساسي على المدخل الأيديولوجي، عبر نشر المذهب الشيعي بين المسلمين الأفارقة، وهو ما عزز حضورها الاقتصادي في القارة تدريجياً،([3]) وحدا بها إلى عقد القمة الإيرانية- الإفريقية الأولى أواخر إبريل الماضي 2025، بحضور ممثلين رفيعي المستوى لحوالي (50) دولة إفريقية، واستهدفت هذه القمة الوصول بالتبادل التجاري، بين إيران وإفريقيا إلى أكثر من (10) مليارات دولار سنوياً، وفي ذات الوقت اتجهت الخارجية الإيرانية نحو تنويع أدواتها، فبدأت بالاعتماد بشكل كبير على التعاون العسكري والأمني، لتلبية الطلب الإفريقي المتنامي في هذا المجال.([4])
مناطق النفوذ والتأثير وتباين المواقف
على الرغم من أن استراتيجية كل من إسرائيل وإيران تجاه إفريقيا، تستهدف نسج علاقات تعاونية في سائر أقاليم القارة، إلا أن كلاً منهما يركز على المناطق والأقاليم التي تخدم مصالحه، وفقا لمصفوفة المصالح التي يضعها صانعو القرار.
تركز إسرائيل على منطقة باب المندب، ومن ثم القرن الإفريقي وإقليم شرق إفريقيا؛ فالمنفذ البحري الوحيد الآمن لإسرائيل حتى الآن، يمر عبر خليج العقبة، قدوما من باب المندب، أو من قناة السويس، ومن زاوية أخرى فمن شرق إفريقيا وإثيوبيا تحديداً، ينبع 85% من مياه النيل الواصلة إلى السودان ومصر، والتي تخطط إسرائيل للوثوب إليها بشتى الطرق، ثم تأتي المناطق التي تشهد صراعات مسلحة وعدم استقرار سياسي وأمني في المرتبة الثانية في استراتيجية الانتشار الإسرائيلية في إفريقيا، ويلي ذلك مناطق الثروات الطبيعية وبخاصة المعادن.
وتركز إيران في المقام الأول على منطقة باب المندب، ومن ثم القرن الإفريقي وإقليم شرق إفريقيا؛ فتجارة إيران النفطية وغير النفطية المتجهة غرباً ذهاباً وإياباً، تمر عبر باب المندب وقناة السويس، وفي المقام الثاني بدأت إيران في التركيز على مناطق الصراعات المسلحة وعدم الاستقرار السياسي والأمني، بعدما اتخذت مبيعات السلاح وسيلة للانتشار في ربوع القارة، وفي المقام الثالث تأتي المناطق ذات الطبيعة الاقتصادية التي تلبي الطموح الاقتصادي الإيراني في إفريقيا، وبخاصة تلك التي تعزز فرص الحصول على اليورانيوم اللازم لاستكمال المشروع الإيراني النووي.
ومن هنا يتضح أن أولويات البلدين، فيما يتعلق بمناطق النفوذ والانتشار، تكاد تكون واحدة، وهو ما يعزز فرضية احتدام المنافسة بينهما، وانتقال الحرب بينهما من الجيل الثالث على أراضيهما إلى الجيل الرابع والخامس على الساحة الإفريقية، وتوضح الخارطة رقم (1) موقع البلدين جغرافياً بالنسبة لإفريقيا، ومنطقة النفوذ الأولى في استراتيجية البلدين تجاه القارة، وهي باب المندب والقرن الإفريقي وإقليم شرق إفريقيا.
خريطة رقم (1): موقع البلدين جغرافياً بالنسبة لإفريقيا، ومنطقة النفوذ الأولى في استراتيجية البلدين تجاه القارة.

وقد ألقت المصالح المتبادلة بين إسرائيل، وإيران، والدول الإفريقية، بظلالها على المواقف المعلنة من قبل المسئولين الأفارقة، حيث تراوحت مواقفهم بين: تضامن صريح مع إيران وإدانة لإسرائيل، وتضامن صريح مع إسرائيل وإدانة لإيران، وصمت محسوب لصالح إسرائيل، وإدانة متوازنة للطرفين؛ بسبب تهديد السلم والأمن الدوليين والإقليميين، مع الدعوة لتغليب التسوية السلمية، ويبين الجدول رقم (1) المواقف المعلنة، لـ (24) دولة إفريقية بالإضافة للاتحاد الإفريقي.
