تواصل صناديق الاستثمار المستدام ترسيخ مكانتها كونها ضمن أكثر أدوات التمويل جذبًا، رغم رياح الشك والتقلبات التي تعصف الأسواق العالمية.
وكشف تقرير حديث -اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن)- أنه رغم تصاعُد الجدل السياسي حول استثمارات الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG)، فقد أظهرت أداءً قويًا خلال العام الماضي، لكن الحذر خيَّم على السوق مع بداية عام 2025.
ففي الربع الأول من عام 2025، سجلت صناديق الاستثمار المستدام صافي تدفقات نقدية خارجة بقيمة 8.6 مليار دولار، إذ لم يتجاوز صافي قيمة السندات المستردّة 0.3% من إجمالي الأصول البالغة 3.2 تريليون دولار بنهاية مارس/آذار الماضي.
وكانت هذه الصناديق، التي تهتم بالاستثمار في الطاقة منخفضة الكربون والمسؤول اجتماعيًا، قد اجتذبت 31 مليار دولار من صافي التدفقات الداخلة خلال 2024.
وبالرغم من التدفقات الخارجة المسجلة في الربع الأول من 2025، أشار التقرير إلى أنها ليست سوى وقفة بدافع الحذر، وينتظر المستثمرون مزيدًا من الوضوح قبل إعادة ضخ رؤوس أموالهم.
ومن حيث العائدات، تفوقت أسهم شركات الطاقة النظيفة على قطاعات الوقود الأحفوري والطاقة التقليدية.
أداء صناديق الاستثمار المستدام في الدول
كما هو الحال منذ أوائل عام 2023، واصلت الولايات المتحدة تسجيل تدفقات خارجة من صناديق الاستثمار المستدام، وذلك للربع العاشر على التوالي، مع تراجع لافت في الأصول المُدارة بنسبة 4%.
على الجانب الآخر من الأطلسي، استحوذت أوروبا على 84% من إجمالي الأصول حتى نهاية مارس/آذار (2025)، مع تسجيل تراجع طفيف بنسبة 0.4%، وفقًا للتقرير الصادر عن معهد اقتصادات الطاقة والتحليل المالي.
وتعكس هذه الفجوة بين جانبي الأطلسي مدى تأثُّر الأسواق بالمناخ السياسي، حيث تتعرض الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة في أميركا لهجمة متصاعدة من السياسات المناهضة على مستوى الولايات، يقابلها تراجع متزايد في التزامات بعض الشركات.

في المقابل، تشهد الأسواق الأوروبية حالة من التدقيق والتنظيمات المعقّدة، إذ أثارت عودة النقاش حول إدراج أسهم شركات الدفاع ضمن محافظ الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة توترًا في الأوساط المالية.
ورغم ذلك، كشف استطلاع حديث أجرته مجموعة "بي إن بي باريبا" أن قرابة نصف المستثمرين من المؤسسات المشاركين ملتزمون بالاستدامة رغم التغيرات السياسية، بينما توقَّع الأغلبية أن تصبح هذه الاستثمارات أكثر أهمية خلال السنوات الـ5 المقبلة، مقابل 16% فقط رأوا عكس ذلك، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
كما أظهرت نتائج استطلاع "مورغان ستانلي" أن الغالبية الساحقة من الشباب ما تزال متمسكة بالاستثمار المستدام.
صناديق الاستثمار المستدام في آسيا
أشار التقرير إلى أن صناديق الاستثمار المستدام في آسيا بدأت تسجل تقدمًا ملحوظًا، إذ جذبت التدفقات خلال الربع الأول من العام الجاري، بفضل الزخم في كوريا الجنوبية وتايوان وتايلاند.
ففي تايوان، شهدت سوق الصناديق المتداولة طفرة جعلتها ثالث أكبر سوق في آسيا، حيث وصلت إلى 272 صندوقًا، بإجمالي أصول بلغ 6.4 تريليون دولار تايواني (220 مليار دولار أميركي) بنهاية 2024.
ويُعزى هذا النمو إلى ازدهار الاستثمار الفردي وتزايُد الطلب على أدوات استثمار منخفضة التكلفة وسهلة التسييل (تحويلها إلى نقد)، ما أدى إلى تدفقات صافية متواصلة إلى الصناديق المستدامة التايوانية منذ الربع الرابع من عام 2023.

أمّا في تايلاند، فقد أدت الحكومة دورًا في تحفيز الاستثمار المستدام عبر حوافز ضريبية تصل إلى 30% للمستثمرين في صناديق الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة، شرط أن تخصص الصناديق ما لا يقل عن 80% من صافي أصولها لأدوات استثمار محلية مستدامة، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
كما سجلت الصناديق المستدامة في الصين أول تدفقات داخلة خلال الربع الأول من عام 2025، بعد سلسلة من التدفقات الخارجة استمرت منذ الربع الثاني من عام 2022.
وجاءت هذه العودة الخجولة على وقع عام استثنائي شهدته سوق الصناديق المتداولة، التي استقطبت 1.1 تريليون يوان (نحو 153.5 مليار دولار) من التدفقات الداخلة في عام 2024، وهو أعلى مستوى في تاريخ السوق وبزيادة بنسبة 104% مقارنة بعام 2023.
ورغم أن التدفقات الداخلة في صناديق الاستدامة محدودة، فإنه يعكس تحولًا في المزاج الاستثماري تجاه التمويل الأخضر في الصين، مدفوعًا بتوجهات تنظيمية داعمة، وطرح منتجات جديدة ذات الطابع البيئي والاجتماعي والحوكمة، فضلًا عن الجهود الحكومية المستمرة لتعزيز شفافية السوق وتوحيد المعايير.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر: