أخبار عاجلة

رسوم ترمب على صادرات الطاقة الروسية تهدد استقرار الأسواق العالمية (مقال)

رسوم ترمب على صادرات الطاقة الروسية تهدد استقرار الأسواق العالمية (مقال)
رسوم ترمب على صادرات الطاقة الروسية تهدد استقرار الأسواق العالمية (مقال)

اقرأ في هذا المقال

  • الهند ثالث أكبر مستهلك للطاقة في العالم رفضت المطالب الأميركية رفضًا قاطعًا
  • روسيا شكّلت أكثر من 40% من واردات الهند النفطية في أوائل عام 2025
  • قدرة الاتحاد الأوروبي على الوفاء بتعهده باستيراد الطاقة أصبحت موضع تساؤل
  • مصدّرو الغاز المسال الأميركيون لا يخضعون لسيطرة الحكومة

قد يهدّد تلويح الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية على صادرات الطاقة الروسية استقرار الأسواق العالمية، خصوصًا لدى الدول المستوردة.

وفي خطوة قد تُسفر عن عواقب عالمية كبيرة، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنذارًا جديدًا لموسكو: إنهاء الحرب في أوكرانيا خلال 10 إلى 12 يومًا، أو مواجهة عقوبات ثانوية شاملة قد تُعيد رسم مسار تدفقات التجارة العالمية وأسواق الطاقة والتحالفات الدبلوماسية جذريًا.

ووفقًا للباحث الأول لدى معهد الدراسات الهيكلية في الأكاديمية الرئاسية الروسية، فلاديمير إريمكين، فإن هذه العقوبات تُركز على روسيا وعلى شرايينها الحيوية المتبقية في تجارة الطاقة، وهي الصين والهند وتركيا والإمارات العربية المتحدة.

وتشمل العقوبات دولًا أخرى تُواصل تسهيل تداول النفط والغاز والفحم الروسي بأسعار مُخفضة.

العقوبات على الهيدروكربونات الروسية

يُعد مبدأ العقوبات هذا واضحًا؛ إذ سيفرض ترمب رسومًا جمركية عقابية بنسبة 100% على أي دولة أو شركة تشتري الهيدروكربونات الروسية، وتجميد وصولها إلى النظام المالي الأميركي، ووضعها على القوائم السوداء الاقتصادية.

وتهدف العقوبات إلى الضغط على أساطيل ناقلات النفط وشركات التأمين لقطع القنوات اللوجستية التي تحافظ على استمرار صادرات النفط والغاز الروسية.

ويُعدّ هدف العقوبات مزدوجًا، وهو خنق إيرادات موسكو في زمن الحرب، وفرض وقف إطلاق نار سريع في أوكرانيا بموجب الشروط التي تحددها الولايات المتحدة.

تجدر الإشارة إلى أن حملة الضغط هذه لا تنشأ من فراغ؛ إذ تتزامن مع مواءمة إستراتيجية كبيرة، وهي الاتفاق على شراء طاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بقيمة 750 مليار دولار على مدى 3 سنوات.

وهذا يتطلّب من الدول الأوروبية زيادة مشترياتها من النفط والغاز والفحم الأميركي بصورة كبيرة، وهو رقم طموح، ومن المرجح ألا يتحقّق في ظل القيود الحالية على الإنتاج والتجارة العالمية.

صادرات الغاز المسال الأميركية

في عام 2024، بلغ إجمالي صادرات الولايات المتحدة من الطاقة -بما في ذلك النفط والغاز المسال والفحم- نحو 166 مليار دولار، وهو أقل كثيرًا من 250 مليار دولار سنويا التي من المفترض أن يلتزم الاتحاد الأوروبي بشرائها، حاليًا.

ولتنفيذ هذه الاتفاقية، لن يقتصر الأمر على استبعاد الطاقة الروسية تمامًا -وهو ما تحقق إلى حد كبير في حالة النفط والفحم- بل سيحتاج إلى تقليص الواردات من موردين آخرين مثل النرويج والجزائر وأذربيجان وقطر ونيجيريا، ما لم ترتفع الأسعار العالمية بصورة كبيرة.

