أخبار عاجلة

اقتصاد الحرب لدى الحوثيين: من استنزاف الشعب إلى إمبراطورية المال الخفي

اقتصاد الحرب لدى الحوثيين: من استنزاف الشعب إلى إمبراطورية المال الخفي
اقتصاد الحرب لدى الحوثيين: من استنزاف الشعب إلى إمبراطورية المال الخفي

في الوقت الذي يعاني فيه اليمن من واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، تتكشّف فضيحة مدوية تؤكد أن معظم المساعدات الإنسانية التي كانت موجهة لإنقاذ أرواح اليمنيين، قد تحولت إلى مصدر تمويل مباشر لمليشيا الحوثي. 

فقد اتهمت الحكومة اليمنية، اليوم الإثنين، مليشيا الحوثي بنهب نحو 75% من المساعدات الإنسانية الموجهة إلى اليمن، وتحويلها إلى آلة حرب اقتصادية، وأداة لإثراء قياداتها.

وأوضح وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، في بيان صحفي أن المليشيات الحوثية استغلت المساعدات الدولية لتحويلها إلى أحد روافد اقتصادها الموازي، بل واعتبرتها مصدر تمويل رئيسي لجهودها الحربية. ولفت إلى أن المجتمع الدولي، بتغاضيه المستمر عن هذه الممارسات، يساهم بشكل غير مباشر في تعقيد الأزمة الإنسانية وإطالة أمد الحرب.

تحويل المساعدات إلى أدوات حرب

212.png

منذ عام 2015 وحتى منتصف 2024، استقبل اليمن مساعدات إنسانية تتجاوز قيمتها 23 مليار دولار، منها ما يقارب 75% خصصت للمناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين. لكن بدلًا من أن تصل هذه المساعدات إلى ملايين الجوعى والفقراء والمرضى، عمدت المليشيا إلى نهبها واستخدامها لدعم عملياتها العسكرية.

الإرياني أشار إلى أن الحوثيين أنشأوا ما يُسمى بـ "المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي" (SCMCHA)، وهو جهاز يرتبط بالأمن والمخابرات، ويعمل كأداة تحكم وابتزاز ضد الوكالات الأممية والمنظمات الإنسانية. لا يُسمح لأي نشاط إنساني في مناطق الحوثيين دون موافقة هذا المجلس، مما أدى إلى سيطرة شاملة على العمل الإنساني.

شبكة فساد وتحكم في المساعدات

أوضح الإرياني أن المليشيات فرضت مئات المنظمات التابعة لها كشركاء تنفيذ، ما سمح لها بالسيطرة الكاملة على سلسلة الإمداد والمشتريات، بما يشمل فرض موردين وشركات تابعة لها على وكالات الأمم المتحدة. وهو ما أتاح لها تمرير المساعدات عبر قنوات موالية، تضمن لها التحكم الكامل في آلية التوزيع والاستفادة القصوى من الأموال.

تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة عام 2019، أكد هذه الاتهامات، حيث أشار إلى أن الحوثيين يمارسون عراقيل ممنهجة ضد المنظمات، ويعتدون على الموظفين، ويمنعون التأشيرات، ويضغطون لتوظيف موالين لهم داخل هذه المنظمات.

أساليب متعددة للنهب

لم تقتصر ممارسات النهب الحوثية على التلاعب بقوائم المستفيدين أو توجيه الدعم لأسر قتلاهم ومقاتليهم، بل شملت أيضًا الاستيلاء المباشر على المواد الغذائية والدوائية وبيعها في السوق السوداء. كما فرضت المليشيا "ضرائب" بنسبة 2% على المساعدات تحت مبرر "نفقات تشغيلية"، ونقلت عمليات استلام المساعدات إلى ميناء الحديدة، حيث لها سيطرة تامة، بدلًا من ميناء عدن.

من ناحية أخرى، كشف الإرياني أن الحوثيين أجبروا بعض وكالات الأمم المتحدة على دفع رواتب ضخمة لقيادات في المجلس الحوثي، حيث وصلت رواتب بعضهم إلى 10 آلاف دولار شهريًا، إضافة إلى تمويل نفقات تشغيلية وتأثيث بقيمة تصل إلى مليون دولار كل ثلاثة أشهر من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، و200 ألف دولار من وكالة الهجرة.

منظمات وهمية ومؤسسات تابعة للمليشيات

اعتمد الحوثيون على مؤسسات واجهة لتنفيذ عمليات النهب، من أبرزها: مؤسسة "بنيان التنموية" التابعة للقيادي محمد المداني، ومؤسسة "يمن ثبات" التابعة لـ فواز الحامد، والمركز اليمني لحقوق الإنسان التابع لإسماعيل المتوكل، بالإضافة إلى شركة "أركان النهضة" التي حصلت على عقود تجاوزت نصف مليون دولار في محافظة الحديدة وحدها.

التأثير على الأزمة الإنسانية وثقة المانحين

تسببت هذه الممارسات في تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل كبير، إذ أدت إلى فقدان الثقة من جانب المانحين وتقليص حجم التمويل الإنساني الموجه إلى اليمن. ملايين من اليمنيين، لا سيما النازحين والجوعى، دفعوا ثمن هذا الفساد المنظم الذي تمارسه مليشيا الحوثي، حيث استُغلت معاناتهم لتمويل آلة الحرب الحوثية.

الإرياني دعا المجتمع الدولي إلى التخلي عن سياسة "غض الطرف"، والعمل بجدية لمراجعة آليات العمل الإنساني في اليمن، وإبعاد أذرع الحوثيين من سلاسل التوزيع، وفرض رقابة ميدانية صارمة وشفافة. وأكد أن ممارسات الحوثيين تُعد نهبًا منظمًا يرقى إلى مستوى الجريمة المنظمة، ما يتطلب موقفًا دوليًا حازمًا.

اقتصاد حربي مافيوي

نهب المساعدات لا يعكس فقط فسادًا إداريًا، بل يكشف عن منظومة اقتصادية حربية مافيوية تقودها المليشيا الحوثية، تقوم على استغلال المساعدات كمصدر دائم للتمويل، بعيدًا عن مؤسسات الدولة الشرعية. 

وحذر الإرياني من أن السلام في اليمن سيظل بعيد المنال ما لم يتم قطع مصادر تمويل هذا الاقتصاد الحربي ومحاسبة المتورطين في النهب.

بيانات وتقارير داعمة

تشير تقارير أممية إلى أن ما يقارب 60% من المساعدات لا تصل إلى مستحقيها في مناطق الحوثيين، فيما أكد برنامج الغذاء العالمي اختفاء كميات ضخمة من المساعدات عام 2019. كما كشفت مبادرة "استعادة الأموال المنهوبة – REGAIN YEMEN" أن من أصل 13.5 مليار دولار من المساعدات الموجهة لمناطق الحوثيين، تم نهب أكثر من 80% منها.

إن نهب المساعدات الإنسانية في اليمن من قبل مليشيا الحوثي يمثل جريمة مزدوجة، فهي لا تسرق الغذاء والدواء فحسب، بل تسرق الأمل والكرامة من شعب يعاني منذ سنوات. هذه الكارثة تتطلب تحركًا حاسمًا من المجتمع الدولي، ووضع آليات شفافة ومحاسبة شاملة، لإنقاذ اليمنيين من براثن المليشيات التي جعلت من معاناتهم مصدرًا للربح والسيطرة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق عاجل- الحكومة تعتمد معايير مستحقي الوحدات البديلة بقانون الإيجار القديم في اجتماعها المقبل
التالى نقابة الصحفيين المصريين تجدد إدانتها للجرائم الوحشية للعدوان الصهيوني في غزة