فى ظل أجواء التوتر التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تواصل بعض جماعات التطرف محاولاتها لإعادة موجات العنف المسلح باسم الدين، وفرض أفكارها التكفيرية البعيدة عن صحيحه.
وفى هذا السياق، برز دور الأزهر الشريف من خلال مرصده فى فضح هذه المحاولات والرد عليها، بصفته المرجعية الوسطية للدين الإسلامى فى العالم.
وخلال السنوات الأخيرة، ومع صعود جماعات العنف المسلح مثل «حسم»، لم يقتصر دور الأزهر الشريف على التعليم والدعوة التقليديين، بل برز كحائط صد فكرى وروحى أمام نزعات التطرف التى تتبناها هذه الكيانات الإرهابية، ومؤخرًا، وفى توقيت بالغ الدقة، وبعد توالى الإشادات الدولية بجهود مصر فى محاربة الإرهاب، أطلق تنظيم «حسم» الإرهابى تسجيلًا مرئيًا جديدًا عبر منصات التواصل، يحمل عنوانًا مبهمًا: «قادمون».
لكن اللافت لم يكن فقط توقيت البث، بل ما كشفه مرصد الأزهر لمكافحة التطرف عن الأهداف الخفية والرسائل المشبوهة التى تقف خلف هذه المادة المصورة.
أرشيف متهالك
ما بثه «حسم» ليس أكثر من صدى خافت لمحاولة يائسة لاستعادة حضور سقط منذ سنوات، تحت وطأة الضربات القاصمة التى تلقاها من القوات المسلحة والأجهزة الأمنية. ولعل ما كشفه مرصد الأزهر من تحليل دقيق، يعكس يقظة مؤسسات الدولة، وأهمية المواجهة الإعلامية الواعية، التى لا تقل أهمية عن العمل الميدانى فى معركة الدولة ضد الفكر الإرهابى وجماعاته.
كشف مرصد الأزهر، فى بيان رسمي، أن المقطع المتداول ليس سوى تجميع مشوه لمقاطع قديمة سبق بثها فى إصدار بعنوان «قاتلوهم» عام 2017، وهو ما يعنى أن «حسم» تلجأ إلى أرشيفها المتهالك لإعادة تقديمه فى ثوب جديد يخدع الرأى العام.
ولم يكن مضمون الفيديو بعيدًا عن محاولات الاستعراض الزائف، إذ تضمن مشاهد لتدريبات عسكرية بأسلحة خفيفة ومتوسطة، إلى جانب لقطات استخدام قذائف «آر بى جي» وهاون، مصحوبة بأناشيد حماسية، فى محاولة لتضخيم القدرة القتالية لتنظيم فقد فعليًا القدرة على الحركة والتنفيذ.
محاولة فاشلة
وبحسب مرصد الأزهر، فإن توقيت بث فيديو «حسم» لا يخلو من دلالة، إذ تزامن مع إنجازات أمنية مصرية بارزة، دفعت التنظيم إلى محاولة يائسة للتشويش الإعلامى وصناعة «ضوضاء دعائية» تشغل الرأى العام عن النجاحات الأمنية التى حققتها القوات المسلحة والشرطة فى ملاحقة فلول الإرهاب.
وأشار بيان مرصد الأزهر إلى أن المادة المصورة تضمنت رسائل تهديد غير مباشرة، تنطوى على محاولة التنظيم التلويح ببدء مرحلة جديدة من التصعيد، رغم ما يعانيه من انهيار بنيوى وتنظيمى منذ سنوات، مؤكدًا أن «الرسائل الدعائية» لا تعكس واقع التنظيم، بل تكشف عمق أزمته الداخلية ورغبته فى استعادة حضور إعلامى غائب.
ويرى مرصد الأزهر أن هذا التحرك الإعلامى ليس سوى محاولات لخلط الأوراق الإقليمية، خاصة فى ظل الحديث عن تهدئة محتملة فى غزة، مشيرًا إلى أن بعض التنظيمات المتطرفة تحاول استغلال القضية الفلسطينية كستار لتمرير أجندات مشبوهة، سواء عبر تجييش العاطفة أو بث رسائل تضليل إعلامي.
رسالة ثقة
فى ختام بيانه، وجه مرصد الأزهر رسالة طمأنة أكد فيها ثقته الكاملة فى قدرات أجهزة الأمن المصرية، ويقظة الشعب المصرى وتمسكه بوحدته الوطنية، معتبرًا أن الوعى الجمعى للمواطنين بات كفيلًا بإجهاض أى محاولات للتلاعب بالعقول أو إثارة البلبلة.
وفى سياق آخر، جدد المرصد دعوته إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية يضمن حقوق الشعب الفلسطيني، ويغلق الباب أمام استغلال المتطرفين لهذه القضية لأغراض لا علاقة لها بالحق ولا بعدالة النضال الفلسطينى.
خلفية «حسم»
جماعة «حسم» هى اختصار لـ «حركة سواعد مصر»، وهى جماعة إرهابية أعلنت عن نفسها فى عام 2016، ونفذت عدة عمليات استهدفت رجال أمن وشخصيات عامة.
وصنفتها الحكومة المصرية والعديد من الدول كتنظيم إرهابى مرتبط بجماعة الإخوان الإرهابية، ويستخدم العنف المسلح وسيلة لتحقيق أهدافه السياسية.