جدول رقم (1): بيان المواقف الإفريقية من الحرب الإسرائيلية على إيران

الجدول من إعداد الباحث استناداً إلى عدة مصادر([5])
البيئة الداخلية تحدد اتجاهات الطلب الإفريقي
بإمعان النظر في البيئة الإفريقية، نجد أن عدداً لا يستهان به من الظواهر السلبية، قد تفشت وترسخت فيها، وفي مقدمتها: الحكم الشمولي والاستبداد بالسلطة، والصراعات المسلحة المزمنة متعددة الأطراف، والإرهاب، والجريمة المنظمة، وغيرها من الظواهر السلبية المرتبطة بها والمترتبة عليها.
فعلى الصعيد السياسي، وعلى الرغم من تطور بعض التجارب الديمقراطية الإفريقية، لا تزال النزعة الشمولية مترسخةً في ثقافة جُل- إن لم يكن كل- الحكام الأفارقة، وهو ما حدا بكثير منهم إلى انتهاك الدساتير والتحايل على أحكامها، فضلا عن إغلاق المجال العام وقمع المعارضة، والتضييق على الحقوق والحريات، على غرار ما يحدث في غينيا الاستوائية، التي يحكمها نظامٌ شموليٌ، يحكم قبضته عليه الرئيس “تيودورو أوبيانج نجويما مباساجو”، لأكثر من (46) سنة، و يمهد الطريق أمام استخلاف ابنه، “تيودورو نجويما أوبيانج مانج” Teodoro Nguema Obiang Mangue، الملقب بـ “تيودورين” Teodorín.([6])
وما حدث- ولا يزال يحدث- في موزمبيق، من احتكار حزب، “جبهة تحرير موزمبيق” “فاليرمو” Frente de Libertação de Moçambique “FRELIMO”، للسلطة منذ الاستقلال وحتى الآن، عبر انتهاك كل المعايير والقيم الديمقراطية، وهو ما أثار نُخَب المعارضة والجماهير معاً، في أعقاب انتخابات أكتوبر من عام 2024، فخرجوا في مظاهرات واحتجاجات واسعة النطاق، قوبلت بالقمع والعنف المفرط من حكومة “فاليرمو”، ولا تختلف هذه الأجواء كثيراً عن مثيلاتها، في كثير من الدول الإفريقية ومنها: كينيا وتنزانيا وكوت ديفوار والكاميرون وغيرها.([7])
وعلى الصعيد الأمني، بات الصراع الاثني المسلح- ولم يكن كذلك قبل الاستعمار- من أسوأ سمات المجتمع الإفريقي، وبخاصة إذا ما تماهى مع الصراع السياسي على السلطة، كما في كثير من الحالات، على نحو ما حدث ويحدث في إثيوبيا، من حرب الحكومة الاتحادية، مع قادة الـ “تيجراي” Tigray وقواتهم الإقليمية، وكذلك حربها على ميليشيا فانو الأمهرية، بعد فَضِها التحالف معهم، في أعقاب توقيع اتفاق بريتوريا للسلام وانتهاء حرب الـ”تيجراي”.([8])
وعلى نحو ما يحدث حالياً في جنوب السودان، من صراع مسلح شبه مستدام، بين قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان (حكومة ومعارضة)، “سلفا كير” Salva Kiir وداعميه ضد “ريك مشار” Riek Machar وداعميه، مستغلين في ذلك انتماءاتهم الاثنية لقبيلتي “الدنكا” و”النوير”، مع سعي كل منهم لاستقطاب قادة القبائل الأخرى، ونفسُ الشيء يحدث في كثير من الدول الإفريقية، في سائر أقاليم القارة.([9])
وقد زاد تفشي ظاهرتي: الإرهاب، والجريمة المنظمة، من هشاشة الدولة الإفريقية، ما أدى إلى تعميق أزماتها المجتمعية، وأبرزها افتقاد الاستقرار والأمن، والنزوح الداخلي واللجوء إلى دول الجوار، وتضرر قطاعي الزراعة والرعي؛ بسبب تلك الهجرة السكانية، وهو ما حدث ويحدث بالفعل في الصومال شرقي إفريقيا، حيث يقود الرئيس حسن شيخ محمود حرباً ضروساً، ضد حركة الشباب الإرهابية، وما حدث أيضاً في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، من انتشار كثيف للأنشطة الإرهابية، وارتباط هذه الأنشطة بأنشطة مافيا الجريمة المنظمة.([10])
ومن هنا باتت خدمات الدفاع والأمن في هكذا مجتمع، من أكثر السلع ندرةً ورواجاً وطلباً من الحكام والمحكومين على حد سواء، وهو ما فتح أبواب التعاون الخارجي أمام صانعي ومتخذي القرار، من أجل الحصول على خدمات الدفاع والأمن، من كل القوى الإقليمية والدولية.