في عام 2024، بلغ إجمالي صادرات روسيا من الطاقة إلى جميع الوجهات 242 مليار يورو (261 مليار دولار)، ما يدل على استمرار صمودها رغم الحظر الغربي الجزئي ووضع سقف لسعر النفط المنقول بحرًا (47.6 دولارًا للبرميل بدءًا من يوليو/تموز 2025).

وفي أفضل سنواتها قبل الحرب، زوّدت روسيا الاتحاد الأوروبي بما يصل إلى 40% من غازه وثلث نفطه، وهو اعتماد تسعى بروكسل الآن، ومن المفارقات، إلى تكراره مع الغاز المسال والنفط الصخري الأميركيين.

تأثُّر أبرز اللاعبين في قطاع الطاقة

ما تزال الصين تُمثّل المحور الرئيس؛ إذ تُعدّ بكين الآن أكبر مستهلك للطاقة الواردة من موسكو، وتتجاوز وارداتها اليومية 2.3 مليون برميل من الخام الروسي (متوسط عام 2025)، إلى جانب كميات كبيرة من الغاز عبر خط أنابيب "باور أوف سيبيريا-1".

ووفقًا لمدير الأبحاث والتطوير لدى معهد الطاقة والمالية، أليكسي بيلوغوريف، من غير المرجح أن تمتثّل الصين للمطالب الأميركية.

أولًا، لأنها تُثمّن تنويع مصادر الطاقة، وثانيًا، لأن الاستسلام سيُضعف بشدة استقلاليتها الجيوستراتيجية ويُعزز دبلوماسية الإكراه الأميركية.

بدورها، تتوسع شركات خدمات حقول النفط الصينية، مثل شركة "تشاينا أويلفيلد سيرفيسز" (COSL)، بنشاط في ظل هذا الواقع الإستراتيجي الجديد.

وتستفيد الشركة -التي تُخطط شركتها الأم "سينوك" (CNOOC) لتوسيع إنتاجها بنسبة تتراوح بين 13% و15% بحلول عام 2027- بصفة مباشرة من جهود الصين لاستبدال الواردات في مجال الطاقة البحرية.

ويتوقع المحللون ارتفاع صافي الأرباح لعام 2025 بنسبة 26.2%، ليصل إلى 4 مليارات يوان (557 مليونًا و343 ألف دولار)، ما يجعله مؤشرًا على سيادة بكين الأوسع في مجال الطاقة.

بدورها، رفضت الهند، ثالث أكبر مستهلك للطاقة في العالم، المطالب الأميركية رفضًا قاطعًا.

وانتقد السفير الهندي لدى المملكة المتحدة، فيكرام دورايسوامي، المعايير المزدوجة الغربية، قائلًا: "نحن ثالث أكبر مستهلك للطاقة في العالم، ونستورد أكثر من 80% من طاقتنا، ما الذي تقترحون أن نفعله، أن نوقف اقتصادنا؟".

من ناحيته، أكد وزير الطاقة الهندي، هارديب سينغ بوري، إستراتيجية الهند لتنويع مصادرها، من خلال توسيع مصادر الغاز من 27 إلى 40 دولة، وتعزيز الواردات من البرازيل وكندا والدول الأفريقية.

تجدر الإشارة إلى أن روسيا شكّلت أكثر من 40% من واردات الهند من النفط الخام في أوائل عام 2025، بفضل تخفيضات كبيرة تصل إلى 20 دولارًا أقل من سعر خام برنت.

واردات الهند من النفط الروسي

وسيؤثر تهديد ترمب بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% في الهند بشدة، من خلال تضخم أسعار الطاقة، وخسارة محتملة تتجاوز 80 مليار دولار من تجارة السلع الأميركية والوصول إلى التكنولوجيا الأميركية.

وتبرز تركيا بصفتها أكثر الدول عرضة للضغوط الأميركية، فعلى الرغم من تحديها للعقوبات الغربية، ما تزال أنقرة معرّضة بشدة لتطورات أسواق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقد مثّلت 56% من إجمالي صادراتها في عام 2024.

بالإضافة إلى ذلك، تُعد الشركات التركية بارزة في تجارة ناقلات النفط "أسطول الظل"، التي تنقل النفط الروسي الخاضع للعقوبات إلى آسيا.

