03:10 م - الأربعاء 9 يوليو 2025

في خطوة تكرّر مشهدًا اقتصاديًا مألوفًا، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تأجيل تنفيذ الرسوم الجمركية الجديدة التي كان من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ اليوم، الأربعاء 9 يوليو، إلى الأول من أغسطس المقبل. وبرغم ترحيب الأسواق بهذا التأجيل، إلا أن حالة عدم اليقين التي تخيّم على المشهد التجاري الأميركي تزداد تعقيدًا، مما يضع الشركات والمستهلكين في مواجهة مستقبل اقتصادي ضبابي.
الرسوم الجمركية: ضرائب مستترة على المستهلك
الرسوم الجمركية ليست سوى ضرائب تُفرض على الواردات، تؤدي بطبيعتها إلى ارتفاع تكاليف السلع الوسيطة والنهائية، ما ينعكس مباشرة على أسعار السلع في الأسواق الأميركية. وتشير بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن نحو نصف واردات الولايات المتحدة تُصنف ضمن السلع الوسيطة، أي أنها تدخل ضمن مراحل الإنتاج الصناعي، مثل مكونات السيارات والطائرات.
هذا الارتفاع في التكلفة لا تتحمله الشركات فقط، بل يُنقل تدريجيًا إلى المستهلك النهائي، الذي يجد نفسه مضطرًا لدفع أسعار أعلى مقابل نفس المنتجات. وبالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة، فإن هذه التكاليف تمثل عبئًا يصعب امتصاصه، نظرًا لمحدودية هوامش الربح والسيولة المالية.
تأثيرات محتملة على التضخم والقدرة الشرائية
رغم عدم تسجيل الرسوم السابقة تأثيرًا فوريًا على معدلات التضخم أو النمو الاقتصادي، إلا أن التقديرات الاقتصادية تحذر من أن آثارها قد تكون مؤجلة، لتظهر لاحقًا في صورة ارتفاع تدريجي للأسعار وتباطؤ في الطلب الاستهلاكي. هذا التأثير، إذا ما تحقق، قد يُسهم في تقويض استقرار الاقتصاد الأميركي، خاصة في ظل احتياج الأسواق إلى الثبات النقدي والمالي.
الرسوم السابقة: نتائج مباشرة على المستهلك والوظائف
تجربة عام 2018 عندما فُرضت رسوم جمركية بقيمة 283 مليار دولار على واردات أجنبية، أظهرت أن كامل العبء تم تمريره إلى المستهلك، في ظاهرة يُطلق عليها اقتصاديًا "التمرير الكامل". وقد ساهم هذا القرار في رفع أسعار المنتجات المستوردة دون أن ينعكس بزيادة فعلية في مستويات التوظيف داخل القطاعات المستفيدة من الحماية الجمركية.
وعلى العكس، أثبتت الدراسات أن الصناعات التي تعتمد على واردات كمدخلات إنتاج – مثل صناعة السيارات أو الطائرات – كانت الأكثر تضررًا، نظرًا لتضاعف تكاليفها، ما أدى إلى تقليص الإنتاج وتسريح العمالة.
تراجع النمو الاقتصادي… سيناريو مكرر
تؤكد دراسات حديثة شملت أكثر من 150 دولة أن الرسوم الجمركية المرتفعة ترتبط بانخفاضات طويلة الأمد في الناتج المحلي الإجمالي. فعندما ترتفع تكلفة المدخلات، تنخفض الكفاءة الإنتاجية، ويضطر الاقتصاد إلى التخلي عن تخصصه في القطاعات الأكثر تنافسية.
هذا الانكماش لا يقتصر على الإنتاج فقط، بل يمتد إلى سلوكيات الشركات، التي تقلل من استثماراتها في ظل حالة الغموض بشأن مستقبل السياسات التجارية، كما أظهرت بيانات الاتحاد الوطني للأعمال المستقلة في الولايات المتحدة، والذي سجل أدنى مستوى للنوايا الاستثمارية لدى الشركات الصغيرة منذ عام 2020.
بين التجارة الحرة والحمائية: الدروس المستفادة
رغم أن التجارة الحرة لا تخلو من التحديات، خاصة على صعيد فقدان الوظائف في بعض القطاعات، إلا أنها – تاريخيًا – ساهمت في رفع مستوى الرفاه الاقتصادي وخفض أسعار السلع الاستهلاكية في الولايات المتحدة منذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في 2001.
ومع ذلك، لا يرى معظم الخبراء أن الرسوم الجمركية تمثل الحل الأمثل لبناء قاعدة صناعية قوية. بل يفضلون بدائل مثل الدعم الحكومي الموجه أو الاستثمار في برامج إعادة تأهيل العمالة، ضمن ما يُعرف بمبدأ "التحول العادل".
بينما قد يُنظر إلى تأجيل الرسوم الجمركية على أنه فرصة إضافية للتفاوض، إلا أن استمرار الغموض بشأن مستقبل السياسة التجارية الأميركية يُبقي الأسواق في حالة توتر دائم. فالأثر الحقيقي لهذه الرسوم قد لا يظهر على الفور، لكنه بالتأكيد يتسلل تدريجيًا إلى مفاصل الاقتصاد، من القدرة الشرائية للمستهلك، إلى إنتاجية الشركات، وصولًا إلى النمو والتوظيف.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.