الصورة الذهنية التي خلفتها الحرب لدى الأفارقة
لا شك، في أن مسارات الحرب ونتائجها، خلفت صورة ذهنية لدى الأفارقة عن قدرات طرفيها، حيث أثبتت تلك الحرب، أن القدرات الإسرائيلية في المجال العسكري هائلة، وأن إسرائيل قادرة على تلبية جانب كبير من الطلب الإفريقي على خدمات الدفاع والأمن، وبخاصة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاستخبارات، والتسليح الهجومي والدفاعي، ضف إلى ذلك ما تحظى به إسرائيل، من دعم غربي صريح بقيادة الولايات المتحدة.
وعلى الجانب الآخر، أثبتت تطورات الحرب، أن إيران أيضا لديها قدرات عسكرية كبيرة، وبخاصة في مجالي الأنظمة الصاروخية بأنواعها، والطائرات من دون طيار “الدورونز”، فضلا عن رجحان كفتها في مجال التسليح، من حيث انخفاض أسعار السلاح الإيراني، مقارنة مع أسعار السلاح الغربي، إلى ذلك ما تحظى به إيران، من دعم شرقي كبير- وإن كان خفياً- من روسيا والصين وحلفائهما.
ومن ناحية أخرى، خلفت هذه الحرب صورة ذهنية سلبية، عما يراد إحداثه من تغييرات في “النظام الدولي” World Order، تهدف إلى إنهاء حالة “الأحادية القطبية” Unipolarity، وفرض حالة من التعددية النسبية المستندة إلى الواقع،([11]) وما نتج عن ذلك من النيل من مبدأ سيادة القانون الدولي، وترسخ قناعة تامة بعدم فعالية منظومة الأمم المتحدة، وما ترتب على ذلك من فقدان الثقة في مؤسساتها.
كما كشفت الحرب الإسرائيلية- الإيرانية أيضاً، عن حرب الإرادات والهيمنة، والتي تدور رحاها في شتى المجالات، بين المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي، ومن أبرز هذه المجالات، التوغل في منابع الثروات الإفريقية، وهو ما زاد من هامش المناورة المتاح أمام الأفارقة، وهو ميزة إيجابية بالنسبة لهم، لكنها تظل محفوفة بالمخاطر، ما لم يتم التعاطي معها، بقدر كبير من الحكمة والحذر.
مستقبل العلاقات الإسرائيلية الإيرانية الإفريقية
من خلال رصد وتحليل طبيعة البيئة الإفريقية، وديناميات الحرب ونتائجها، وتفريعاً على ما خلفته من صورة ذهنية لدى الأفارقة يمكننا القول، بأن حرباً ضروساً خفيةً من الجيل الرابع والخامس (غير عسكرية)، بين إسرائيل وإيران، سوف تشهدها الساحة الإفريقية، وأن هامش المناورة في العلاقات الإفريقية مع كل من إسرائيل وإيران، سوف يتسع لصالح الأفارقة؛ بسبب هذه المنافسة، وأن المنافسة سوف تكون متعددة المجالات، لكنها سوف ترتكز بصفة رئيسية على تقديم خدمات الدفاع والأمن، وانطلاقا من هذا، فسوف تشهد علاقات الأفارقة مع كل من إسرائيل وإيران، زيادة رأسية وأفقية في كل المجالات، وبخاصة في مجالات الدفاع والأمن.
ونرى أن الدافع إلى ذلك من جهة إيران، هو تأكد تفوقها عسكرياً، وبخاصة في مجال الطائرات من دون طيار، والتي باتت ركيزة أساسية، في بسط الحكومات الإفريقية سيطرتها، على المناطق الشاسعة من الصحاري والأدغال، والتي كانت تعجز عن الوصول إليها من قبل، كما أن المخاوف السابقة من التعاون إيران، قد زالت لدى كثير من الدول الإفريقية، الراغبة في التخلص من الهيمنة الغربية، وبخاصة بعد صمود إيران ونجاحها في تحدي الإرادة الأمريكية.