وفي حال استهداف العقوبات الثانوية شركات الشحن أو التأمين أو المصافي التركية، فقد تُجبر أنقرة على إعادة تقييم سياستها الخارجية الغامضة وتوازنها في مجال الطاقة.

قطاع النفط الروسي.. عالق بين التخفيض والطلب

على الرغم من عزلتها، ما تزال شركات النفط الروسية الكبرى صامدة.

  • روسنفط (Rosneft)، جوهرة التاج، على أهبة الاستعداد للاستفادة من تخفيف تحالف أوبك+ ونهج البنك المركزي الروسي المتساهل، وتهدف إلى إحياء مشروع فوستوك النفطي في عام 2026.

ومع انخفاض عبء الديون وخصم الأسهم (حددت شركة فينام (Finam) سعرًا مستهدفًا قدره 576.3 روبلًا (7.13 دولارًا)، بزيادة قدرها 39%)، تُعدّ الشركة استثمارًا دفاعيًا في قطاع الطاقة.

*(روبل روسي = 0.012 دولارًا أميركيًا)

  • لوك أويل (LUKOIL)، وهي شركة عملاقة أخرى، تواصل توزيع أرباح بنسبة 100% من التدفق النقدي الحر المعدل، وتمتلك احتياطيات نقدية تبلغ تريليون روبل.

وتتوقع شركة فينام توزيع أرباح بقيمة 674 روبل للسهم، ما يوفر إيرادات بنسبة 10.9% وإمكان نمو بنسبة 18%.

  • "سورغوت نفط غاز" (Surgutneftegaz)، التي غالبًا ما تُعد شركة محافظة، تتمتع بوفرة نقدية قدرها 5.7 تريليون روبل، على الرغم من أن قيمتها السوقية لا تتجاوز 1.2 تريليون روبل.

ويراهن المستثمرون على أرباح غير متوقعة أو عمليات إعادة شراء إستراتيجية.

  • بعد أن خسرت شركة غازبروم الروسية (Gazprom) معظم سوق الغاز الأوروبية، تعتمد الآن اعتمادًا كليًا على عقود النفط المُسعرة بالروبل مع الصين.

ومع بلوغ مشروع "باور أوف سيبيريا-1" قدرته الكاملة (38 مليار متر مكعب) في عام 2025، وتوقع إضافة 10 مليارات متر مكعب من مسارات الشرق الأقصى بحلول عام 2027، تُنوّع غازبروم استثماراتها ببطء.

في المقابل، ما تزال المحادثات مع إيران (صفقة محتملة لإنتاج 55 مليار متر مكعب سنويًا) مُجمّدة، لكنها تعكس توجّه موسكو الأوسع نحو آسيا.

النفط الروسي

مخاطر التصعيد أو الانتقام أو انهيار الطاقة العالمي

أثار إنذار ترمب 3 سيناريوهات محتملة لموسكو:

  • أولًا: الاستسلام. اتفاق لوقف إطلاق النار مع ضمانات أميركية وغربية مقابل تخفيف العقوبات وتحرير الأصول المجمدة. ويُمثّل هذا الخيار مخاطرة جيوسياسية للكرملين، ولكن يُمكن النظر فيه إذا انضمت الصين إلى الموقف الأميركي.
  • ثانيًا: الصمود في عزلة. حرب مطولة تحت حصار اقتصادي، وهذا يعني تخفيضات حادة في الميزانية، وانخفاضًا إضافيًا في قيمة الروبل، وضوابط على رأس المال، وانشقاقًا عن النخبة، ما يُهدّد استقرار بوتين الداخلي.
  • ثالثًا: التصعيد. تفسير العقوبات الثانوية على أنها عمل حربي فعلي، وفي أسوأ السيناريوهات، قد تُصدر روسيا تهديدًا نوويًا أو تُجري تصعيدًا عسكريًا رمزيًا -مثل تجربة أسلحة في القطب الشمالي أو ضربة عسكرية في دولة ثالثة (مثل مولدوفا أو جورجيا)- لإظهار عزمها.