ومنذ اللحظة الأولى لظهور هذه الجماعة، أعلن الأزهر الشريف رفضه القاطع لأى فكر يبرر استخدام السلاح ضد الدولة أو المواطنين.
وشدد الأزهر الشريف فى بيانات متكررة على أن العنف لا يمت للإسلام بصلة، وأن استهداف مؤسسات الدولة أو رجال الأمن هو خروج على جماعة المسلمين ومروق من الشريعة.
وأكد شيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب، فى عدة مناسبات أن «من يحمل السلاح فى وجه مجتمعه لا يمكن أن يستظل بظل الإسلام، والإسلام براء من كل فكر يبرر القتل والتفجير باسم الدين».
سرايا أنصار السنة
فى التوقيت نفسه ووسط المشهد السورى المتوتر، برز اسم جماعة إرهابية جديدة تدعى «سرايا أنصار السنة»، مثيرةً الكثير من المخاوف والتساؤلات.
هذه الجماعة، التى تبنت مؤخرًا عملية تفجير كنيسة مار إلياس فى دمشق فى 22 يونيو الماضي، تدعى أنها «تنتصر لحرمة العقيدة»، بينما وصفها مرصد الأزهر بأنها امتداد واضح للفكر الداعشى تحت لافتة جديدة تستدر العواطف السنية وتحرض على الكراهية الطائفية.
فى بيان مرئى نشرته الجماعة أواخر يونيو، أعلنت مسئوليتها عن تفجير كنيسة مار إلياس بدمشق، معتبرةً الهجوم «ردًا على استفزازات التنصير» بحسب وصفها.
وذكرت الجماعة اسم منفذ العملية: محمد زين العابدين أبوعثمان، فى خطاب يطغى عليه الحقد الطائفى والتكفير العلنى.
من جانبه، أصدر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف بيانًا صارمًا، حذر فيه من هذه الجماعة، مؤكدًا أن «اختطاف مصطلح السنة لا يجعل من الإرهابيين أهل سنة... بل هم خصوم السنة ومنهجها الوسطي».
وأشار البيان بوضوح إلى أن الجماعة تسير على خطى داعش، وأنها تعيد إنتاج التطرف الدينى بتقنيات جديدة، كما تحاول خلق حالة عداء طائفى تغذى بها نيران الحرب الأهلية. واعتبر الأزهر، أن تحركات الجماعة تمثل خطرًا حقيقيًا على تماسك المجتمع السورى وسمعة الإسلام نفسه.
مواجهة فكرية
يرى الأزهر، أن مواجهة هذا التيار لا تقتصر على الملاحقة العسكرية، بل تتطلب ردًا فكريًا عميقًا ومستمرًا، من خلال تعزيز الخطاب الدينى المعتدل فى المناهج والمنابر، ورصد المحتوى الإعلامى التحريضى للجماعة وتحليله.
كما دعا إلى فتح حوارات مجتمعية وشبابية حول معنى الانتماء الدينى والوطنى بعيدًا عن الشحن الطائفى، بالإضافة إلى فضح أساليب غسل العقول التى تستخدمها هذه الجماعات، وخاصة تجاه الفئات الشابة الغاضبة أو المحبطة.
وما يثير القلق أن «سرايا أنصار السنة» تراهن على خطاب عاطفى دينى مغلف بـ«نصرة أهل السنة»، وتعمل عبر أدوات أكثر تطورًا وخطاب أكثر مواربة. إنها ليست داعش بشعارها الأسود وسيوفها، لكنها قد تكون داعش بوجه جديد، وبحضور إعلامى أشد خطرًا. وفيما تبدو سوريا كأرض خصبة لمثل هذه النبتات الشاذة، فإن التحذير الذى أطلقه الأزهر هو ناقوس خطر، ينبغى أن يترجم إلى تحرك عربى وإسلامى مشترك لحماية المجتمعات من تكرار الكارثة.
تكوين الجماعة وأيديولوجيتها
ظهرت جماعة «سرايا أنصار السنة» فجأة على الساحة السورية مطلع عام 2025، وسط فراغ فى بعض المناطق الخارجة عن سيطرة النظام والمعارضة التقليدية، خاصة فى ريف دمشق ودرعا.
وتتشابه المرجعية الفكرية للجماعة مع تنظيم «داعش»، من حيث رفض التعددية الدينية والطائفية، وتكفير الشيعة والمسيحيين والنصيريين (العلويين)، وتبنى «الولاء والبراء» كمرتكز عقائدي، واستخدام العمليات الانتحارية وسيلة لإثبات الوجود الإعلامي.
هذه الجماعة غير مرتبطة رسميًا بتنظيم القاعدة أو داعش، لكنها تستلهم من فكرهم، وتشير بياناتها إلى إعجابها بسيد قطب وبن لادن، مع لمحات من فكر «محمد سرور» (السلفية الحركية).
وتتمثل الأهداف المعلنة لجماعة «سرايا أنصار السنة» في: «إقامة شرع الله» على منهج «الفرقة الناجية»، وتطهير سوريا من «الروافض» و«النصارى» حسب وصفهم، والوقوف ضد «التغريب والعلمنة» ومشاريع التسوية السياسية.
لكنها، على خلاف داعش، تسعى إلى الانتشار الإعلامى أولًا، عبر مؤسسة إعلامية تحمل اسم «العاديات»، تبث منها مقاطع مرئية وتحريضات مكتوبة تستهدف المسيحيين والعلويين والشيعة، وتبشر بما تسميه «تطهير سوريا من الروافض والصليبيين».
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"