أما من جهة إسرائيل، فعلى الرغم من افتقادها للقبول الشعبي، إلا أن الحاجة الملحة لدى كثير من الحكام الأفارقة إلى قدرات إسرائيل الأمنية المتطورة، وبخاصة في مجال التدريب، والحراسات، والاستخبارات، وتكنولوجيا المعلومات، والتسليح النوعي المتخصص، ستدفع “الحاجة الملحة” هؤلاء الحكام إلى تجاوز تفضيلات شعوبهم، ومد جسور التعاون مع إسرائيل اضطراراً لا اختياراً.
(*)دكتوراه العلوم السياسة، جامعة القاهرة.
([1]) موقع اليوم السابع، “إسرائيل تعيد حساباتها الإفريقية بعد فشل انعقاد قمة توجو”، تحققت آخر زيارة في 11 يوليو 2025 الساعة 1:00 م على الرابط:
([2]) موقع الوقت، “الاتحاد الإفريقي يسحب صفة العضو المراقب من “إسرائيل”، تحققت آخر زيارة في 11 يوليو 2025 الساعة 1:05 م على الرابط:
http://alwaght.net/ar/News/249383
([3]) د. رامي عاشور، “إفريقيا فى التوجهات الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية”، في مجلة كلية السياسة والاقتصاد (بني سويف: كلية السياسة والاقتصاد، جامعة بني سويف، المجلد 19، العدد 18، إبريل 2023) ص ص 339-355.
([4]) موقع ميدل إيست نيوز، “القمة الإيرانية الإفريقية: إيران تتعهد بتوسيع التعاون مع أفريقيا في كافة المجالات”، تحققت آخر زيارة في 11 يوليو 2025 الساعة 1:10 م على الرابط:
([5]) محمود سامح همام، “دبلوماسية الصمت والبراغماتية: قراءة في ردود الفعل الأفريقية على الحرب الإيرانية– الإسرائيلية”، علي موقع مركز الدراسات الاستراتيجية وتنمية القيم، تحققت آخر زيارة في 11 يوليو 2025 الساعة 1:20 م على الرابط:
– محمد الجزار، “تداعيات الحرب الإيرانية الإسرائيلية على إفريقيا: قراءة في المواقف والانعكاسات المحتملة”، على موقع أفريكا تريندز، تحققت آخر زيارة في 11 يوليو 2025 الساعة 1:20 م على الرابط التالي
([6]) د. سعيد ندا، “هل يكرّر التاريخ نفسه في انتخابات غينيا الاستوائية لعام 2022م؟”، على موقع قراءات إفريقية، تحققت آخر زيارة في 11 يوليو 2025 الساعة 1:15 م على الرابط التالي
([7]) د. سعيد ندا، “تأبيد السلطة: قراءة في نتائج انتخابات موزمبيق لعام 2024 م”، على موقع قراءات إفريقية، تحققت آخر زيارة في 11 يوليو 2025 الساعة 1:20 م على الرابط التالي
([8]) د. سعيد ندا، “نار تحت الرماد: الصراع في تيجراي، ينذر بإشعال القرن الإفريقي”، علي موقع منصة جيسكا، تحققت آخر زيارة في 11 يوليو 2025 الساعة 1:25 م على الرابط:
https://www.geeska.com/ar/nar-tht-alrmad-alsra-fy-tyjray-yndhr-bashal-alqrn-alafryqy
([9]) دومنيكا امت، “جنوب السودان بعد 14 عامًا من الاستقلال: سلام غائب وأزمات متواصلة“، علي موقع منصة جيسكا، تحققت آخر زيارة في 11 يوليو 2025 الساعة 1:30 م على الرابط:
https://www.geeska.com/ar/jnwb-alswdan-bd-14-amana-mn-alastqlal-slam-ghayb-wazmat-mtwaslt
([10]) د. أحمد عسكر، “الإرهاب في إفريقيا: السياق العام وخريطة الانتشار والمستقبل” (لندن: مركز أبحاث جنوب الصحراء، سلسلة قضايا إفريقية، رقم 5، 2024) ص ص 22، 52.
([11]) تعد نظرية القوة، أحد أهم نظريات تفسير أنماط العلاقات الدولية، والناتجة عن المنظور الواقعي أو التقليدي، أو ما يُطلِق عليه البعض “منظور الفوضــى الدولية”، ولمزيد من التفصيل انظر:
– د. جمال محمد سليم، “دراسة نقدية لنظرية القوة في العلاقات الدولية”، في مجلة كلية السياسة والاقتصاد (بني سويف: كلية السياسة والاقتصاد، جامعة بني سويف، المجلد 19، العدد 18، إبريل 2023) ص ص ٢٩٤- ٣١٥.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"