من جهتهم، يشكّك خبراء غربيون -ومنهم كلاي سيغل (من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية) ومجموعة "رابيدان إنرجي غروب"- في أن الولايات المتحدة ستخاطر بارتفاع حاد في أسعار النفط العالمية بإزالة أكثر من 4.5 مليون برميل يوميًا من الإمدادات العالمية.

وسيؤدي ذلك إلى رفع سعر خام برنت إلى 130-150 دولارًا للبرميل، وانهيار الاقتصادات الهشة، وإشعال فتيل التضخم في الولايات المتحدة خلال دورة انتخابية.

بالإضافة إلى ذلك، لا يخضع مصدرو الغاز المسال الأميركيون لسيطرة الحكومة، ويحتفظ التجار العالميون -بمن فيهم الشركات الصينية والخليجية- بعقود شحن وبنية تحتية طويلة الأجل محصنة ضد الأوامر التنفيذية.

من ناحية ثانية، أصبحت قدرة الاتحاد الأوروبي على الوفاء بتعهده باستيراد الطاقة البالغ 250 مليار دولار سنويًا موضع تساؤل.

في عام 2024، استورد الاتحاد الأوروبي ما قيمته 80 مليار دولار فقط من الطاقة الأميركية، معظمها من الغاز المسال والنفط الخام الخفيف الحلو، الذي لا تستطيع المصافي الأوروبية معالجته على نطاق واسع دون إعادة تجهيز.

وقالت رئيسة قسم الأبحاث لدى شركة الاستشارات "إمبلمنتا"، ماريا بيلوفا: إن تحقيق هذا الهدف مستحيل فعليًا دون مضاعفة الأسعار 4 مرات أو إعادة ترتيب شركاء الاستيراد بصورة كبيرة، بما في ذلك التخلي عن الإمدادات من قطر أو الجزائر أو النرويج أو أذربيجان، وهو كابوس جيوسياسي.

التداعيات

لا يُعد إنذار ترمب بشأن العقوبات الثانوية مجرّد تهديد لروسيا، بل هو اختبار صدمة عالمي للنظام العالمي الجديد.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب
الرئيس الأميركي دونالد ترمب - الصورة من إن بي سي نيوز

وفي حال تنفيذه فسيُطلق أكبر فصل قسري لأسواق الطاقة منذ الحرب العالمية الثانية، مُدمّرًا منطق التجارة الحرة ومُحطّمًا بقايا تكامل سلسلة التوريد العالمية.

وسيكشف عن مدى بقاء الدولار الأميركي والوصول إلى الأسواق الأميركية رافعتين للهيمنة الإستراتيجية.

وستكون التكلفة باهظة، وقد يُؤدّي أيّ خطأ في التقدير إلى صدمة طاقة عالمية، وإشعال حروب تجارية انتقامية، وتسريع إنشاء أنظمة مالية وتجارية موازية، وهي جارية حاليًا من خلال أطر عمل مجموعة البريكس+، واتفاقيات إزالة الدولرة، والعملات الرقمية الإقليمية.

وبالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، يُعرّض خضوعه للاتفاق الأميركي لخطر التبعية الإستراتيجية، وتضخم تكاليف الطاقة، وانكماش الصناعة.

أمّا بالنسبة إلى روسيا فتُعدّ هذه بداية صراع طويل بين دولتَيْن عُظميين: إما أن تتفكك تحت الضغط، وإما أن تجد صمودًا في الشدائد، متمسكةً أكثر بشراكة "صينية-روسية"، ومُرسخةً تكاملًا أعمق مع إيران وكوريا الشمالية ودول الجنوب العالمي.

في النهاية، كل شيء يتوقف على بكين، وإذا قاومت الصين الضغوط الأميركية فسيتجه النظام العالمي نحو انقسام إستراتيجي أعمق.

أمّا إذا رضخت الصين فستواجه روسيا هزيمة اقتصادية وجودية، وستكون الولايات المتحدة قد أثبتت قدرتها الراسخة على فرض الامتثال العالمي؛ ولو لمرة أخيرة.

فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق رئيس الوزراء: مصر استطاعت تجاوز تحديات كثيرة وتواصل تنفيذ إصلاح اقتصادى
التالى نقابة الصحفيين المصريين تجدد إدانتها للجرائم الوحشية للعدوان الصهيوني في غزة